الرئيسيةالراي

رأي- منشور مرعب..!

* كتب/ محمد سحيم،

من هو عاطف الأطرش؟

سؤال واحد تكرر مرتين، الأولى كانت في فبراير 2011 عندما سألني المحقق عن عاطف فأجبته أنه صديق، فأراد المحقق بذكاء جماهيري أخضر أن يوطد العلاقة إلى مستوى (رفيق حزبي) كي يحقق أمنية الحاج والقائد وسيف، في تحويل الحدث يومها إلى مجرد عمل حزبي تخريبي تقوم به فئة ضالة، لكنه خاب حينما وجد نوعاً آخر من الصداقة لم يقو دماغه على استيعابها، كان ما بين يديه من معلومات (مبصوصة) تشير إلى خصام واختلاف وقطيعة ولقاءات بعد مدد طويلة، واحترام متبادل، ونقاش وجدال وتوافق وتفارق، وخليط مما لا يشبه ما يعرفه من الصداقات حيث يجب أن يشبه (س) صديقه (ص) ويوافقه على كل شيء.

المرة الثانية كانت حين عثر أحد الأصدقاء على مكتوبٍ لي نُشر في صفحة عاطف الأطرش اكتوبر 2022، فسألني بالاستفهام ذاته الذي استفهم به المحقق عام 2011، فأجبته بما أعرفه عن صديقي وبمقدار يناسب إعطاء نبذة أولية، عاد الصديق وسألني:

كيف يصح أن يكون عاطف مدافع عن حقوق الإنسان، وينشر شيئاً كهذا في صفحته، وأشرع الصديق المتحدث هاتفه في وجهي وأراني منشوراً تحدث فيه عاطف عن قناعته باستخدام المسدسات!

قرأت المنشور ولم أفهم منه إلا ما فهمه الصديق السائل أول الأمر، قلت له مثلما قلت لذلك المحقق، عاطف صديق وإنسان ذكي ومجتهد ومستمع جيد، إنساني إلى حدٍ بعيد، لطيف المعشر، طيب الخلق، لبق إذا تحدث وعاقل، هادئ، رزين، لكنه ككل إنسان، له أخطاء وزلات، وله أيضاً أفكار أختلف معها ولا أعتقد أنه نجح يوماً في إقناعي بها.

بعيداً عن ذلك المنشور الفظيع والمرعب، عاطف إنسان تسامى وترفع عن الانتقام، بل وقف إلى جانب جلاديه وسجانيه، والبصاصين عليه ساعد بعضهم وتغاضى عن آخرين، وربت على أكتافهم وانتهت اعتذاراتهم على شرف فنجان قهوة وسيجار ونصف، لم أعرف أنه انتقم من أحد بل العكس هو ما عرفته أنه تنازل عن حقه وسامح وتسامح.

ذاك المنشور المرعب، عن الحاجة إلى استخدام المسدسات وكواتم الصوت، لا يشبه عاطف، لا يشبهني، لا يشبه أحد من أصدقائنا ولا يشبه أفكارنا ومعتقداتنا إطلاقاً، نحن من كنا نحلم بالتغيير، وكنا ومازلنا نحلم بوطن (ليبيا) آمنة مستقرة ومزدهرة لم يكن استخدام العنف خياراً من خياراتنا حتى حينما استخدم ضدنا، وما انحراف فبراير باتجاه استخدام السلاح وتحويلها إلى حرب، إلا مناورة خائبة من مناورات (الديك المذبوح) التي أجراها العقيد القذافي، حينما واجه لجنته الشعبية العامة التي انقلبت ضده وصارت بأغلبيتها أعضاء في (المجلس الانتقالي) حينها ويومها، زج بي أنا وعاطف الأطرش والحبيب الأمين والراحل ادريس المسماري والفنان محمد الأمين وربيع شرير وآخرين من دعاة الحرية والسلام المتحدثين يومها عن أحلام التغيير، يوم زج بنا في السجن وأطلق من الجهة الأخرى سجناء الجماعات الجهادية وسجناء القضايا الجنائية، فأخلى كل السجون الجنائية من المجرمين ووزع السلاح وصار يدعو إلى إشعال النار في كل البلاد حتى “..تتطهر البلد من الرجس والأنجاس…” على حد قوله.

انحرف التغيير يومها إلى العنف، دون رغبتنا وبغير إرادتنا واليوم لا نملك إلا أن نصنع الخيار الإنساني الآخر وأن نكون دعاة سلام وتسامح ولا عنف.

عاطف هو من وقف معي وكتب مثلي من داخل بنغازي عام 2008 عندما كتب أحد أعضاء اللجان الثورية عن “..ضرورة العودة إلى الكلاشن إذا لزم الأمر” توافقنا يومها على أننا دعاة سلام وحرية وأن ما قاله ذلك الكائن الخائب الأخضر لم يكن إلا جولة من تفريغ الغازات الثورية المضغوطة على إثر وجبة بازين في مثابة، ينظر إليها الناس بريبة وإحساس بالتقزز، إن استخدمت العنف فلسنا من دعاته ولا من الخائضين فيه، كان هذا ردنا ومازال.

على مدى السنوات الأحد عشر الماضية غصت الفضاءات الإلكترونية والمرئية والمسموعة بدعاة العنف وطارقي الطبول بمختلف الأشكال والنكهات، لكنني لم أرد أو أتعاطى مع جل تلك الدعوات، لا لشيء إلا لأنهم لا يعرفون إلا هذا النوع من البدائية والتهريج والزعيق والتهويل، وهم لا يصلح شأنهم بالرد أو التصويب كما أفعل الآن، بل بقيام سلطة راشدة تُعلم و تثقف، وتصون الحقوق وتمنع ممارسة العنف.

أما عاطف صديقي، فهو جدير بإشعال علامات الخطر في وجهه وتحذيره من تلبس أفكار وأقوال لا تشبه شخصه ولا عقله ولا مسيرته النضالية.

نحن يا عاطف، ورثة وإخوة المناضلين الوطنيين السلميين (منصور الكيخيا وضيف الغزال وفتحي الجهمي وجمال الحاجي وعبد الرازق المنصوري وآخرين) منهم من دفع عمره وحياته لأجل تثبيت حق الإنسان الليبي في العيش بحرية وكرامة، ومنهم من مازال مناضلاً ومكافحاً في سبيل صون حقوق الإنسان والدفاع عن كرامته.

نحن يا عاطف دعاة للتسامح والسلام والحب والأخوة، حتى وإن كانت دعواتنا تثير الضحك في زمن لا يعلوا فيه شيء على صوت الرصاص وأكوام البيوت والعمارات المهدمة.

سأنشر هذه الكلمات وهذا المكتوب في صفحة الصديق عاطف الأطرش، دقاً لناقوس الخطر، ودعوةً له ولأنفسنا كي نعيد التفكير في أفكارنا وخياراتنا، وأن نضبط البوصلة والوجهة وأن نتوقف عن العنف والدعوة إليه حتى وإن على سبيل المزاح.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى