اخبارالرئيسيةعربي ودولي

كيف كسب الفلسطينيون معركة الرأي العام العالمي؟

عربي 21-

“الأرض المسروقة” و”الأبارتايد” و”التطهير العرقي” و”جرائم حرب”، مصطلحات اقتحمت وسائل الإعلام العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي، واستخدمها نواب في الكونغرس وإعلاميون وحقوقيون ومشاهير في الساحة الأمريكية، ضد ما فعله الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة والضفة الغربية وغزة.

جولة الحرب الأخيرة لم تكن كسابقاتها، فلطالما كسبت “إسرائيل” الصراع الإعلامي، واستفادت من قنوات التواصل الاجتماعي، وتصريحات قادتها، لتشكيل سرد خاص بها لصالحها، وتصور نفسها على أنها المظلومة التي تتعرض لهجوم من “مجموعات إرهابية”، وأن عليها الدفاع عن نفسها.

إلا أنه في هذه المرة، حقق الفلسطينيون الذين تحدثوا علنًا ضد الاحتلال الإسرائيلي وقصفه العسكري الساحق لغزة نجاحا أكبر بكثير في سرد روايتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.. وهو الأمر الذي أدى إلى تآكل ميزة إسرائيل في معركة وجهات النظر واكتساب جمهور متحمس لها، بحسب مراقبين.

واستطاع الفلسطينيون بث قصصهم دون “فلترة” وسائل الإعلام المنحازة بشدة ضدهم، حيث إن العالم بدلا من أن يقرأ نصوصا مضبوطة ومخرجة من غرفة أخبار لها توجهاتها، فقد شاهدوا القصف والدمار في غزة على منصات أخرى.

ونجح الفلسطينيون والمتضامنون معهم في نشر روايتهم برغم تضييق وسائل تواصل أخرى عليهم، أبرزها “فيسبوك” و”إنستغرام”.

وأوضح الكاتب الصحفي والمتخصص في الشؤون الأمريكية، الدكتور محمد المنشاوي، لـ”عربي21″، أن “ما يجري يعد بمثابة انتصار فلسطيني في معركة “الرأي العام الأمريكي”، والتي كانت خارج حسابات الطرفين قبل ذلك بسبب السيطرة الإسرائيلية والنفوذ اليهودي الطاغي على قضية صراع الشرق الأوسط في الدوائر الشعبية والرسمية الأمريكية”.

“تيك توك وإنستغرام”

كان لمنصات مثل “تيك توك” و”إنستغرام” و”تليغرام” تحديدا، دور فاعل في نشر الرواية الفلسطينية، حيث أوصل الفلسطينيون والمتضامنون معهم فيديوهات القصف الإسرائيلي على غزة وجثث الشهداء وموضوع الإخلاء في القدس إلى شريحة مختلفة واسعة، ووصلت هذه المقاطع والصور إلى كافة دول العالم.

وقد علق إيمرسون بروكينغ، الزميل البارز في مركز أبحاث Atlantic Council في واشنطن العاصمة: “إننا نحصل على المزيد من وجهات النظر غير المنقاة من الجانب الإسرائيلي”. والنتيجة النهائية هي أنه “ليس هناك جانبان يقدمان وجهات نظرهما. الأمر أصبح أكثر فوضوية وأقل مركزية بكثير مما كان عليه من قبل”، بحسب ما نقل عنه موقع “فوكس”.

وسمحت تلك الفوضى للأصوات الفلسطينية وقصصهم بالظهور أثناء الأزمة، بينما أضعفت الاحتكار المعتاد الذي تتمتع به الحكومة الإسرائيلية للرسائل. إنها رصيد لا يريد الفلسطينيون خسارته.
لم يتوقف الأمر فقط على نشر القصف والدمار، بل كانت هناك فيديوهات تعريفية بأصل القضية عمل على نشرها فلسطينيون في الغرب بلغات عديدة، تتناول قضية الشيخ جراح من جهة قانونية، أو الاحتلال الإسرائيلي لشرق القدس ومخالفته للقوانين الدولية، والتذكير ببداية الاحتلال ووعد بلفور والعصابات الصهيونية التي احتلت فلسطين في فترة الانتداب البريطاني.
وانطلقت العديد من التحديات على “تيك توك” تستهزئ بالاحتلال، والتي وسعت نطاق من تصلهم المعلومة.


برامج “تي في شو”

“عندما شاهدت تلك الليلة جون أوليفر، علمت أنه تم استغفالنا وجن جنوني”، هذا ما قاله جيفري سالكين وهو حاخام من مدينة هوليوود في ولاية فلوريدا، في تعليقه على حلقة الإعلامي البريطاني جون أوليفر في برنامجه المشهور الذي يتابعه أسبوعيا 4 ملايين شخص “ذا لاست نايت”.

أوليفر تجاوز الخطوط التي ظن البعض لزمن بعيد أنها حُمر، وخرج يصف إسرائيل بـ”دولة الفصل العنصري”، منتقدا حجم الرد العسكري الضخم على قطاع غزة، ومستهزئا بسلوك الجيش الإسرائيلي، سواء بتصريح قادته أو حتى منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي.

أما تريفور نواه الذي يقدم برنامج “ذا ديلي شو” المعروف، فقد خرج بتسجيل على صفحة البرنامج على إنستغرام يُقارن بين قتلى الفلسطينيين وقتلى الإسرائيليين، يُشير إلى أنّ عدد الشهداء الفلسطينيين أكثر بكثير من عدد القتلى الإسرائيليين، ويوضح أنّ تبادل النيران بين إسرائيل و”حماس” حاصلٌ بعد هجوم الإسرائيليين على المسجد الأقصى، والذي نتج عنه إصابة نحو 600 فلسطيني، وبعض الجنود الإسرائيليين وقال: “شخصيا، لا يمكنني مشاهدة هذه الصور وقراءة تلك الأعداد، وأعتبر ـ في الوقت نفسه ـ أن هذا قتال عادل”.

ولم يكن من المعهود ارتفاع سقف انتقاد إسرائيل إلى هذه الدرجة في البرامج الأمريكية.

ويقول المنشاوي: “تلعب شخصيات أمريكية من أصول عربية مثل أيمن محيي الدين أو البريطاني المسلم مهدي حسن دورا كبيرا في تغيير فهم الشارع الأمريكي للصراع العربي الإسرائيلي من خلال برامجهما التلفزيونية التي يتابعها الملايين، ولمحيي الدين برنامج يومي لمدة ساعة كاملة يبث على شبكة “إم إس إن بي سي” (MSNBC)، ولمهدي حسن برنامج يومي في خدمة البث المباشر “بيكوك”.

ويضيف لـ”عربي21″: “نجح الكثير من العرب والمسلمين والفلسطينيين في اختراق حواجز الإعلام الأمريكي والوصول لملايين الأميركيين والتأثير فيهم، فقد ظهر محمد الكرد (الشاب الفلسطيني الذي تحدث عن إخلاء منزل عائلته في حي الشيخ جراح في القدس) على أهم الشبكات الإخبارية الأمريكية مرات عدة، كما تظهر الناشطة الأكاديمية الأمريكية ذات الأصول الفلسطينية نورا عريقات والباحث الأمريكي ذو الخلفية المصرية خالد الجندي (من معهد الشرق الأوسط) بصورة متكررة في الإعلام الأمريكي”.

“تحرك الكونغرس”

ولطالما كان تضامن بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي مع العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين يجري على استحياء، بتغريدات وتصريحات تمنح إسرائيل “حقها بالدفاع”، وتتضامن مع المدنيين، إلا أنه في هذه المرة كان الحال مختلفا.
ويقول المنشاوي لـ”عربي21”: “تبنى الكثير من أعضاء مجلس النواب مواقف سياسية مميزة بالمعايير الأميركية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، ويعد الرباعي النسائي المعروف باسم “سكواد” (Squad) والمكون من النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، والنائبة الأمريكية السوداء آيانا بريسلي، والنائبة المسلمة رشيدة طليب ذات الأصول الفلسطينية، والنائبة المسلمة من أصول صومالية إلهان عمر”.

ويضيف: “لم يكن الأمريكيون يتصورون أن يأتي يوم توصف فيه إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري داخل قاعات الكونغرس كما جرى من جانب النائبة إلكساندريا أوكاسيو كورتيز، أو أن تُتهم إسرائيل بارتكاب “أعمال إرهابية” كما ذكرت النائبة إلهان عمر، وفي الحالتين لم تقابل كلمات النائبتين بمعارضة ديمقراطية واسعة النطاق”.
في الوقت ذاته، دعم السيناتور التقدمي بيرني ساندرز، مسودة قرار تقضي بعدم الموافقة على صفقة بقيمة 735 مليون دولار لبيع نظام أسلحة دقيقة التوجيه من طراز بوينغ لـ”إسرائيل”.
وقال ساندرز: “في اللحظة التي تدمر فيها القنابل الأمريكية غزة، وتقتل النساء والأطفال، لا يمكننا ببساطة السماح ببيع أسلحة ضخمة أخرى من دون مناقشة في الكونغرس”.

صراع داخلي

ويعلق الصحفي محمد بديوي صاحب صفحة “واشنطن بالعربي” على تفاعل الديمقراطيين التقدميين مع القضية الفلسطينية ورد الجمهوريين عليها بالقول: “الأمر تحرك إلى صراع داخلي في الولايات المتحدة؛ ففي حين يتحرك بعض الديمقراطيين للدفاع عن حقوق الفلسطينيين وعن حقوق الإنسان، فإن الجمهوريين يتبنون موقفا واضحا بضرورة الدعم الكامل لإسرائيل، لدرجة أن نحو 100 عضو جمهوري وجهوا رسالة لبايدن تطالب بدعم إسرائيل دون قيد أو شرط، كما أن هناك قاعدة ديمقراطية تقليدية أيضا لا تزال داعمة لإسرائيل”.

ويضيف في حواره مع “عربي21”: “الآن يطرح بعض الديمقراطيين بصوت مرتفع -لن يظهر تأثيره حاليا- فكرة ربط المساعدات الأمريكية باحترام إسرائيل لحقوق الإنسان وحل الدولتين، وهو طرح يلاقي تداولا واسعا على مواقع التواصل”.
ويقول: “هذا التطور انتقل إلى الشارع الأمريكي، وخاصة هذه الولايات الليبرالية مثل ولاية نيويورك، لدرجة أننا رأينا كيف أن أندرو يانغ المرشح لمنصب حاكم ولاية نيويورك تراجع واعتذر عن تغريده أعلن فيها تأييده المطلق لإسرائيل، وذلك بعد هجوم تلقاه من المواطنين في المؤتمر وعلى مواقع التواصل  الاجتماعي”.
ويختم بقوله: “هناك تغير جديد في المعادلة سيتم استخدامه في الانتخابات المقبلة، سيتم التركيز في بعض الولايات خاصة هذه التي تضم أقليات عربية ذات تأثير على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سيقول مرشحون إن هذا العضو يدعم قتل الأطفال في غزة، وآخر يرد إن هذا العضو ضد إسرائيل وطرح من هذا القبيل”.

المشاهير

لم تتفاعل الطبقة السياسية فقط في أمريكا مع الحدث، بل كان هناك تضامن واسع غير مسبوق من مشاهير هوليوود وعارضات أزياء ولاعبي كرة قدم وكرة سلة.
وكان أبرز المتفاعلين مع القضية مارك روفالو الذي دعا إلى وقف ما يحدث ومنح “الفلسطينيين حقوقا مدنية كاملة ومتساوية”، فيما أعلنت الممثلة سوزان ساراندون عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني “الذي يواجِه تطهيراً عرقيا وترهيبا من الحكومة الإسرائيلية ومنظّمات المستوطنين اليهود”.

وليس ببعيد التفاعل الكبير من عارضتي الأزياء بيلا وجيجي حديد اللتان كرستا بالفعل أغلب حساباتهم على منصات تواصل الاجتماعي للحديث عن العدوان، فيما كان أبرز الداعمين من كرة القدم بول بوجبا، فضلا عن لاعب السلة المعروف كيري إرفينغ.
يقول مراقبون إن الضغط الشعبي العام في العالم، ونشر الرواية الفلسطينية، شكل مرحلة جديدة من الحرب الإعلامية في القضية الفلسطينية، ويرى معظم الخبراء أن إسرائيل من المرجح أن تستمر في خسارة حرب الروايات، حيث قال بروكينغ: “بيئة المعلومات الأكثر تعقيدًا هذه ستعمل على حساب إسرائيل”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى