الراي

رأي- المقبرة الجماعية والسلطوية

* كتب/ هشام الشلوي،

 

تتطرف السلطوية إلى حد إلغاء الفوارق الجسدية والروحية بين البشر، ومحو كل ما يتعلق بهويتهم وأصولهم وأعراقهم وتاريخهم الثقافي والاجتماعي، أحياء وأمواتا.

ترفض السلطوية أمرين متعلقين بكينونة الإنسان، الأول في حياته حيث هو رقم ضمن أرقام أخرى، دوره الوحيد المساهمة بتركيز شديد وبشكل أبدي في ترسيخ هذه السلطوية.

والثاني بعد مماته، فهو مازال رقما يرمى به مع أرقام أخرى في مقابر جماعية. فالمقبرة الجماعية هي إنكار لذات الإنسان وحريته الفردية حيا، ورفض الاعتراف بمقبرة تخصه بعد قتله أو مماته.

 

في ظل السلطوية لا أظن أن هناك فروقا جامحة بين القتل والموت، فالسلطوية في حالة نهم شديد لاستبدال أرقام بأرقام. ليس لدي يقين أن السلطويين يعترفون بفكرتي الصديق والعدو على مستوى التنظير أو عمليا.

فالصديق والمنتمي إلى السلطوية هو ترس صغير دوره الوحيد الدفاع عنها، وعليه أن يسقط من حسابه أية اعتبارات أخرى غير ذلك. هناك لدى السلطوية حد أدنى من الإجراءات للمحافظة على نقاوة وطهارة التروس الصغرى، لاستمرارها دوما في الدفاع والموت.

فالمقبرة الجماعية هي تلخيص عملي مفرط لفلسفة السلطويين تجاه بني الإنسان، وعادة ما يسبق هذه المقابر الجماعية سلاسل من التعذيب الوحشي السادي غير المبرر على أي مستوى.

ففكرة الرعب التي تحاول بثها السلطوية لا تدوم بشكل مطلق، وإلا لما كانت هناك ثورات واحتجاجات وحركات رفض مجتمعي وعسكري وسياسي.

فلماذا تُمعن السلطوية في بث رعب قدره النسيان من أي جيل قادم؟ لأنها تعلمت درسا واحدا فقط، ولا يمكن لها أن تحيد عنه.

لا تخلو الرأسمالية الحديثة والليبرالية الجامحة في المجتمعات الغربية من مثل هذه التصورات والرؤى لبني البشر، وإن كانت ممارستها ناعمة وسلسلة وذات إجراءات مشرعنة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى