اخبارالرئيسيةعيون

اشتباكات طرابلس: خريطة جديدة للولاءات العسكرية في الغرب الليبي

العربي الجديد-

أفضت الاشتباكات التي اندلعت السبت الماضي، في العاصمة الليبية طرابلس، بين مليشيات وكتائب مسلّحة، وبدأت بمواجهات مسلّحة بين جهاز “قوة دعم الاستقرار”، بقيادة عبد الغني الككلي، و”الكتيبة 77″، بقيادة هيثم التاجوري، وسقط ضحيتها 32 مدنيا وأكثر من مائة جريح، إلى حسم الكتائب والمليشيات الداعمة لرئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، سيطرتها في العاصمة، مقابل تراجع تلك التي أظهرت دعماً لرئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا.

وسواء أكان ذلك معداً سلفاً لكلا أو أحد المحورين المتنافسين في ليبيا اليوم على السلطة، أو أنه جاء بتحركات للكتائب المسلحة في إطار صراعاتها بدورها على النفوذ في العاصمة، وهو أمر مستبعد، فإن الدبيبة تمكن من الإمساك أمنياً بالعاصمة، وتظهير مرة أخرى تعثر محاولات باشاغا الدخول إليها.

وأفضت اشتباكات السبت الماضي، إلى سيطرة كاملة لـ6 مجاميع مسلّحة داعمة للدبيبة، على رأسها “قوة دعم الاستقرار” القوية في طرابلس، على العاصمة، وانسحاب القوى المسلحة الموالية لباشاغا والآتية من مدينتي الزاوية (غرب طرابلس بحوالي 48 كيلومتراً) والزنتان (تبعد 136 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من طرابلس) من محيط طرابلس الغربي والجنوبي تماماً، إلى مواقعها في الزنتان والزاوية حيث لا يعوّل الدبيبة على أي قوة فيهما داعمة له.

ويعكس ذلك تموضعات جديدة للجماعات المسلّحة التابعة أو الموالية لكلا الفريقين، في الغرب الليبي، حيث يدور الصراع أيضاً بين شخصيتين من أبناء إحدى مدنه القوية والنافذة، في مقابل محور الشرق الليبي، وهي مدينة مصراتة. وتمكن باشاغا من إحداث شرخ داخل مصراتة، التي أصبحت تعيش انقساماً في ولاء مجموعاتها المسلحة بين باشاغا والدبيبة.

وتأتي الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها طرابلس، كنتيجة متوقعة لتراكم الفشل السياسي، منذ أن أضاع سياسيو هذا البلد فرصة الانتقال الديمقراطي في ديسمبر الماضي، بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفق خريطة الحل الأممية. وأفرز الغموض الذي خلّفه فشل الانتخابات، مستوى جديداً من الصراع، سياسي بين الحكومتين المتنافستين، وجغرافي، بعد تكريس الغرب الليبي، كساحة للصراع، وتحديداً العاصمة طرابلس.

4  مشاريع حروب في العاصمة

وتجلى هذا الوضع الجديد، بعد حرب اللواء المتقاعد خليفة حفتر الفاشلة على العاصمة الليبية، بـ4 مشاريع حروب متتالية، منذ تكليف مجلس النواب المنعقد في طبرق، باشاغا، بتشكيل حكومة، في فبراير الماضي.

وكانت الحرب الأولى على وشك الوقوع، حين كانت مليشيات من مدينة مصراتة، تابعة لباشاغا، على مشارف العاصمة الليبية، في 10 مارس الماضي، بهدف اقتحامها، قبل أن تتراجع لفتح المجال لمفاوضات سياسية.

وفي المرة الثانية، تمكنت “قوة دعم الاستقرار” التابعة للدبيبة، في مايو الماضي، من تدمير مقار قوة “لواء النواصي” في مصيف طرابلس، وقاعدة بوستة البحرية، بعدما مكّنت هذه القوة باشاغا من دخول طرابلس لساعات.

أما المرة الثالثة، فقد كانت في 22 يوليو الماضي، عندما هاجمت “قوة الردع” مقار “كتيبة ثوار طرابلس” في عين زاره، بعدما ظهرت على هذه الكتيبة علامات الميل لصالح معسكر باشاغا.

أما “الحرب” المصغرة الرابعة، فاندلعت ليل الجمعة – السبت الماضي، ويوم السبت، عندما هاجمت “قوة دعم الاستقرار” مقرات “الكتيبة 77”.

وشكلت كل تلك الاختبارات العسكرية، ظهيراً لصراع سياسي بتحالفات جديدة، بدأت أولى ملامحه في التقارب بين باشاغا، وقائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، أثناء ترشحهما للانتخابات الرئاسية نهاية العام الماضي، بهدف بناء حلف في مواجهة خصومهما من الشخصيات الجدلية التي تموضعت ضمن خريطة الإعداد للانتخابات.

ومن بين هؤلاء، يعدّ الدبيبة الأكثر جدلاً، هو الذي كان في ذلك الوقت يعيش صراعاً محتدماً مع مجلس النواب، الذي صاغ قوانين انتخابية لإقصاء رئيس حكومة الوحدة من المشهد، بعدما فشل البرلمان في إقصائه بسحب الثقة من حكومته (سبتمبر 2021). وارتفعت حدة الصراع بعدما صاغ برلمان طبرق خريطة طريق سياسية جديدة، كلّف بموجبها باشاغا بحكومة موازية، منحها الثقة في مارس الماضي، لكن الدبيبة لم يعترف بهذا التكليف، كما لم يعترف بسحب الثقة من حكومته، وتمسك بعدم تسليم السلطة سوى لأخرى منتخبة.

وتدرّج انتقال الصراع إلى غرب البلاد وتحوله إلى صراع عسكري. إذ أدرك باشاغا أن بقاء عمله وحكومته من سرت، وسط البلاد، والتي اتخذها مقراً مؤقتاً لحكومته بعد فشله أول مرة في دخول طرابلس، وبقائه بعيداً عن مركز السلطة، لن يجدي. وانتقل باشاغا في منتصف يوليو الماضي إلى مصراتة، حيث تمكن منها من حشد قطاع كبير من الرأي العام في غرب ليبيا، وعدد من المجموعات العسكرية في مصراتة لصفّه. كما سعى للاستفادة من داعميه في المناطق الأخرى، ومنهم وزير الداخلية في حكومته، عصام بوزريبة، المتحدر من مدينة الزاوية، واللواء أسامة الجويلي، قائد المنطقة الغربية المتحدر من الزنتان (أقاله الدبيبة) والموالي لباشاغا، والذي ساعده في دخول طرابلس واستضافة “لواء النواصي” له في مايو الماضي.

وكان جلياً أن اقتراب باشاغا من مدن الغرب الليبي يهدف إلى تحشيد القوى العسكرية في أبرز تلك المدن ثقلاً، أي في الزاوية والزنتان، وفي مصراتة نسبياً، لفرض طوق عسكري على طرابلس، يمكنه من اقتحامها بسهولة. لكن الخبير الليبي في الشأن العسكري، الصيد عبد الحفيظ، يرى أن فشل باشاغا في ذلك يعود لأمرين: الأول أن التوزع المناطقي للقوى الموالية لباشاغا لم يكن متوازناً، والثاني تأخره في تنفيذ خطة الاقتحام.

ويشرح عبد الحفيظ في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “باشاغا لم يتموضع في مناطق قريبة من طرابلس غرباً، لتكون غرفة لقيادة هجومه، واكتفى ببعض القوى العسكرية في مصراتة التي يفصلها عن طرابلس مدن كزليتن والخمس، تتموضع فيها قوى موالية للدبيبة”. ويضيف أن باشاغا “لم يتمكن من تحريك قواته باتجاه طرابلس لبُعد المسافة، في وقت كانت فيه الكتيبة 77 (الموالية له) تتهاوى، فيما يمنع العامل القبلي والاجتماعي الزنتان والزاوية بالتقدم والتضحية بأبنائهم ما لم تكن قوى مصراتة في المقدمة”.

ويأتي ذلك بحسب الخبير الليبي، “لأن الرأي العام في غرب ليبيا يرى أن الصراع في الأصل هو بين أبناء مصراتة”، مشيراً إلى أن “عامل نجاح الدبيبة في إفشال عملية باشاغا كان في استباقه توقيت هجوم الأخير واللعب على عامل الزمن والعامل الاجتماعي”.

من جهته، يعدّد الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، الدوكالي الهاين، لـ”العربي الجديد”، عوامل أخرى وقفت خلف ما يُعد لطرابلس وسبباً في فشله أيضاً. ويقول إن “ما حدث شبيه بعملية حفتر العسكرية على طرابلس”، وأن الصمت الدولي قد يعكس حصول باشاغا وحلفائه على ضوء برتقالي من عواصم كبرى لعملية سريعة وكاسحة، لكن باشاغا فشل في ذلك، كما فشل حفتر سابقاً”. ومن بين أسباب فشل باشاغا أيضاً، بحسب الهاين، “علاقته المريبة بحفتر، بالنسبة لقوى طرابلس المسلحة، بالإضافة إلى توجس هذه القوى من مشاريع باشاغا السابقة خلال توليه وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، ضد المليشيات، وسعيه لإذابتها في مؤسسات الدولة.

وفي كل الأحوال، انتهت حرب اليوم الواحد في طرابلس، باستيلاء “قوة دعم الاستقرار” الموالية للدبيبة، على مقرات الكتيبة 777، آخر معاقل باشاغا العسكرية في طرابلس، وانسحاب القوى المسلحة الآتية من الزاوية والزنتان من محيط طرابلس الغربي والجنوبي تماماً، ليعلن الدبيبة، في خطاب وجهه لليبيين ليل الأحد – الإثنين، عن نهاية “العدوان من دون رجعة”.

وعلى الرغم من محاولات باشاغا إنكار علاقته بأحداث طرابلس الأخيرة، وتحميل الدبيبة وقواته مسؤوليتها، إلا أن تصريحات تلفزيونية للمتحدث باسم حكومة باشاغا، عثمان عبد الجليل، الأحد، أكدت ولاء الكتيبة 777 لحكومة باشاغا، كما أن آمر المنطقة الغربية، الجويلي، اعتبر أيضاً في حديث تلفزيوني أن مساعدته باشاغا في دخول طرابلس (مساعدة حكومة مكلفة من مجلس النواب) “ليست جريمة يعاقب عليها القانون”، في اعتراف بأن قواته كانت عازمة على المشاركة في القتال الدائر في طرابلس عندما اقتربت من ضواحي المدينة الجنوبية.

خريطة جديدة للصراع المسلح في الغرب

وفي نهاية العملية التي استهدفت السبت “الكتيبة 77″، أُنهي وجود كل القوى المسلحة الموالية لباشاغا في قلب العاصمة وتخومها الغربية والجنوبية، وهو ما يرى فيه مراقبون تبدلاً كاملاً للخريطة العسكرية وموازين القوى على الأرض غرب ليبيا.

وقبل دخول باشاغا على خطّ الصراع السياسي، كانت القوى المسلحة في طرابلس تتوزع بين: “قوة الردع” الخاصة التي تسيطر على مواقع في قطاع طرابلس الشمالي، والتي تتمركز في قاعدة معيتيقة، وتتقاسم السيطرة في هذا القطاع مع “لواء النواصي”، الذي يتمركز في قاعدة بوستة البحرية. وفي منتصف قطاع طرابلس، كانت السيطرة لـ”قوة دعم الاستقرار”، التي تتمركز في حي أبو سليم، وتتقاسم السيطرة في هذا القطاع مع “كتيبة ثوار” طرابلس، بقيادة أيوب أبوراس، و”الكتيبة 777″ بقيادة هيثم التاجوري، وقوى صغيرة متناثرة موزع ولاؤها بين الفصيلين.

وفي القطاع الغربي، تسيطر قوة الأمن العام بقيادة عماد الطرابلسي، فيما تتقاسم السيطرة في الجنوب الكتيبة 301 (بقيادة عبد السلام زوبي) واللواء 444 (بإمرة محمود حمزة). أما في الشرق، فالسيطرة للواء 51 (المعروف بلواء البقرة – بشير البقرة). وتعمل كل هذه القوى تحت مسميات حكومية متغيرة، تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع في حكومة الوحدة الوطنية.

وتضم مدينتا الزاوية والزنتان أبرز القوى المسلحة في غرب العاصمة، بالإضافة إلى مصراتة. وتسيطر على الزاوية قوى مسلحة متصارعة، أبرزها تلك التي يقودها علي أبوزريبة، شقيق عصام أبوزريبة وزير الداخلية في حكومة باشاغا. أما الزنتان، فتخضع لإمرة اللواء أسامة الجويلي، قائد المنطقة العسكرية الغربية، بالإضافة إلى أربع كتائب في مصراتة، هي لواء المحجوب ولواء الحلبوص، وكتيبة حطين، والقوة المشتركة.

وفيما لم تعلن هذه المجاميع المسلحة أي ولاء ظاهر لأي من طرفي الصراع، باشاغا والدبيبة، إلا أن العمليات العسكرية كشفت ولاءها، كـ”لواء النواصي” الذي استضاف باشاغا في مايو الماضي، لتمكينه في العاصمة، و”الكتيبة 777″ التي اعترف المتحدث باسم حكومة باشاغا بتبعيتها لحكومته، وقبل ذلك ظهور ولاء مجموعات أخرى، كـ”قوة دعم الاستقرار” و”الردع” للدبيبة بهجومها على مقار “النواصي” و”الكتيبة 777″.

وبحسب عبد الحفيظ، فإن السيطرة في طرابلس باتت محسومة لصالح القوى المؤيدة للدبيبة، بعد اشتباكات السبت، فالقوى المسيطرة في طرابلس حالياً هي: قوة الردع، قوة دعم الاستقرار، الأمن العام، الكتيبة 301، اللواء 444 واللواء 51.

وفي خارج طرابلس، صارت مدينتا الزاوية والزنتان، أبرز المدن ذات الثقل العسكري، خارج سيطرة حكومة الدبيبة، كما أن مصراتة تعيش انقساماً عسكرياً كبيراً. فلواء المحجوب والكتيبة 166 مواليان لباشاغا، أما القوة المشتركة فولاؤها للدبيبة، بينما تتخذ قوى مسلحة أخرى موقف الحياد، وأبرزها لواء الحلبوص.

ويقول الباحث السياسي الدوكالي الهاين، لـ”العربي الجديد”، إن القوى المسلحة في مدينتي الزنتان والزاوية في غرب ليبيا، والموالية لرئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا، ستتخذ موقفاً معادياً من حكومة عبد الحميد الدبيبة، على خلفية خسارتها أمام القوات الداعمة له. لكنه يعتبر أن “استمرار دعمها لباشاغا ليس أكيداً، لأن القوى السياسية والاجتماعية في هاتين المدينتين لن تقبل دعم الخاسر”، وهو ما يسري على مصراتة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى