الرئيسيةالراي

رأي- بركان الغضب في منطق التاريخ وحركته

* كتب/ هشام الشلوي،

 

في التاريخ الإنساني، ثمة قوانين خاصة، تلك المتعلقة بالحروب وإدارة الدول والمجتمعات، تسري بنمطية منذ أن عرف الإنسان النظام السياسي والمجتمعي، إلا أن الاستثناء قائم ومبثوث في ثنايا التاريخ.

 

أحد أبرز هذه القوانين، هو أن دولا قوية تمتلك القوة المادية والعدد البشري، تستطيع أن تلتهم دولا ومجتمعات، تُطوى صفحتها إلى غير رجعة، وما يبقى منها مجرد تراث وفلكلور. التهمت أوروبا حضارات عتيقة في أمريكا الجنوبية والشمالية، وطمستها، بل وحولت تاريخها إلى تندر في السينما والإعلام – أفلام الكاوبوي-

 

حسابيا، كان من المفترض أن تكون طرابلس ومدن غرب ليبيا، تحت سلطة التمرد، بعد أيام قليلة من الهجوم في الرابع من أبريل، عام 2019م. لما توفر له من دعم ممزوج بالغطرسة اللامتناهية، آلاف الجنود والعربات وأحدث أنواع المدافع والراجمات، وعشرات الطائرات المسيرة والحربية.

حسابيا، آلاف من المرتزقة من السودان وتشاد، وتخطيط عسكري، وتوزع في محاور يزيد طولها على مائة وثمانية عشر كيلو مترا. الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا، ثم التحقت روسيا بعد هذه الدول إلى ركب داعمي العدوان، الحدود الشرقية مفتوحة على مصراعيها لدخول الأسلحة والذخائر، مطارات وقواعد عسكرية تستقبل آلاف الأطنان والجنود، ناهيك عن التغاضي الدولي أو إغماض نصف عين العالم عنا، إن شئت الوصف بعبارة أخرى.

 

حسابيا، شراء عشرات الذمم في عدة مدن، وتقلب في المواقف ومناطق رمادية، هي في صالح التمرد بطريقة أو بأخرى، مناطق وقرى كشفت عن ساقيها مغرية التمرد بالدخول إلى عرينها، وشباب وعده التمرد باستحلال العاصمة ونهب أموال أهلها، حيث بدأت عقلية النهب من شاب ذو وجه نكد، أبدى شبقا غير مفسر تجاه البريوش، فإذا كان الطمع في البريوش بهذه العدوانية، فما بالك بما هو أغلى وأثمن منه.

 

وحسابيا، كان يجب أن نكون نحن الذين على قيد الحياة اليوم، إما في السجون أو قتلى، وفي أفضل الأحوال التي يمكن أن يجود بها الزمان علينا، مهجرين في تيه لا يعلم إلا الله وحده متى الخروج منه.

 

وحسابيا، نحن خوارج ودواعش ومقاتلة وقاعدة، ولو كان المسماري يعي أسماء ونعوتا وأوصافا أخرى، لأطلقها علينا، إضافة إلى أننا وكما وصفنا السيسي على منصة الأمم المتحدة، قصّر لا نملك أي وعي ولو سطحي بكيفية توزيع الثروة وإدارة بلدنا.

 

إلا أن التاريخ لا تصنعه الحسابات فقط، ففي معركة بدر كانت الحسابات الأرضية والمادية ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ففي أحد زاويا التاريخ والحضارات هناك ركن مشع ومضيء، هو خاص بالشجاعة والإيمان بعدالة الموقف.

 

وهذا تحديدا ما حال دون دخول حفتر إلى العاصمة طرابلس منذ الرابع من أبريل الماضي وحتى يومنا هذا، شباب هبوا في موجات عاتية لصد العدوان، لم يخفهم أزيز الطائرات أو زمجرة المدافع، ولم يثن عزيمتهم قيظ الصيف أو زمهرير الشتاء، ولم يفت في عزيمتهم شوق لوِد أو زوجة أو أم أو أب.

 

كثير منهم لا يهتم وحتى لا يعرف أحيانا حسابات السياسة ومنطق التوازنات والمسافات التي يجب الوقوف فيها، لكنهم بقلب سليم يرفضون منطق عودة حكم العسكر، ويرون أن الحرية سواء لهم في حياتهم أو لمن خلفهم هي فضيلة تستحق الموت وبتر الأطراف.

 

إصرارهم دق أجراس العالم، وحوّل أبصار المتعلقين بقيم الحرية إلى نضالهم المسلح على جبهات القتال، فلم تعد الحرب محلية فقط بين شبه عسكري هرم، وبين رافضي العسكرة، بين منطقين يتصارعان في التاريخ، يلتف حولهما أملا وشوقا وحبا وعطفا، عشاق الحرية.

 

محاطون بعوالم من الشر، ومن أبناء جلدتنا من يحاول إغراقنا في ظلام التيه والعبودية، إلا أن البركان لن يتوقف عن فتح مسارات التاريخ الحديث والإعلان عن نفسه كبارقة أمل، وأن ساعات الصفر مهما تعددت، ستظل أصفارا خاوية من القيمة والمعنى والروح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى