الرئيسيةفضاءات

صيادون ليبيون يحذرون من كوارث بيئية محققة في حال لم يتوقف الصيد الجائر

تقرير عن الصيد الجائر والتعدي على الحياة البرية والبحرية في ليبيا

صيادون ليبيون يحذرون من كوارث بيئية محققة في حال لم يتوقف الصيد الجائر

 

(الناس- خاص)

ظهرت آخر آثار لحيوان الوشق في ليبيا قرب كهف دخيل على شاطئ مصراتة في تسعينيات القرن الماضي، وكان آخر ظهور للفهد البري في منطقة المخيلي في الجبل الأخضر سنة 1990، أما الضبع فلم  يقدّر الشيخ نور الدين متى كان آخر ظهور له، لكن المرجح أنه انقرض منذ عقود كما سابقيه.. إنها الظاهرة التي تؤرق الصيادين والمهتمين بالبيئة، ظاهرة انقراض الحيوانات البرية في ليبيا.

الشيخ “نور الدين اللافي” صياد هاو، من عائلة لها باع في الصيد، منذ أن كانت أدواته بنادق الصيد المعروفة، والفخاخ، كان يخرج في رحلات صيد لا تخلو من المغامرة والمتعة والخيبة أحيانا، حين كانت للصيد قواعد وأخلاقيات لا يسمح الصياد لنفسه بتخطيها، وأول هذه القواعد أن تحفظ مواسم الصيد يقول الشيخ نور الدين:

“مواسم الصيد معروفة للصيادين، فصيد الحمام مثلا يبدأ في سبتمبر ويستمر لشهرين، وغير بعيد منه موسم صيد السمان، فهذه الطيور تهاجر في نهايات الربيع باتجاه أوروبا قادمة من الجنوب، وفي بدايات الخريف تكون لها هجرة عكسية باتجاه وسط أفريقيا، وهذه هي مواسم صيدها، كذلك موسم صيد طائر الحجل ينطلق من بداية أكتوبر إلى يناير والحبارى من نوفمبر تقريبا وحتى يناير، والتعدي على هذه المواسم ينذر بكارثة بيئية في حق هذه الطيور وقد يؤدي إلى انقراضها، خاصة حين تستخدم أسلحة رشاشة غير مخصصة للصيد كمضادات الطيران، حينها سيصبح المشهد أقرب للمجازر، ولا علاقة للأمر بالصيد ولا أخلاقه المتوارثة”.

 

في أعراف الصيادين

قضية تؤرق هواة الصيد ومحترفوه، والمهتمين بالتنوع البيئي في بلادنا، ولا يكاد يحس بها من يتسببون في مثل هذه المخاطر البيئية، فحيوانات وطيور وحتى أسماك تواجه خطر الانقراض من براري وصحارى وجبال وشواطئ ليبيا، في غياب الرقابة على الصيد الجائر، وفي ظل استخدام الصيادين للأسلحة الرشاشة، والمتفجرات (الجيلاطينة)، والتعدي على  الأوقات التي يحظر فيها الصيد كمواسم التكاثر لبعض الحيوانات، خاصة بظهور سيارات الدفع الرباعي ذات القدرة الهائلة.

 

مضادات الطيران لصيد الوعل!

يعتقد اللافي أن من أخطر الأمور على الحياة البرية هو دخول السيارات الصحراوية التي تجوب البراري ليلا ونهارا، فمثل هذه الآليات التي لم تكن مستخدمة حتى وقت قريب أدت لهروب الحيوانات البرية إلى أماكن بعيدة حيث يطاردها الصيادون في الجبال الوعرة، ولإخراجها من معاقلها فإنهم يقومون بالرماية عليها بمضادات الطيران، ثم ينقضون عليها بسياراتهم الجبارة.

وما يحز في نفس ضيفنا أن هؤلاء الصيادين لا يعبؤون  كثيرا بما يصطادون، فحيوانات مثل الذئب الصحراوي (ابن آوى) قد يقتلونه لمجرد القتل، ويتعدى الأمر إلى حيوانات أخرى، فيحكي عن رحلة صيد، تمكنت مجموعة صيادين من اصطياد 22 أرنبا، حين عثروا على أثر غزال، فأخذوا يقتفون أثره لمدة يوم ونصف، لكن لاهم بالذين ظفروا بالغزال، ولا حافظوا على صيدهم، فقد تعفنت الأرانب مع طول المدة وذهب صيدهم طعاما للغربان.

 

انقراض 23 نوعا في برية مصراتة

 

في العام 2007 أجرى أكاديميون تحت إشراف الهيأة العامة للبيئة بحثا ميدانيا، تبين لهم من خلاله أن 23 نوعا حيوانيا مهددة بالانقراض في برية مصراتة وحدها، وكان السبب وقتها هو تجريف الكثبان الصخرية المتحجرة (الهشوم)، وهذا بقدر ما ينذر بالخطر بقدر يا يعطينا صورة عن التنوع البيئي في ليبيا التي تتربع على مليوني كيلو متر مربع، بين صحراء ووديان وجبال وأسباخ وشواطئ..

وفي السياق نفسه نشر تقرير سابق لمنظمات دولية أن حوض البحر الأبيض المتوسط يشهد سنويا قتل 25 مليون طائر، حيث جاءت ليبيا في الترتيب التاسع  عربيا بقتل (503,000) في حدودها الجغرافية، ووفقا للتقرير فإن المنطقة تفقد سنويا أكثر من عشرين مليون طير مغرد،  مليون طير مائي، 700 ألف طير حمام، ومائة ألف طير جارح وغيرها.

وهذه الإحصائيات مستمدة مما تنشره الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية والجمعية الليبية للطيور المهتمتين بالحد من عمليات صيد الحيوانات للمتعة، وخاصة الطيور بنشر حقائق وأرقام مفزعة عن هذه الظاهرة.

 

شواطئ ومتفجرات وقراصنة

وإذا تحدثنا عن البحر فإن صيادي البحر أكثر قلقا تجاه الصيد الجائر على الحياة البحرية على الشواطئ الليبية، يقول الصياد “السنوسي ساسي” إن موسم الفروج بدأ في التناقص، حيث أن قوانين الصيد لا تبيح صيده في شهري يوليو وأغسطس، الذي هو موسم وضع البيوض بالنسبة لها، كما أنه يحظر الصيد بالجرافات في أشهر (5، 6، 7، 8) لكن الصيادين تعدوا على هذه القوانين، وزيادة في التعدي استخدموا (الجيلاطينة –متفجرات)، ما أدى إلى استنزاف هذه الأنواع، كذلك سمك الدوت والدندشي، بل وهجرها لأماكن تواجدها، حيث يقال أن المكان الذي تستخدم فيها الجيلاطينة لا تعود إليه الأسماك مجددا، غير أن هذه المتفجرات تقتل المرعى أيضا وتقضي على الأحياء الدقيقة فيه”.

ويتابع “ساسي” أن “مشكلة الشواطئ لها بعد آخر، فالصيد الجائر لا يقوم به الصيادون الليبيون فقط والذين يخضعون للقوانين الليبية، بل أكثر من أضر بالبحر هم الصيادون الأجانب الذي يأتون من أعالي البحار، فهؤلاء لا يراعون البيئة ولا يأبهون بمواسم حظر الصيد، كما أنه ليس هناك من يردعهم، بل ربما هناك من يسهل لهم، حيث أن لدينا صيادين يسجلون جرافات باسمهم ويمنحونها رخصة الدخول للمياه الليبية وهي أجنبية.

أما عن مجازر الحياة البحرية فحدث ولا حرج، فهذا صياد يضرب جيلاطينة في مرعى أسماك، ويجمع من الصيد حاجته ثم يترك البقية طافحة على صفحة الماء، قال من أتى بعده إنه جمع ستين كيلوجراما مما خلفه (صاحب الجيلاطينة)، ولازال ما تركه أكثر مما أخذ، فحجم الصيد يتعدى بمراحل حاجة الصياد وقدرته على الاستفادة منه.

 

الصيد لا يدخل الثلاجة!

يتوجه الشيخ اللافي هنا بنداء: “كان الصيادون يخرجون في موسم الصيد لأجل قضاء الأوقات الممتعة، وليس لأجل ملء البطن  كما يحدث عند بعض من دخلوا على الموضوع حديثا، كان للصيد طعمه، وللحم الطرائد في مواسمها نكهته الخاصة، أما أن تعود بالصيد وتضعه بالثلاجة أو تبيعه في السوق فتلك في  أعراف الصيادين مدعاة للازدراء.

الشيء الآخر، لماذا الصيد في مواسم التزاوج محظور؟ يكفي أن نعرف أن الطريدة تفقد ثلث وزنها على الأقل في هذا الموسم، حتى طعم لحمها يتغير، وذلك أمر يعرفه الصيادون.

 

قراصنة في البر أيضا!

وهناك مسألة أخرى تطرق لها “اللافي” إذ إن بعض الصيادين الأجانب يأتون بطيور مهجنة مع أجهزة تتبع، لغرض الصيد، وهؤلاء أيضا شأنهم شأن البحارة الأجانب لا يلتفتون إلى مواسم الصيد الجائر، وهؤلاء هم المسؤولون -مثلا- عن انقراض طائر الحبارة في بلادنا.

فالدول المحترمة ذات السيادة تفرض قوانينها على الجميع، وتفرض ضرائب إضافية على الصيادين الأجانب حفاظا على مقدراتها وثرواتها البيئية، فأين دولتنا من هؤلاء؟

 

خطة إنقاذ

 

يقول اللافي إن طائر الحبارة كان موجودا بكثرة في برية مصراتة، وفي منطقة الحساسين، وجنوب زليتن، وبني وليد ومنطقة البريج، كما يعرف الصيادون موطن الغزال والودان في جبال الهروج والحساونة، وبعض الأودية الحدودية لدرجة أن بعض القناصين يتجاوزون أحيانا الحدود خلف الطرائد.

أما طائر السمان فيأتي من أوروبا في بدايات الشتاء ويتوقف عند سواحل ليبيا ويعشش ثم يواصل رحلته، أما طائر الغرنوق والدريج فيأتي في شهر (11) ويبقى الشتاء كاملا، وفي بدايات الربيع يعود لأوروبا بعد أن تدفأ الأجواء هناك.

ويعود إلى قصة الأرانب فيقول إنها تناقصت بشكل كبير في برية مصراتة وإذا استمر الصيد العشوائي الجائر فهي في طريقها للانقراض، غير أنه لو أن هناك من تبنى خطة إنقاذ وكف عنها أيدي الصيادين لثلاث سنوات مثلا فسوف تتنامى أعدادها بشكل كبير.

 

بيض السلاحف

لقد تطرق ضيوفنا إلى هدر الحياة البرية في بلادنا بشكل كبير، ونحن هنا لم نتحدث عن حياة السلاحف البحرية، وكيف أن إشاعة في مستوى أن بيضها قد يكون علاجا للعقم يجعل الناس تمشط الشاطئ جريا وراء سراب.

الضيوف ينشطون في مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي محاولين ثني الصيادين عن خرق القوانين وأخلاقيات الصيد، في حين ينشط صيادون آخرون في نشر مغامراتهم الدموية تجاه الحياة البرية وفي هذه السانحة صور لبعض هذه الانتهاكات، وأدناه صورة من أبيات للشاعر الشعبي محمد الجمل يقول فيها:

ماهوش هكي الصيد يا صيادة

هواية ومتعة موش حرب إبادة..

***

الصيد هواية..

الصيد عمره ما يكون دعاية..

الصيد رفقة في الخلا وتسلاية..

الصيد في سامر رسم ميعاده

الصيد جنب النار في سهراية

حديث سمح والشاهي جلب براده

الصيد سطوة الصيد ماهو غاية

وسيلة بها الصياد نال مراده

الصيد في مطلاق وتحوحايا

ومناديف فيهن يخدموا الحدادة

***

الصيد تسالي

وطلقة نظر في بر فوق عوالي

الصيد ليه أصول فيه فضالي

مش غدر ياصياد في لبادة

م الكاينات الوطن تما خالي

سلاح منتشر ماعاد ليه احداده

بدّت الصيادة في الزمان الحالي

على كل كاين حي كر ازناده

اليوم صيدنا اللي موش ميت جالي

اللي ف وطننا كاين هنا استيلاده

***

للصيد اصوله

امروة ونخوة وفرسنة ورجولة

مش كم صيدة جبتها مقتولة

وقلبك قسي ولى اتقول رشادة

تو هالمذابح هكذي معقولة

ليوم لاخرة منك طلبت شهادة

إن شا الله يلاقي هالكلام قبوله

و ان شا الله المنشور فيه إفادة

وكنك علي هالقول درت الحولة

حنا ناركم في صدورنا وقادة..

ولازالت المجازر مستمرة

لازالت المعركة محتدمة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم ترتق بعد إلى المستوى الذي قد يؤثر، ولا يتوقع ذلك في أجل قريب.. وسيكون علينا فقط أن نحصي ونوثق ما انقرض أو كاد، لينضم إلى القائمة الدولية التي تجاوزت حتى الآن ستة عشر ألفا من الكائنات وفق إحصائيات معتمدة، ولازال العد مستمرا..

 

 

تنويه:  الصور من الانترنت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى