الرئيسيةالرايثقافة

رأي- الواقع الدرامي.. مشهد مشوه

* كتب/ سفيان قصيبات،

يضع المخرج الدرامي السيناريو بين شخصيات تدور في الكوادر بدون روح وبدون بناء درامي، ولهذا دائماً توجد هناك “أزمة نص”.

وعندما يتجاوز ذلك إلى “أزمة إخراج” (رؤية ومعالجة درامية)، يتشابك فيها الواقع مع الصنع الفني (الخيال). إذ يعتقد المخرج والسينارست أن تجسيد الواقع يكون من خلال جملة يقولها صناع الأعمال الفنية: “هكذا واقعنا”. وهذا المفهوم الخاطئ في صناعة الدراما جعل من النظرية الأرسطية الثلاثية مثار سخرية حقيقية نتيجة لفهم خاطئ لثلاثية أرسطو القديمة للدراما.

إذ بقيت الدراما العربية، وخاصة الليبية، في هذا السياق من الصنع المشوه، فلا يكون لأي تأثير للدراما اجتماعياً، بل سيكون المشهد معقداً ومشوهاً بطريقة خطيرة، باعتبار أن نخبنا الدرامية لا تستطيع خلق بنائها الدرامي بشكل سليم. وهذه نتيجة طبيعية بسبب أسباب كثيرة، بدءاً من نظرة المجتمع لها، إلى بنيتنا التحتية الفنية، مروراً بمعاهدنا ومؤسساتنا الدرامية الغائبة تماماً في عملية الصنع هذه. النتيجة هي دراما تدعي محاكاة أو تجسيد واقعنا، وهي في العمق تماماً تمارس “الأدلجة الاجتماعية في تشويه الفن الدرامي”، تماماً كما نجدها عند إدوارد بوند: “على الذات، يفقد العقل منطقه الخيالي الخاص وتستأثر به الأيديولوجيا”. ولاحقاً، يتهاوى الخيال في العقل متخذاً صورة أخرى، وبالتالي يتم إزاحة قوة الخيال في موازنة التنافرات والصراعات بين الثقافة والواقع المادي، وأهليته أيضاً لابتكار أجوبة وأسئلة لفجوة المعنى. بتلك الطريقة، يمكن أن يصبح البشر من الناحية الاجتماعية مجانين، وربما يستخدمون العقل بشكل غير عقلاني (Bond, 2000).

سلوكنا الاجتماعي والخاص مشوش وينطوي على مفارقات. فالحب يصبح كراهية، والغضب مصالحة، والمقدس شيطاني، وتصرف الطغاة يكون من أجل خير الناس، والمجرم يطيع أصواته السماوية، وترتكب الجيوش مجازر من أجل الحرية. نحن قساة لنكون طيبين (Bond, 2000).

يُعتبر مفهوم الدراما أحد الفنون الإنسانية البارزة، حيث لم تخلُ أي حضارة أو أمة من هذا الفن الذي يجسد المحاكاة وأداء الأدوار لأغراض متنوعة، مثل التسلية والترفيه والتثقيف. تُعد الدراما من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان، مما جعل رواد المسرح يدرسونها من زوايا متعددة، مثل أعمال موليير، تشيخوف، وشكسبير، بالإضافة إلى التراث الإغريقي. هؤلاء الرواد أدخلوا الدراما في مختلف جوانب حياتهم، بما في ذلك الدين والمجتمع والسياسة، وأسهموا في تأسيس أصولها ومناهجها، مستلهمين من الدراما الأرسطية. في هذا السياق، يُطرح سؤال حول الفروق بين الفنون الدرامية التي وضعها أرسطو والدراما المعاصرة في المسلسلات التلفزيونية (الشافعي، 2024).

دور الكاميرا لا يقتصر على عملية التوثيق، بل هناك مجال واسع لمعالجة هذا الواقع فنياً، ولتحدث استعارات متبادلة بين الواقع والخيال في العمل الفني. وبين هؤلاء وأولئك، هناك عدة إشكاليات أخلاقية وفنية غير محسومة، منها مدى التزام المخرج بعدم تغيير الواقع (كوستاس، 2022).

كوادر درامية مشوهة يُوضع فيها ممثلون يؤدون أدوارا، لا توجد فيها رؤى حقيقية وفق بناء درامي سليم، بدون منطق درامي، وبدون خطوط درامية، ولا نقاط تحول، ولا معادلات موضوعية. إذ تجد مثلاً في تترات الأعمال التاريخية “مؤرخ ومعالج تاريخي”، لكنها تفتقد إلى المعالج الدرامي، الذي يعالج النص درامياً حسب بناء الشخصيات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى