الرئيسيةالراي

رأي- أي مستقبل للحل السياسي في ليبيا؟

* كتب/ محمد القابسي،

بعد سبع سنوات من الاحتراب، بات “الإخوة الأعداء” في ليبيا أكثر قرباً من الحل السياسي، والنزوع للحوار أقل ميلاً إلى الصراعات الدموية المدمرة.

ويعتبر منح الثقة لحكومة عبد الحميد الدبيبة تتويجاً لمسار الحوار والحل السياسي الذي رعته الأمم المتحدة في إطار منتدى الحوار السياسي الليبي، والذي تم بموجبه في الخامس من فبراير في جنيف اختيار 74 مندوباً، انتخبوا أربع شخصيات كلفت بقيادة حكومة مؤقتة جديدة، وقد اختير الدبيبة (62 سنة) رئيساً للوزراء، وهو شخصية مثيرة للجدل، لم يكن يعتبر ترشحه قوياً بما يؤهله للفوز. وهو رجل أعمال من مصراتة في الغرب الليبي. وبموجب مصادقة البرلمان عليها، تولت الحكومة السلطة بداية من مارس، وستعمل على إجراء انتخابات عامة مقررة في ديسمبر المقبل.

وكانت الآلية التي اعتمدت لتعيين رئيس وزراء وسلطة ثلاثية قد اقترحتها الأمم المتحدة واعتمدتها وسيلة لإخراج البلاد من حرب أهلية ذات بعد دولي، بهدف إثبات إمكانية إيجاد حكومة موحدة تستطيع الصمود، على الرغم من الانقسام المستمر على أرض الواقع. وفي هذا السياق، بادر الرئيس المنتخب للمجلس الرئاسي، محمد المنفى، بالاجتماع مع اللواء المتمرد في الشرق الليبي، خليفة حفتر (77 سنة)، واجتمع بشكل منفصل مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في بنغازي. وطوال عدة أشهر وحتى ربيع 2020، كان حفتر يشن هجمات عسكرية ضد حكومة الوفاق المعترف بها من الأمم المتحدة، المتمركزة في طرابلس، والمليشيات المسلحة المتحالفة معها. وقد نجحت طرابلس، بمساعدة عسكرية تركية مشهودة، في طرد كتائبه الرئيسية وحلفائه من شمال غرب ليبيا. ويجمع متابعون للشأن الليبي ولمسار تنفيذ خريطة الطريق المنبثقة عن مؤتمر برلين مطلع العام الماضي على أهمية تلويح أميركا بإنزال عقوبات على الأطراف الليبية والخارجية التي قد تعرقل تنفيذ خريطة الطريق، فقد شكّل الدور الأميركي دافعاً أساسياً لتخلي المعترضين عن تحفظاتهم. ولا تخفي الولايات المتحدة رغبتها في خروج المستشارين والمرتزقة الروس والأتراك من ليبيا نهائياً. وقد ذكرت دراسة للمركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا، نوهت بها مجلة شؤون ليبية في عددها مارس- إبريل، إن واشنطن سنّت “قانون استقرار ليبيا” الذي أعدّته اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب الدولي في الكونغرس الأميركي، ورمى إلى “تعزيز الدبلوماسية ودعم الانتخابات ومعاقبة الذين يؤجّجون الصراع”.

وجاء القانون، بحسب مصادر أميركية، “تأكيداً لاهتمام الكونغرس بتحقيق الاستقرار في ليبيا وإحلال السلام لجميع الليبيين”، بحسب ما قال رئيس اللجنة الفرعية “تاد دوتش”، وهو ديمقراطي مؤيد لحكومة الوفاق. وعلى الرغم من أن أميركا لم تفسر مضمون العقوبات، إلا أن مجرد التلويح بها أعطى نتائجه السريعة، بتليين مواقف زعماء كانوا ضد الحوار مع المعسكر المقابل، فضلاً عن الوصول إلى اتفاقات معه. وقد فوجئ مراقبون من إعلان رئيس مجلس النواب، عقلية صالح، دعمه للسلطة الجديدة واحترامه إرادة لجنة الحوار السياسي بعد فوز قائمة محمد المنفي في انتخابات جنيف، لاختيار السلطات التنفيذية الجديدة. وتؤكد مصادر موثوقة أنه “توجّس من تواصل نواب من المنطقة الشرقية مع السلطات في طرابلس ومصراتة من دون العودة إليه”.

ومؤكّد في هذا السياق أن الدور الأميركي كان وراء التحول المهم في سلوك الأطراف السياسية والنخب المتعاطفة معها في المنطقة الشرقية، الواقعة تحت نفوذ الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، الذي انهزم عسكرياً، بعد فشل “غزوته” طرابلس، فيما مني عقيلة صالح بهزيمةٍ سياسيةٍ مماثلةٍ نتيجة ارتباطه الوثيق بحفتر. وقد يكون أنه بات يخطط للانفصال عن حفتر، بمشاركته في منتدى جنيف، وتزعمه إحدى القوائم المتنافسة.

وعلى الرغم من هذا الظهور البارز للدور الأميركي المهم في تشكيل ملامح المرحلة الحالية والمقبلة في المشهد الليبي، فإن مؤشرات عديدة توحي بأن المسار الانتقالي لهذا المشهد ما زال يتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار، في غياب شبه كامل للأوروبيين ولدول الجوار، باستثناء مصر، وبدرجة أقل المغرب الذي بدا أكثر العرب حضوراً في هذا المشهد.

وقد شجعت الرباط، على لسان وزير الخارجية، ناصر بوريطة، الأطراف السياسية، وخصوصاً عقيلة صالح، على تيسير العملية السياسية، كي تكون الحكومة الجديدة “عنصر توحيد للمؤسسات والرؤى في ليبيا، لا أن تكون مرحلة لتذكية الانقسامات والتجاذبات”، فيما ظلت تونس والجزائر منشغلتين بأزماتهما الداخلية. وتعتبر تركيا حالياً من أقوى المؤثرين في التنازع السياسي والميداني في ليبيا، ومستقبل الحل السياسي فيها، وتعد شريكاً اقتصادياً وتجارياً وحضوراً عسكرياً قوياً.

وعلى الرغم من التفاؤل النسبي الذي يسود المشهد، يبقى جمع السلاح ودمج المليشيات في المؤسستين، الأمنية والعسكرية، من أكبر التحدّيات التي تواجهها حكومة الدبيبة، ومستقبل الحل السياسي المنشود.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نقلا عن موقع العربي الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى