الرئيسيةالراي

رأي- الجدل حول الوجود التركي وتصريحات المنقوش

* كتب/ عبد الله الكبير

‏‎للمرة الثانية تثير تصريحات وزيرة الخارجية بحكومة الدبيبة في اللقاء الصحفي الذي جمعها مع وزير الخارجية التركي، ردود فعل مختلفة في الأوساط السياسية والشعبية المحلية، المرة الأولى كانت أثناء زيارتها لإيطاليا.

في المرتين لم تكن الوزيرة موفقة في تصريحاتها، إذ يفهم من سياق حديثها أن المعضلة الرئيسة في وجود القوات الأجنبية والمرتزقة هي تركيا.

 

فالتعميم اللاحق في الخطاب بضرورة خروج كافة القوات والمرتزقة، من دون ذكر للدول التي أرسلت قوات وتدخلت في العدوان على طرابلس بشكل مباشر وهي الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا، يعكس موقفا خاصا لدى الوزيرة من تركيا لا يعادله نفس الموقف من الدول المساندة بشكل مباشر للعدوان، ولتأجيج الصراع المسلح لإجهاض أي تحول سياسي يعزز من سيطرة الشعب على قراره الوطني عبر انتخابه حكوماته.

‏‎ تدرك الوزيرة أن التدخل التركي في ليبيا مختلف عن التدخلات الأخرى، فقد تأسس بناء على مذكرة تفاهم لصد عدوان حفتر، وكان حاسما في إعادة التوازن للصراع، وبعد إلحاق الهزيمة بحفتر وعصاباته والعواصم التي وقفت خلف العدوان، بات الطريق مفتوحا للعودة إلى الحلول السياسية، لكنها ربما لا تعرف أن التدخل في الصراع الليبي بدأ مبكرا، وأخذ منحى خطيرا بالتدخل العسكري المباشر، وإذا طالعت تقارير خبراء مجلس الأمن فستعرف من جلب المرتزقة والقوات الأجنبية أولا، وفتح الأجواء للطيران الأجنبي لكي يقصف مدن خصومه السياسيين وتفتك بالليبيين الأبرياء، ومن أدخل عصابات فاغنر الإرهابية لتخضع له العاصمة، ثم تخلف وراءها الألغام وهي تنسحب، ومن سعى لجلب عصابات بلاك ووتر لتنفذ لحسابه عمليات اغتيال لخصومه.

‏‎لا يقبل من الوزيرة الشطب على هذه الوقائع المتسلسلة وصولا للعدوان على طرابلس، والقفز إلى النتيجة الأخيرة للمشروع الدموي التخريبي الذي ينفذه حفتر وعصاباته، وهي اضطرار حكومة الوفاق لطلب المساعدة من عدة دول ظلت تتفرج على حرق طرابلس، وضنت بالمساعدة، بينما استجابت تركيا. ولن ينكرها عليها أحد لأنها وقائع ثابتة وموثقة، وتشهد بها كافة المؤسسات الدولية.

‏‎ سياسيا وعمليا لا جدوى من تصريحات ومواقف الوزيرة أو غيرها من الشخصيات في السلطة الحالية عن القوات الأجنبية والمرتزقة، لأنها لا تملك الأدوات والإمكانيات للتعاطي معها، وحول الوجود التركي بشكل خاص، لأن اتفاق جنيف يحظر عليها إبرام اتفاقيات دولية أو إلغاء اتفاقيات سابقة، ومذكرات التفاهم هي نوع من الاتفاقيات الدولية. ومن ثم فإن ملف الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي الليبية، وكذلك مصير مذكرتي التفاهم مع تركيا سيرحّل إلى أول حكومة تأتي بها الانتخابات.

‏‎ أكثر الدول ضجيجا حول الوجود التركي في طرابلس هي دول العدوان. التصريحات السياسية لمسؤوليها، والخطاب الإعلامي المصاحب، لا يتوقفان عن الطعن فيه والدعوة لإنهائه، مع تجاهل شبه تام للوجود الروسي عبر شركة فاغنر، وهذا لا يحمل سوى دلالة واحدة هي عدم تخلي هذه الدول عن مشروع حفتر التخريبي، واستئنافه يتطلب فض الشراكة بين سلطات طرابلس وتركيا. وبدون شك تدرك القوى المؤثرة في طرابلس هذه الحقيقة، لذا ستحافظ على العلاقة المتميزة مع تركيا مادام خطر العدوان قائما لم يزل، ومرتزقة فاغنر يسيطرون على أهم القواعد العسكرية في الشرق والجنوب، وخذلان المجتمع الدولي واقع حتما كما كان في العدوان السابق.

‏‎ النظرة الواقعية لمعالجة التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا عبر عنها السفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند خلال حوار منشور على صفحات عدد 23 أكتوبر 2020 من جريدة الشرق الأوسط قال فيه: ” أولئك الذين يدعون إلى انسحاب المقاتلين السوريين وغيرهم من غرب ليبيا لا يمكنهم أن يأملوا في حدوث ذلك طالما استمرت مجموعة فاغنر في تعزيز وجودها في الشرق”. وفي نفس الحوار يؤكد السفير أن التدخل العسكري التركي لم يكن من المحتمل أن يحدث لو لم يشرك حفتر مرتزقة فاغنر في هجومه على طرابلس.

‏‎ التوازن في الطبيعة هو محصلة عدة قوى، وعلى هذه القاعدة يتأسس التوازن والسلام الدولي، ومتى اختل هذا التوازن يندلع الصراع المسلح وتقع الحروب لاستعادة التوازن، وبعث السلام من جديد. وهذا بالتحديد ما جعل أمريكا تغض بصرها عن التدخل التركي لتحفظ التوازن إزاء التوغل الروسي في منطقة ملتهبة.

‏‎ متى سيخرج المرتزقة وكافة القوات الأجنبية وتستعيد ليبيا سيادتها؟

‏‎لن يكون هذا بالأمر السهل، ثمة شرط لابد أن يتحقق أولا، وسيكون الدور الدولي عاملا مساعدا حينئذ. هذا الشرط هو وجود حكومة منتخبة لا غبار على شرعيتها مع قوات مسلحة نظامية خاضعة لها، وإذا رفضت أي قوات أجنبية المغادرة طوعا تقرر هذه الحكومة فورا أنها تواجه قوات احتلال ينبغي إخراجها بالقوة مهما بلغت التكلفة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى