الرئيسيةالراي

رأي- مرحلة ما بعد حفتر

* كتب/ عبدالله الكبير،

أضحى الأفق مسدودا أمام خليفة حفتر، وبات مستقبله السياسي رهن تطورات الموقف الأمريكي من الأزمة الليبية وعموم المنطقة، وقياسا على تجارب سابقة فإن مصيره وكذلك مصير سلالته وشركائه يكاد يتضح رويدا رويدا.

فقانون استقرار ليبيا الذي صادق عليه مجلس النواب الأمريكي، وينتظر موافقة مجلس الشيوخ، سوف يكون سيفا مسلطا على الكثير من الشخصيات المتصدرة للمشهد وفي مقدمتهم حفتر. ولأن أولاده كانوا في صلب مشروعه الدموي بعد أن منحهم الرتب العسكرية، وقلدهم أرفع المناصب في مليشياته، فلن يختلف مصيرهم عن مصير من سبقهم في الإجرام من أبناء زعماء القتل، وصدام حسين والقذافي ليسوا آخرهم.

ثمة إصرار أمريكي على إنجاز الانتخابات الليبية في موعدها، وإزاء هذا التباطؤ في اتخاذ الخطوات اللازمة المؤدية لها، تفعل أمريكا والدول الغربية ترسانتها الدبلوماسية بالتوازي مع التلويح بالعقوبات، التي ربما تعطل بالفيتو الروسي والموقف الصيني المساند إذا جرى بحثها في مجلس الأمن، لذلك تم استحداث قانون خاص بالحالة الليبية يعطي للمؤسسات الأمريكية بكل مستوياتها المساحة المطلوبة للتحرك، والتصدي للتوغل الروسي في ليبيا ومنطقة الساحل، وهو ما يهدد مصالحها ومصالح حلفائها، ويربك حسابات صراعها المقبل مع الصين.

قبل أسابيع قليلة من تصويت النواب في الكونغرس على القانون، أبرم وكلاء عن حفتر عقدا مع مجموعتي ضغط للترويج لحفتر في الدوائر السياسية الأمريكية، وترتيب لقاءات له مع مسؤولين في البيت الأبيض، بغرض الدعاية وإظهار الدعم الأمريكي له في الانتخابات الرئاسية الليبية، ولكن العقد فسخ بعد التصويت على القانون، فمجموعات الضغط وشركات العلاقات العامة لن تجد مسؤولا سيقبل بمقابلة حفتر الذي تبدو بعض فصول القانون وكأنها مفصلة على مقاسه تماما.

المحاكمة التي يحاكم أمامها حفتر غيابيا الآن في ولاية فرجينيا بأمريكا في عدة قضايا، ستكون مجرد مقدمة لقضايا أخرى سترفع ضده بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، خلال السنوات التي أشعل فيها الحروب في ليبيا بذريعة محاربة الإرهاب. وبلغت ذروتها في الهجوم على طرابلس في أبريل 2019، قبل دحر قواته ومرتزقته وفرارها تجر أذيال الهزيمة بعد أكثر من سنة مخلفة، وراءها الخراب والألغام والمقابر الجماعية.

لم يقدم فريق دفاعه أي مرافعات لدحض التهم الموجهة له، لأنه لا يملك أي حجج مضادة تصمد أمام قوة الأدلة التي قدمها محامي الضحايا، مكتفيا بمحاولة تحصينه من المحاكمة بمزاعم تحمله مسؤوليات رئاسية، وادعاء أن القوانين الليبية تعاقب بالإعدام من يقدم معلومات تنطوي على أسرار تخص الدولة الليبية، وقد رفضت المحكمة هذه الحصانة المزعومة، وأمهلت حفتر أسبوعين للمثول أمامها والخضوع للاستجواب قبل صدور الحكم.

تشير بعض الأنباء إلى عرض قدمته بعض القوى الكبرى بتوفير خروج آمن لحفتر، والاستقرار في الإمارات، والكف عن عرقلة مسار التحول في ليبيا، وأجزم أن العرض صحيح أو على الأقل طرحه كخيار مع جملة خيارات أخرى تدرسها أمريكا مع حلفائها، لإنجاح التسوية السياسية في ليبيا، ولكن لابد أولا من تثبيت الأوضاع في مناطق نفوذه ومنع انتشار الفوضى.

وإذا صح هذا النبأ أو أصبح أفضل الخيارات. هل سيقبل حفتر ويذهب طائعا للمنفى الآمن، متخليا عن الحلم الذي يداعب خياله منذ عقود في حكم ليبيا على طريقة القذافي؟

بالنظر إلى حجم الجرائم التي ارتكبتها قواته وتوثيقها في عدة تقارير دولية، وتوفر شروط رفع القضايا ضده في المحاكم الليبية والدولية، فالمرجح هو عدم قبوله للعرض الذي لن يوفر له الحماية من الملاحقة ما تبقى له من عمر، وثمة سابقة دشنت إمكانية ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان، فقد ظل طاغية تشيلي السابق بينوتشه محصنا من القضاء حتى بعد مغادرته السلطة، ولكن فور سفره خارج تشيلي بدأ القضاء الدولي في ملاحقته لمحاكمته على الجرائم والانتهاكات زمن حكمه لتشيلي.

وتم حجزه رهن الإقامة الجبرية لعام ونصف في لندن، ولم يقف مرضه أو تقدمه في السن حائلا دون ملاحقته، غير أن عدم قدرته على المثول أمام المحكمة بسبب مرضه الشديد دفعت القضاء الإسباني إلى التوقف عن ملاحقته، وسمحت له بريطانيا بالعودة إلى تشيلي ليكمل أيامه معزولا في إحدى قراها النائية.

والمعروف أن بينوتشه انقلب على الرئيس التشيلي المنتخب سلفادور الليندي في سبعينات القرن الماضي بدعم من المخابرات الأمريكية، وكان من عملائها البارزين في أمريكا اللاتينية لمواجهة المد الشيوعي، ثم تخلت عنه بعد انتهاء صلاحيته، كما تفعل عادة مع عملائها حين تنتهي صلاحيتهم، ويبدو أن صلاحية حفتر للمصالح الأمريكية شارفت علي النهاية، وما صدور قانون استقرار ليبيا، وفسخ عقود الترويج له أمريكيا ليظفر برئاسة ليبيا في الانتخابات المقبلة، وتواتر الحديث عن الخروج الآمن إلا مؤشرات قوية على اقتراب مرحلة ما بعد حفتر، التي قد تتأخر إذا اختار التصعيد وعدم الاستسلام لمصيره الحتمي، فهل ماتزال لديه بعض الأوراق لمواصلة اللعب وقد نفد رصيده الشعبي أو يكاد؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى