الرئيسيةالراي

رأي- من خشم الأمير والملك، إلى خشم البندقة!

رحلة أليمة من ربوع النعمة والاستقرار إلى عالم المغامرات

* كتب/ محمد سحيم،

دولة بدون ملك، مستقبلها في مهب الرياح، من ليس عنده ملك، عليه أن يصنع واحداً، والأفضل أن يستنبته من بيئة الوطن لا أن يصنعه كيفما اتفق.

في الستينيات من القرن الماضي، صار المحافظون والتقدميون معاً، يدمنون ترديد قول مشهور كان يتنبأ بمستقبل الملوك والملكيات:

“ستتحول كل الدول إلى جمهوريات وسيبقى في العالم خمس ملوك فقط، أربعة منهم في لعبة الورق، وملك انجلترا!”

لم يكن أحد يومها يشكك في صواب وأرجحية هذا التنبؤ، خصوصاً وأن مخابرات الاتحاد السوفييتي والمعسكر الغربي يومها، صاروا يتسابقون على دعم -بل وإنبات المؤامرات الانقلابية التي وإن اختلفت بين سحنات القائمين بها في شرق العالم وغربه، لكنهم اتفقوا جميعاً على إسقاط الملكيات وإقامة الجمهوريات التي يقودها عساكر من الشباب الذين ينقصهم التعليم والخبرة وقبل ذلك الذوق والتربية.

اليوم بعد حوالي ستين أو سبعين سنة من تدشين عصر الانقلابات والجمهوريات العسكرية العبسلامية على اختلاف (قائد النصر والتحدي) في كل إصدار ومؤامرة، أعتقد أن العالم صار يملك عينة لتجربة يمكن القياس على نتائجها لمعرفة أيهما أفضل للدولة والإنسان، النظام الملكي أم الجمهوري؟

ولا أفضل من غض النظر عن أقصى الغرب والشرق والاكتفاء بتقصي أحوال المنطقة، أيها أفضل حالاً في الجوار الليبي، هل هي الجمهوريات أم الممالك؟

الملكيات العربية (عُمان، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت، السعودية، الأردن، المغرب)

الجمهوريات العربية (العراق، اليمن، سوريا، لبنان، مصر، السودان، ليبيا، تونس، الجزائر، موريتانيا)

ولا أعتقد أن أحداً يختلف على أي طراز، بين الملكي والجمهوري في المنطقة العربية، هو الذي أقام الاستقرار والتنمية والرفاه لمواطني بلده، لذلك فبعد هذه السنوات والعقود الطوال من الركض الجمهوري على نغمات الجنزير العسكري، لا أعتقد أن مملكة ما من الممالك حول العالم، قد تفرط في ملكها ونظامها الملكي، اللهم إلا إنجلترا التي لم يترك لها اليمين الشعبوي فرصة لتكون على الطراز القديم ذاته، بل راحوا يسحبونها من اهتمام عنصري بغيض إلى آخر، فلا أجدر عندهم من الحديث بعد كارثة إجراء البريكست، إلا لعن الأجانب واللاجئين والمهاجرين، وأعتقد أن آخر طريق الكراهية التي يسيرون فيها ستنتهي عند قاعة العرش في قصر باكنجهام.

عوداً على الملكية، فهي وإن كانت ناجحة، وأكثر إنسانية، وأقل فوضى ورعونة، إلا أنها في البيئة العربية، تحتاج إلى وجود حرس ملكي محترف وقادر على حماية المؤسسة الملكية، ومنع المغامرين من التسلل إلى الإذاعات والتلفزيونات والناس نيام.

لن أصدع رؤوسكم، بالأرقام ونتائج تحليل الإحصاءات من دول الطرازين الملكي والجمهوري كي أبين أن أسوأ الملوك هو أفضل من أفضل رؤساء الجمهوريات على مختلف الصعد، لكن يحضرني أمثلة بسيطة تبين أن الملك العربي رغم كل ما يعتريه من نواقص وسيئات، لكنه أفضل أداءً وأكثر إنسانية، بل وأكثر تقدمية من الرؤساء الذين انتهت جمهورياتهم التقدمية (العراق، سوريا، الجماهيرية) إلى حجر أساس قامت على ركامه داعش وأخواتها.

عوداً على الأمثلة التي أخبرت عنها: فالأول هو الخصام الذي جرى بين الأمير حمزة بن الحسين (ولي العهد الأردني السابق) وبين شقيقه الملك عبد الله الثاني، على خلفية اتهامات وجهت إلى الأول كان باعثها خوف الديوان الملكي، من اتساع شعبية ولي العهد السابق، وجلوسه في مجالس جرى خلالها التطاول على قيادة الملك، الشاهد في الأمر هو حديث مسرب جرى بين ضابط رفيع مبعوث من الملك، وبين الأمير حمزة، كان الضابط يريد أن يعلم الأمير بالإجراءات المتخذة ضده، وأنه رهن شروط إقامة وانضباط صارمة، كان الحوار ذا نبرة غاضبة من الأمير، لكنه مدى الحوار وطوال جولات الأخذ والرد، تبادل هو والضابط صفة (سيدي) مع كل جملة، كان الأمير يرد على كلام الضابط بقول (سيدي) في كل مرة، وكان الضابط يرد على الأمير بالصفة ذاتها في كل مرة، ورغم الخلاف والاختلاف بين الطرفين، لكن التسجيل كاملاً لم يحفل بأي عبارة أو كلمة خارج سياق الأدب والذوق، وانتهت تلك الأزمة إلى ما انتهت إليه.

وأعتقد أن الانحطاط والرداءة والبذاءة والعدوانية هي القاعدة الأساسية التي تعودنا أن يُبنى عليها خطاب الرئيس الانقلابي في الجمهوريات العربية، سواءً إلى شعبه، أو ووزرائه، أو خصومه، فهو لا يملك لهم إلا الإخضاع (بخشم البندقة) كما كان يقول ملازم أول جماهيرية في التاريخ.

المثال الثاني، جرى في الإمارات مع الرئيس الحالي محمد بن زايد، يوم كان ولي عهد أبوظبي ونائب الرئيس، وجرى أيضاً في السعودية يوم كان الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد، في المرتين ومن جوالات المواطنين وليس عبر وسيلة إعلام رسمية، توقف مواطنان، واحد في السعودية وآخر في الإمارات، وكل منهما كان يسأل أميره طلباً ما، وفي المرتين أجاب بن زايد وبن نايف بالقول نفسه:

(على خشمي)

وأعتقد أننا في ليبيا جت على خشومنا منذ يوم 1-9-1969 يوم استبدلنا الديوان الملكي بالنظرية العالمية الثالثة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى