الراي

رأي- همسة..

* كتب/ يوسف أبوراوي

من يريد أن يحاول فهم السياسة في دول العالم الثالث والمستعمرات السابقة يجب أن لا يسبح كثيرا عبر كلمات ومصطلحات تم إنتاجها في بيئات أخرى، ولقوى عالمية فاعلة، ويتم دراستها في علوم السياسة والاستراتيجيا.. بل عليه الانطلاق من مسلمات حقيقية واقعية بغض النظر عن موافقتنا لها أو مخالفتنا.

إن التفكير العاطفي الذي يظن أن الصراخ سيجعل الأمور تمضي كما نريد هو أكثر أنواع التفكير إيغالا في الطوباوية، وبالتالي فإن إحباطاته ستكون الأقوى عند اصطدامه بأرض الحقائق.

 

من يريد أن يفهم يجب عليه أن يحلل الواقع كما هو انطلاقا من مسلماته وحقائقه بعيدا عن العواطف والانفعالات، وبعدها يستطيع بناء موقف سياسي يمكّنه من التعاطي مع هذه الحقائق… يمكن سرد بعض هذه المسلمات كالتالي :

– دول العالم الثالث منذ نيل استقلالها الصوري هي مجرد توابع للدول الكبرى والمستعمرين القدماء.

– مقدار المشاركة من أهل البلد في الأمور الكبرى كمن يحكم وطريقة الحكم والتوجهات الاقتصادية للبلد خاصة في شقه الخارجي، كلها محكومة وموجهة من الخارج.. وإن تم إعطاء هامش للتحرك فهو هامش صغير جدا وغالبا يخص طريقة الإدارة الداخلية للبلاد.

– كل هذا العجز الظاهر كان نتيجة، وساهم في ترسيخ حقيقة فشل هذه المجتمعات في تكوين مؤسساتها الداخلية، التي تعبر عنها وبالتالي تعكس ارادتها داخليا وخارجيا. .

تلك حقائق ماثلة للعيان يعرفها كل عاقل ينظر إلى هذه الدول والمجتمعات وإنكارها مجرد إمعان في التجاهل الذي هو نوع من الجهل

كما أن تغيير هذه الحالة أيضا ممكنة وليست مستحيلة لأن مجتمعات كثيرة استطاعت اجتياز العقبة وكسرت قيود التخلف.. ولكن عبر جهود حقيقية قادته نخب تؤمن بقضاياها العادلة، واستطاعت قطر كامل المجتمع لتغيير ماهو فيه بعيدا عن أطماع آنية لطامحين في السلطة أو متمعيشين على أنماط متنوعة من الفساد التي تنهب الأمة وتستنزف مقدراتها وجهودها لبناء امبراطوريات ورقية تنهار مع أول الاهتزازات، لتدخل كامل مجتمعاتها في دورات جديدة من الفوضى والعنف الذي يمعن في ترسيخ حالتها الجاهلة المتخلفة، ويرجعها قرونا إلى الخلف، بينما تتسابق دول العالم على استشراف المستقبل والتخطيط له والمشاركة في صنعه عبر الإنتاج الثقافي والاقتصادي، ولا تكتفي بمراقبة واستخدام منتجات الغير وتنوح على حظها العاثر؛ لأن الاستعمار والماسونية والحكام الظلمة منعوها من التقدم.. بينما مرت المجتمعات الأخرى بكل هذه الظروف وتجاوزتها عبر العمل الواعي المنظم.. فالفشل والإفشال لا يفهمان في هذا المجال إلا عبر نتائجهما الصفرية..

 

أما التبريرات والأسباب والصعوبات فهي معركتك الخاصة التي يجب أن تخوضها إن أردت التغيير، أو إنك ستبقى كما أنت، وسينظر إليك العالم كمجرد أحفورة من الماضي البعيد، الذي تجاوزه الزمن بكل تفاصيله، وأحسن ما يمكن تقديمه به هو فترينه زجاجية في أحد المتاحف؛ لتكون عبرة لمن يعتبر، أو بعض الأفلام الوثائقية التي ترصد هذه الحالة الغريبة قبل انقراضها الحتمي!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى