اخبارالرئيسيةعيون

لماذا يرفض نازحو درنة العيش بالمنازل المتنقلة؟

العربي الجديد-

استوردت حكومة الوحدة الوطنية في العاصمة الليبية طرابلس 500 منزل متنقل، وأرسلتها إلى مدينة درنة من أجل إيواء بعض العوائل المتضررة من الفيضان، لكن الأهالي رفضوا الإقامة في تلك المنازل، وأبدى بعضهم شكوكاً في وجود خطة لعدم إعمار المدينة، أو تأجيل الإعمار.
ووسط الوضع الاستثنائي الذي تعيشه ليبيا منذ عام 2011، والانقسام السياسي الذي أوجد حكومتين، لم ترشح إلى الآن أية إحصائيات رسمية نهائية حول حجم الأضرار البشرية أو المادية، في حين قدر أحدث تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أعداد النازحين إلى خارج درنة بـ 43 ألفاً، والنازحين داخلها بـ 16 ألفاً، وهي أرقام يراها أهل المدينة “لا تعبر عن الواقع”.
يقول الناشط المدني رافع الحوتي، وهو أحد من فقدوا منازلهم، لـ”العربي الجديد”: “آخر إحصائية رسمية أجريت في ليبيا عام 2006 كشفت عن وجود 120 ألف نسمة في درنة، وباحتساب معدل النمو السكاني الطبيعي؛ لن يقل العدد قبيل الكارثة عن 200 ألف نسمة، أغلبهم في وسط المدينة الساحلي الذي مسح تماماً من الخريطة”.
وتعتبر درنة إحدى المدن الاستثنائية جغرافياً في ليبيا، إذ يقع جزء منها في سفوح الجبل الأخضر، بينما يقع وسطها بين الجبل جنوبا وساحل البحر شمالاً، ويتكون من ضفتين شرقية وغربية يفصلهما الوادي الذي تسبب انهيار سدوده في الكارثة.
يضيف الحوتي: “حجمت جغرافية المدينة سابقاً من إمكانيات توسعها أفقياً في الناحية الساحلية، ما دفع السكان إلى التوجه نحو البناء العمودي، وبالتالي ظهر التكدس السكاني، ومن هنا تأتي الأعداد الأكبر لمن خسروا منازلهم، والذين يقدر عددهم بأكثر من 75 ألف شخص. يرفض السكان المنازل الجاهزة، فلدينا خصوصيات اجتماعية، والليبيون شعب محافظ لا يستطيع العيش في داخل مخيمات، وهذا ما سيكون عليه حالنا إن وافقنا على هذه المساكن”.
في غضون ذلك، عقد في مدينة بنغازي، الأربعاء الماضي، وعلى مدار يومين، المؤتمر الدولي الخاص بإعادة إعمار درنة، بمشاركة 162 شركة من 25 دولة، وفق صفحة حكومة بنغازي على موقع “فيسبوك”

وأكد مصدر خاص لـ”العربي الجديد”، أن المؤتمر “ليس إلا واجهة إعلامية لعرض قدرات بعض الشركات المشاركة، والاتفاق على عقود إعادة الإعمار تم مسبقاً عبر منح شركات مصرية عقود الطرق والجسور، ومنح مجموعة تركية عقود إعادة إعمار المدينة، باستثناء مسجد الصحابة وملحقاته التي خصصت لإحدى الشركات الإماراتية”.
ولا يتوقع المصدر أن تجد هذه الاتفاقات طريقها إلى التنفيذ بسبب الازدواج المؤسسي، وعدم الاعتراف الدولي بحكومة بنغازي، وإصرار المجتمع الدولي على أولوية توحيد السلطات عبر الانتخابات المؤجلة منذ قرابة عامين، وعليه فإن قضية بناء مساكن لمن فقدوا منازلهم ستبقى مؤجلة.
من جانبه، يتساءل الناشط الاجتماعي في درنة، عبد الجليل الحمري، عن كيفية البدء في إعادة الإعمار قبل إعداد قواعد بيانات نهائية حول الأضرار، ويقول لـ”العربي الجديد”، إن “ضبط الإحصائيات وقواعد البيانات هو أساس إعادة الإعمار، وكان يجب الانتهاء منه قبل نزوح السكان وتوزعهم في أرجاء ليبيا. هذا التأخر في إعداد قواعد البيانات، وفي تدقيق أرقامها سيؤثر في خطة الإعمار”.

ويرى الحمري أن “الخطة يجب أن تبدأ من تقدير الأحوال المختلفة للأسر، والتعامل مع كل فئة على حدة فيما يخص الإعمار أو منح التعويضات. الأسر انقسمت نتيجة الكارثة وطرق التعاطي معها، فمن بينها عائلات اندثرت تماماً، وعائلات لم يبق منها سوى شخص أو اثنين، وأخرى تضررت جزئياً بفقد بعض أفرادها، وعائلات لم تتضرر جسدياً لكنها أصبحت من دون مأوى، إما لأن منازلها انهارت أو أنها آيلة للانهيار، فيما هناك من نجت بيوتهم بأضرار طفيفة”.

ويضيف: “من ناحية التعاطي مع الكارثة، استطاع كثيرون في المناطق المرتفعة من المدينة، مثل أحياء السلام، وباب طبرق، وشيحا، تنظيف وترميم ما تيسر للاستقرار رغم نقص الخدمات، أما النازحون فقد انقسموا بدورهم إلى فئات، فبعضهم نازحون في مدارس المدينة، أو لدى الأقارب، أو في مدن أخرى، وفي المجمل كلها ظروف نزوح مؤقتة تتطلب حلولاً بديلة. لكني لا أرى أن تلك الحلول ستتوفر في الظرف الراهن”.
ويتفق الحمري والحوتي على أن المعطيات على الأرض تشير إلى أن حلحلة أزمة المنازل “باتت مسألة مؤجلة”، وأن السلطات تعترف ضمناً بذلك عبر اتجاهها لتوفير منازل متنقلة، ويقول الحمري: “المساكن المتنقلة تعني أن السلطات لن توفر حلولاً لمن فقدوا منازلهم، وهي تعرف أن السكان سيرفضون هذه المنازل، وقد تتحجج برفض السكان لهذا الحل المؤقت”.
في العاشر من سبتمبر الماضي، ضربت العاصفة دانيال شرقي ليبيا، وتركزت في مناطق الجبل الأخضر، وتسببت الأمطار غير المسبوقة في انهيار سدي وادي درنة، وجرف نحو ثلث المدينة بمنازلها وسكانها نحو البحر، كما ألحق الفيضان أضراراً متفاوتة ببقية المدينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى