الرئيسيةالراي

رأي- مشهد التوازنات الدولية في ليبيا

* كتب/ هشام الشلوي،

بلد مساحته تزيد بقليل عن مليون وسبعمائة مليون كيلو متر مربع، ويقل سكانه عن ستة ملايين نسمة، وله شواطئ تقترب من ألف وتسعمائة كيلو متر على البحر المتوسط مقابل أوروبا القديمة، ويمثل حلقة وصل بين ثقافات مشرقية ومغاربية وإفريقية ومحطات عبور بينها، وبباطنه مصادر طاقة تمثل جزءا لا بأس به من أمن الطاقة الأوروبي.

وباختصار غير مخل تفترض هذه المقولة أن تاريخ ليبيا السياسي الحديث هو تاريخ من الضعف المستمر، الذي يبدو أنه غير قابل للعلاج. وتعني هذه الفكرة البسيطة أنه لا يمكن لليبيا أن تستقر داخليا أو في محيطها الإقليمي إلا بقوة خارجية كبرى، قد تكون دولة أو مجموعة توازنات دولية، تفرض الاستقرار الداخلي.

سيطرت إيطاليا في بداية القرن الماضي على كامل ليبيا بعد أن كسرت شوكة حركات المقاومة الداخلية التي كانت تعتمد بشكل كبير على الإمداد القادم من الخارج، خاصة من مصر التي كان يسيطر عليها الإنجليز.. الجيش الثامن الإنجليزي أنهى وبشكل نهائي الاحتلال الإيطالي، وفق توازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الولايات المتحدة في طرابلس وبريطانيا في طبرق وفرنسا في الجنوب الليبي. وكان لهذا الوجود الغربي دور حاسم في تثبيت دعائم الحكم الملكي لمدة ثماني عشرة سنة.

وفي موجة الانقلابات العسكرية التي اجتاحت دول المنطقة العربية، بعدما تراجع الدور البريطاني الفرنسي في قيادة المنطقة، اللتين أرهقتهما الحرب العالمية الثانية وتقدم الولايات المتحدة إلى قيادة العالم بالتقاسم مع روسيا.

في هذه الوجهة أطاح مجموعة ضباط من الجيش بالنظام الملكي وفق هذا التوازن الجديد. اتجه نظام القذافي إلى الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي، مستوردا منها عتاده العسكري وأسلحته، أي إلى إحدى القوى العظمى من أجل دعمه في البقاء داخل قمرة قيادة الدولة الليبية. بل لعله كان يخشى تغير المزاج الأمريكي الذي أطاح عسكرا مواليا له في عدة دول، أقول لعله.

تغيرت خريطة التوازنات بالكامل بعد موجة الثورات التي ضربت أنظمة تونس ومصر وليبيا واليمن، وهزت سوريا، وكادت أن تندلع في البحرين والمغرب. إثر هذا العنصر الجديد دخلت دول حلف شمال الأطلسي للقضاء بشكل حاسم على نظام القذافي.

طرأت متغيرات أخرى فرضتها محاولة حفتر الهجوم على طرابلس في أبريل عام 2019، واستقدامه لروسيا، مما اضطر حكومة الوفاق إلى التعجيل بتوقيع مذكرتي تفاهم أمنية وبحرية مع تركيا، فتحولت موسكو وأنقرة إلى عاصمتين للقرار الليبي. أظن أن مصر لها دور، وسيكون لها دور في أي ترتيبات قادمة متعلقة بليبيا، إذ لا يمكن للتوازن الدولي أن يغفل أو يتغاضى أو يحجم بشكل مبالغ الدور المصري، التي تمثل لها ليبيا فرصة كبيرة اقتصاديا وأمنيا وسياسيا.

بعد ثورة فبراير يمكن رصد هذا الضعف على المستوى المحلي، إذ لم تستطع قوة محلية فرض سيطرتها ونفوذها على الواقع الليبي، فكبريات المليشيات دائما ما تحتاج إلى تحالفات، أغلبها مؤقت وغير دائم، لتحقيق مصالحها أو استمرار نفوذها على مصادر المال، الذي يتوفر أغلبه بابتزاز مؤسسات الدولة أو ممارسة تجارة المخدرات والسلاح والهجرة غير الشرعية وكل أنواع التهريب المحلي والدولي.

بشكل ما إن حاجة ليبيا ملحة وضرورية ولا فرار منها، إلى توازن دولي وتفاهم الدول الكبرى سواء الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي أو بين الدول الإقليمية التي دخلت إلى ليبيا بعد ثورة فبراير، وهذا يعني أن مسألة السيادة الوطنية وحرية القرار والاستقلال التام، هي نوع من المماحكات السياسية بين الأطراف المتصارعة، التي هي بالأساس تتكئ على نظام دولي وإقليمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى