العربي الجديد-
أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية أن وزارة العمل تبحث مع جهاز الشرطة القضائية خططاً لتأهيل نزلاء السجون، تشمل تدريبهم على عدد من المهن والحرف التي من شأنها إعادة دمجهم في المجتمع “كأفراد فاعلين وقادرين على الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وتطمح وزارة العمل إلى استحداث مراكز تدريب وتأهيل تُشرف عليها داخل السجون لتطوير مهارات النزلاء وتعزيز قدراتهم المهنية عبر برامج تدريبية متخصصة، بهدف تحسين فرص حصولهم على عمل، وقال البيان الحكومي إن الوزارة بدأت بالفعل تشكيل فريق عمل مشترك مع جهاز الشرطة القضائية لتنفيذ دورات تدريبية في عدد من السجون.
وليست تلك المرة الأولى التي تعلن فيها حكومة الوحدة الوطنية عن مثل هذه البرامج، ففي مارس 2024، بحثت وزارة العمل مع الشرطة القضائية هذا الأمر، واتفقتا على استحداث مراكز تدريب خاصة داخل السجون.
ويشيد المحامي والناشط الحقوقي إبراهيم الناجح، بهذه البرامج التي تساعد على الحد من السلوك الإجرامي، والتي تستهدف من يقضون مدداً طويلة في السجون ممن حصلوا على أحكام في قضايا ذات طابع إجرامي. ورغم إشادته بالفكرة، إلا أنه يرى أنها برامج لا تزال في طور التفكير والبحث.
ويوضح لـ”العربي الجديد”، أن “البيان الحكومي لم يفصل أنواع مؤسسات التأهيل، مثل سجون الأحداث وسجون النساء. الإعلان يتحدث عن مؤسسات الإصلاح بصفة عامة، ولو جرى العمل بالتفصيل، فستكون هناك أولويات على رأسها الأحداث دون الثامنة عشرة المتورطون في جرائم مثل تعاطي المخدرات أو الاتجار بها، وهذه الشريحة الأولى بالتأهيل، وهناك النساء كشريحة حساسة بالنسبة للمجتمع الذي ينظر إلى المرأة بعد خروجها من السجن نظرة إقصائية، وقد لا تجد مأوى لدى أسرتها أو أقاربها بسبب ما ينطبع في الذهنية المجتمعية حول المرأة السجينة”.
ويقترح الناجح إلى جانب تدريب النساء السجينات على الحرف المناسبة لضمان مصدر عيش بعد قضاء محكوميتهن، أن تعمل السلطات على تأمين وسط اجتماعي جديد لهن، يمكنهن بدء حياة جديدة فيه بعيداً عن المجتمع الأصلي الذي لن يقبل استيعابهن مجدداً.
بدوره، يشدد الباحث الاجتماعي عبد العزيز الأوجلي على أهمية توافر جوانب أخرى لتنفيذ مثل هذه البرامج التدريبة التي تطمح إليها الحكومة، مطالباً السلطات بأن تكون أكثر واقعية، وتبدأ بتوفير الظروف المواتية للتنفيذ داخل المؤسسات العقابية.
ويوضح الأوجلي لـ”العربي الجديد”، أن “واقع السجون الليبية سيئ، فعلى الرغم من أنها تعمل تحت مسمى مؤسسات الإصلاح والتأهيل، إلا أن من يدير غالبيتها أو يسيطر عليها هو المجموعات المسلحة المستقلة في قراراتها عن الحكومة. الأهم هو تأهيل المشرفين على السجون قبل السجناء، فكيف يمكن تعليم الحرف في ظل استمرار السلوك المليشياوي من مشرفي السجون؟”.
ويلفت الباحث الاجتماعي إلى ضرورة الاهتمام بالوضع الصحي للسجناء، والبنية التحتية للسجون، مضيفاً: “تنكر إدارات السجون تردي الوضع الصحي، لكن التقارير الحقوقية الدولية تؤكد سوء أوضاع غالبية السجون، إضافة إلى سوء الأوضاع النفسية من جراء عمليات التعذيب والتعنيف التي يتسرب بعضها بين الفينة والأخرى، ما يؤشر الى أنها سجون لا تخضع للقوانين التي تكفل للسجين حقوقاً مثل الصحة والتعليم والوصول إلى المحامين وحق نظر المحاكم في قضيته. يعلم الجميع أن هناك سجناء حكم القضاء ببراءتهم لكن لم يفرج عنهم”.
يتابع الأوجلي: “ربما توجد بعض السجون في طرابلس والمدن المجاورة لها التي يكون حال سجنائها أفضل، ويمكن الضغط على من يديرها بقرارات أو تدخل من قبل وزارة العدل وغيرها، لكن ماذا عن سجون شرق ليبيا التي لا يصل منها إلا كل ما يرعب ويخيف، حتى أصبح اسم بعضها، مثل سجن قرنادة، يضرب به المثل في الترهيب؟”.
وينقل عن شهادات حقوقيين في شرق البلاد، أن “سجن الكويفية في بنغازي يدار من قبل جماعات ذات أفكار متطرفة، تقيم دورات دينية للسجناء، وتوفر لهم النشرات والكتب ذات الصلة بأيديولوجياتها. أعتقد أن الخارج من هذه السجون يحتاج إلى خطط حياتية أهم من تعلم المهن والحرف لتلافي أخطار سلوكياته على المجتمع خارج السجن”.