الرئيسيةالراي

مايكل في بلد المليون حافظ، وشاهينزا في بلد المليون كافر،،،،،

* كتب/ حسين المرابط،

لا يختلف اثنان، في مربع الشرق الأوسط، أن فرنسا تعتبر العدو الأول للإسلام، قبل أن آتيها، وأنا أؤمن، إيمانا عميقا، بهذه الفكرة، والتي أصبحت، بالنسبة لي اليوم؛ (عباطة في عباطة).

وأنا أتصفح المواد المقررة على شاهينزا في كوليج فيكتور هيغو، الذي يعتبر مؤسسوه من رواد العلمانية والليبرالية في فرنسا؛ شدني مقرر التاريخ؛ مقرر التاريخ عندهم لا يوجد فيه كلمة: نحن، ولا كلمة: هم، لا صراعات، ولا دماء، ولا انتصارات، ولا هزائم، ولا حتى (ردها علي إن استطعت).

هل تعلمون أن جزءا كبيرا من مقرر التاريخ عندهم يتناول الرسالة المحمدية، ويوضح لتلاميذ الدولة الكافرة أن محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول من عند الله، نزل عليه جبرائيــل في غار حراء، وكانت: (اقرأ باسم ربك الذي خلق…) هي أول ما نزل على الرسول من القرآن الكريم، يتعلم تلاميذ هذه المرحلة أن عليهم أن يذيلوا اسم الرسول، احتراما له، بقولهم: (صلى الله عليه وسلم). من ضمن ما يتعلمه التلميذ في مادة التاريخ في هذه المرحلة؛ أن ما ننعم به اليوم من تطور في جميع المجالات، يرجع فيه الفضل إلى ذلك النبي الأعرابي الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور. ومن ضمن ما يتعلمون؛ أركان الإسلام الخمس، والوضوء والصلوات الخمس، وحتى الجمعة، وخطبتها، وعلى من تجب، كانت من المقررات عليهم في هذه المادة.

في شهر رمضان المبارك، من العام الماضي، امتنع فصل شاهينزا عن الأكل طيلة تواجدهم في المدرسة، أما رفيقاتها، فكن يمتنعن عن الأكل والشرب طيلة اليوم، تضامنا مع شاهينزا. من يوم إلى آخر تأتي إحدى رفيقات شاهينزا أو إحدى رفيقات حليمة لتشاركنا أجواء الإفطار الرمضاني، في يوم من الأيام جاءت إحدى الأمهات القرويات مرافقة لابنتها، وفي تجاذب لأطراف الحديث، قالت: (كم أنا فخورة بابنتي وهو تشارك شاهينزا مشاعرها وشعائرها، ستتعلم ابنتي الكثير مما حرمت منه أنا في صغري…)

الأربعاء الماضي، ذهبنا مع شاهينزا، وذلك للاتفاق النهائي والتأكيد على رغبتها في الجنسية الفرنسية، وعلى اسمها النهائي الذي ترغب أن تحمله كفرنسية، باعتبارها أصبحت فرنسية منذ 11.10.2021. في حوار مع السيد الذي أجرى معنا المقابلة، سألته عن الفائدة التي ستجنيها فرنسا من هؤلاء الذين تمنحهم الجنسية، علما بأن انتماءهم الحقيقي ليس لفرنسا، بل لأوطانهم الأصلية؟ أجابني السيد وعلى وجهه ابتسامة عريضة، قائلا: (هذه القطعة التي أمامنا والتي تدعى شاهينزا، هي قطعة فرنسية مائة بالمائة، خلقت وولدت في فرنسا، منذ أن كانت علقة في بطن أمها، وهي تستنشق هواء فرنسا، وتشرب من مائها وتأكل طعامها، وتستنشق عطورها وعبير أزهارها، منذ ذلك الوقت وهي لا تسمع غير أصواتنا، فبغض النظر عن انتمائها الحقيقي، فالذي يهمنا، بالدرجة الأولى، هو أنها قطعة أُنبتت في أراضينا، فهي منا، ونحن منها أينما حلت، وأينما رحلت….) …

أما عن مايكل المصري، عربي اللسان، مسيحي الديانة؛ فكان وضعه يختلف، تماما، في بلد المليون حافظ، عن وضع شاهينزا في بلد المليون كافر….

أموت ولا أنسى تقاسيم ذلك الوجه البريء، ذي الملامح الفرعونية، الذي جاء به القدر في ذاك المكان، وفي ذاك الزمان، عندما كنا نقضي الخدمة الإنتاجية في مدرسة سعدون السويحلي، في قلب مصراتة.

كان الأذكى في فصل أولى سادس، القابع في نهاية الكولوار. باعتباره مسيحيا، كان معفيا من مادة التربية الإسلامية، لكن والده أصر على أن يشارك في هذه المادة، فتفوق على زملائه فيها، كما كان متفوقا في غيرها. مدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية كان يتقد غيظا من تفوق هذا الفتى، الذي كان يناديه بمايكل الخنزير، وكان دائما يحاول أن يثبت أن لهذا الصبي علاقة بعالم الخنازير، لكن في كل مرة، كنت أعارضه في معاملته القاسية لهذا الفتى الوديع، الذي في حياته لم يؤذ ولا حتى بعوضة. لكن شيخنا الفاضل كانت له وجهة نظر، الله أعلم من أي نص كان قد استقاها..

لم يكن أستاذ اللغة العربية والتربية الإسلامية وحده من يبغض مايكل؛ بل حتى زملاؤه في الفصل، وبقية الفصول، كانوا يبغضونه ويترصدون له، ولا أبالغ إن قلت، أن كل المدرسة، بما فيها المدير وأعضاء هيئة التدريس، كانوا يتمنون أن يروا فيه يوما. في يوم من الأيام في فترة الاستراحة، وكان دائما وحيدا لا يخالطه أحد، باعتبار كل التلاميذ كانوا يعتبرونه نجاسة؛ أحد زملائه فتح له رأسه بكسرة (زليزة)، فجاء إلى الإدارة يبكي ودمه يسيل على كتفيه، يشتكي من زميله، لا أبالغ إن قلت أن وجوه كل من كانوا في الإدارة كانت فرحة مستبشرة بما حدث لمايكل، قال له المدير اذهب، وسنعاقب الجاني. لكن، كالعادة، لم يعاقب الجاني، ومشت في مايكل، زي كل مرة.

خرجت مع شيخ التربية الإسلامية للساحة، فنادي على وليد (الجاني)، وهمس له بصوت، مابين الجد والهزل، وكنت أسمعه: (لماذا لم تقسم لهذا الخنزير رأسه نصفين وتريحنا منه؟ فهو كافر، وقتل الكافر حلال، وسيجزيك الله خيرا على ذلك، ثم أنت مازلت صغيرا ولن يعاقبك القانون على ذلك..؟)، فابتسم وليد، وقال له الشيخ بعد أن طبطب له على كتفيه: (اذهب يا صغيري، لا شلت يمينك….)

عند مرافقتي لشاهينزا لتستلم جواز سفرها الفرنسي، ذهبت بي الذاكرة إلى هنااااك؛ سافرت بخيالي من بلد المليون كافر إلى بلد المليون حافظ، فتذكرت مايكل، وتذكرت مدرسة سعدون، ومديرها، وتذكرت مادة التربية الإسلامية، ووليد، وشيخ مادة التربية الإسلامية. وفي برهة، خطر في بالي ما كانت تقوله أمي عندما لا يعجبها شيء: (كل معيشة توصل للموت….).

وبدون شك، الكافر الحقيقي هو ذلك الذي يحمل رسالة من الله عز وجل، لكنه، وللأسف، كمثل الحمار يحمل أسفارا……

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى