اخبارالرئيسيةعيون

هل يسحب المبعوث الأممي في ليبيا البساط من تحت البرلمان؟ (تحليل)

الأناضول-

“أعتزم إنشاء لجنة تسيير رفيعة المستوى للانتخابات في ليبيا”، بهذه الجملة سحب المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، ملف إعداد القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات من مجلسي النواب والدولة، بعدما حكم على جهودهما في تعديل الإعلان الدستوري بالفشل.

غير أن مسارعة مجلس الدولة، الخميس (02 مارس 2023م) للمصادقة على التعديل الـ13 للإعلان الدستوري، بمن حضر، أعاد خلط الأوراق الأممية، حتى وإن جادل أعضاء من المجلس بعدم قانونية الجلسة لعدم توفر النصاب، ناهيك عن نشر مجلس النواب التعديل في الجريدة الرسمية قبل مصادقة مجلس الدولة عليه.

إذ يسعى كل من عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) إلى إبقاء كرة إدارة العملية السياسية في ملعبهما، بينما قرر باتيلي، بدعم أمريكي ودولي سحب الكرة منهما.

** لا مزيد من الوقت

في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي بنيويورك في 27 فبراير المنصرم، لم يمنح باتيلي مزيدا من الوقت لمجلس النواب من أجل المناورة السياسية، وكان موقفه واضحا وصريحا وصارما، منفذا تلويحه في 17 ديسمبر الماضي، بوضع “آلية بديلة”.

وشدد على أن “أغلب مؤسسات الدولة فقدت شرعيتها منذ أعوام”، في إشارة إلى تصريح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بأن مجلسه يمثل “السلطة التشريعية الوحيدة” في البلاد.

باتيلي أشار إلى أنه “وإلى اليوم، لم ينجح مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، في التوافق على قاعدة دستورية للانتخابات”، ما يعكس أن الأمم المتحدة فقدت الأمل في إمكانية حصول توافق قريب بين الطرفين، رغم أن عقيلة نفى ذلك، والمشري حاول إثبات وجود توافق، رغم مقاطعة 54 عضو للجلسة.

قرار المبعوث بتجاوز مجلسي النواب والدولة وتشكيل “لجنة تسيير” جاء بعد اجتماع بواشنطن في 23 فبراير شارك فيه (باتيلي) رفقة ممثلين عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وتركيا ومصر وقطر والإمارات، لمناقشة مسار الانتخابات في ليبيا.

وهذا القرار الخطير لم يكن باتيلي ليتخذه بكل هذه الثقة لو لم يحظ بدعم واشنطن وحلفائها، وتجلى ذلك ضمنيا في تصريح مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديريك شوليت، الذي طالب بضرورة “الاصطفاف خلف باتيلي لتسهيل إجراءات الانتخابات”.

باتيلي شرح في إحاطته أسباب اضطراره لخيار الآلية البديلة لمجلسي النواب والدولة، رغم مصادقة مجلس النواب على التعديل الـ13 للإعلان الدستوري في 8 فبراير ونشره في الجريدة الرسمية، ثم مصادقة مجلس الدولة (بمن حضر) عليه في 2 مارس الجاري.

حيث أشار المبعوث الأممي إلى أن تعديل الإعلان الدستوري لا يزال بانتظار مصادقة المجلس الأعلى للدولة، قبل أن يسارع الأخير لسحب هذه الحجة منه.

لكن إعلان 54 عضوا في المجلس الأعلى للدولة (من إجمالي 134 عضوا) مقاطعتهم أربع جلسات للمصادقة على تعديل الإعلان الدستوري، ما أدى إلى تأجيلها لعدم اكتمال النصاب، وتشكيك بعضهم في قانونية الجلسة التي صودق فيها على التعديل بعد نشره في الجريدة الرسمية، يقدم صورة مشوهة عن هذا التوافق.

وهو ما عبر عنه باتيلي، بالقول: “ما يزال التعديل الجديد محل جدل في أوساط الطبقة السياسية الليبية والمواطنين العاديين”.

باتيلي لفت إلى نقطة أخرى تتعلق باستمرار الاختلافات بشأن “القاعدة الدستورية الناظمة للانتخابات”، رغم إقراره بأن الحوار بين رئيسي ووفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة مازال قائما.

ووجه انتقادا لاذعا للتعديل الدستوري، عندما قال إنه “لا يعالج النقاط الخلافية الأساسية من قبيل شروط الترشح للانتخابات الرئاسية”.

وهذه الحقيقة تعني أنه “لا انتخابات في ليبيا دون حل شروط الترشح”، وغير ذلك ليس سوى ذرا للرماد في العيون.

إذ لم يحسم التعديل الجديد الخلاف الجوهري بين عقيلة والمشري، والأطراف التي يمثلانها، حول ترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات الرئاسية، وعلى رأسهم حفتر، الحامل للجنسية الأمريكية.

وعدم تمكن المجلسين من الاتفاق على وضع قاعدة دستورية، دفع رئيس مجلس النواب إلى الذهاب نحو تعديل الإعلان الدستوري، وتضمينه أغلب النقاط المتفق عليها، مع ترحيله النقاط الخلافية إلى مرحلة إعداد قوانين الانتخابات.

ولم يكتف المبعوث الأممي بذلك، بل أشار إلى أن التعديل “لا يتضمن خارطة طريق واضحة، أو جدولا زمنيا ملزما لتنفيذ انتخابات شاملة في 2023”.

واعتبر أن التعديل “يضيف تعقيدات جديدة مثل تمثيل الجهات في مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)”.

فرغم حديث المشري، عن إجراء انتخابات في نوفمبر 2023، إلا أن ذلك لم يتم تضمينه في الإعلان الدستوري ولم ينص عليه أي اتفاق بشكل رسمي.

كما لم يتم وضع خارطة طريق ملزمة تحدد آجالا ملزمة لاعتماد قوانين الانتخابات وموعد الرئاسية منها بدوريها الأول والثاني وأيضا انتخابات مجلس النواب وانتخابات مجلس الشيوخ، مع إمكانية إجراء استفتاء حول النقاط الخلافية المتعلقة بشروط الترشح.

وبالنظر إلى تجارب سابقة في ليبيا فإنه من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، إجراء الانتخابات في 2023، في ظل هذا الانقسام والاختلاف الجوهري حول شروط الترشح.

وبناء على هذه الأسباب أعلن باتيلي “إطلاق مبادرة تهدف إلى التمكين من إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال عام 2023”.

** لجنة تسييرية للانتخابات

عندما تحدث باتيلي، لأول مرة عن الآلية البديلة، كان أمامه خياران إما المراهنة على المجلس الرئاسي لحل مجلسي النواب والدولة، وتولي مهامها التشريعية في إعداد القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، مثلما طالب حزب العدالة والبناء، أو العودة إلى تجربة ملتقى الحوار السياسي، الذي تولت المبعوثة الأممية بالنيابة الأمريكية ستيفاني وليامز الإشراف عليه.

لكن باتيلي، وبدعم أمريكي، اختار التوجه نحو نموذج قريب من ملتقى الحوار السياسي، الذي حدد تاريخ الانتخابات في 24 ديسمبر 2021، واختار حكومة الوحدة ومجلس رئاسي في انتخابات صوت فيه معظم أعضائه “الـ 75″، قبل أن يصل إلى طريق مسدود بسبب شروط الترشح.

ولم يحدد المبعوث الأممي بعد طبيعة هذه الآلية البديلة والتي سماها “لجنة تسيير رفيعة المستوى للانتخابات في ليبيا”، لكنه قدم ملامح عن تشكيلتها ومهامها.

حيث قال إنها ستعمل على الجمع بين “ممثلي المؤسسات السياسية، وأبرز الشخصيات السياسية، وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الأمنية الفاعلة، وممثلين عن النساء والشباب”.

كما حدد لهذه اللجنة مهمة “تيسير اعتماد إطار قانوني، وجدول زمني ملزم لإجراء الانتخابات في 2023″، وكذلك الدفع قدما “بالتوافق حول الأمور ذات الصلة، مثل تأمين الانتخابات، واعتماد ميثاق شرف لجميع المرشحين”.

** مجلس النواب يرفض المبادرة

لم تتأخر رئاسة مجلس النواب في الرد على مبادرة المبعوث الأممي، في نفس اليوم الذي قدم فيه إحاطته، حيث شددت في بيان لها على “الملكية الليبية للعملية السياسية”، وأن الاتفاق السياسي برأيها حصر الدعوة في انعقاد لجنة الحوار في مجلسي النواب والدولة.

مجلس النواب عبر أيضا عن استغرابه مما وصفه بـ”مغالطات” بشأن فشل مجلسي النواب والدولة في إقرار القاعدة الدستورية، ومناقضتها لفقرات في ذات الإحاطة تقر بصدور التعديل الدستوري.

وبرر خطوته بنشر التعديل الدستوري في الجريدة الرسمية قبل اعتماده من مجلس الدولة، بتصريحات المشري المؤيدة للتعديل، ومحاولات أطراف عرقلة انعقاد جلسة.

ولم يدل المشري بتصريح واضح بشأن مبادرة باتيلي، لكن خطوته بالمصادقة على التعديل رغم عدم توفر نصاب، يبين رفضه مبادرته باتيلي، إلا أن هذا الموقف ينقسم بشأنه أعضاء مجلس الدولة.

روسيا، الداعمة الرئيسية لحفتر، حذرت من التسرع في إجراء الانتخابات، ما يعني رفضها هي الأخرى لمبادرة باتيلي.

بينما رحب المجلس الرئاسي الليبي بالمبادرة الأممية، وكذلك العديد من الناشطين السياسيين، الذين يئسوا من إمكانية توصل مجلسي النواب والدولة لتوافق بشأن شروط الترشح، بما يسمح بإجراء الانتخابات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى