اخبارالرئيسيةعيون

حفتر يعزز حضوره في الجنوب الليبي: بوابة لتمدد روسيا أفريقياً

العربي الجديد-

يكثف حفتر تحركاته في أقصى الجنوب الليبي في الآونة الأخيرة، بنشر المزيد من أرتال ميليشياته على الحدود الجنوبية لتعزيز سيطرته، وإطلاق برامج تنموية ضمن ملف إعادة الإعمار، وتوجيه العديد من الزيارات المتبادلة بين قيادات في معسكره ومسؤولين من النيجر. وأطلق حفتر من مدينة سبها كبرى مناطق الجنوب الليبي مؤتمر الإعمار الأول في الجنوب، بمشاركة نجليه بلقاسم وصدام، اللذين دشنا في الوقت نفسه خططاً لحزمة من المشاريع الإنمائية والخدمية في عدة مناطق بالجنوب من خلال أجهزة الإعمار التابعة لهما.

ويأتي هذا النشاط الجديد العسكري لحفتر بعد أسابيع من إعلانه نقل أرتال من مليشياته إلى أقصى الجنوب الغربي “لضمان الأمن على طول الحدود ولمواجهة الأوضاع غير المستقرة في البلدان المجاورة”، بحسب مكتبه الإعلامي، وسط زيارتين أجراهما صدام إلى النيجر، تخللتهما زيارة أجراها وزير الداخلية النيجري الجنرال محمد توما إلى بنغازي منتصف الشهر الماضي، لـ”تعزيز التعاون الأمني” بين البلدين، لا سيما تشديد الرقابة على الحدود المشتركة، وفقاً للمكتب الإعلامي لوزارة الداخلية بحكومة مجلس النواب.

تعزيز سيطرة حفتر على الجنوب

وعلى الرغم من أن الهدف المعلن من جانب حفتر هو إعمار الجنوب، إلا أن الخبير الأمني، عادل عبد الكافي، أكد أن الحدث الأهم في أنشطة حفتر في الجنوب الليبي هو تحركاته العسكرية الحثيثة أخيراً لتعزيز سيطرته على مناطق الجنوب، مشيراً إلى أن هذه التحركات جاءت في ثلاثة اتجاهات رئيسية. وحدد عبد الكافي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، هذه الاتجاهات، بأن الأولى كانت في اتجاه غدامس، والثانية في اتجاه الحدود مع النيجر، والثالثة في اتجاه جبال كالنجا الواقعة في الداخل الليبي على الحدود مع تشاد.

وبحسب عبد الكافي، فإن العملية العسكرية التي أجرتها مليشيا 128، أقوى مليشيات حفتر بالجنوب، في جبال كالنجا، منتصف الشهر الماضي، هدفت للسيطرة على هذه الجبال الغنية بحقول الذهب، حيث تمكنت من طرد مليشيا مكونة من التبو الليبيين يقودهم نجل علي سيدا، الذي كان والده متحالفاً مع حفتر قبل أن ينشق عنه ويستقل بهذه المنطقة. وفيما تحقق السيطرة على مناجم كالنجا للذهب مصدر تمويل مهم لحفتر، بحسب عبد الكافي، كذلك تحقق له السيطرة على غدامس سيطرة على حوضها الكبير الذي يحوي 13 تريليون متر مكعب من الغاز، وضمه إلى حقول النفط والغاز الأخرى التي تقع ضمن نفوذه في الجنوب والجنوب الشرقي.

وتوقع عبد الكافي أن الاتجاه إلى غدامس وجبال كالنجا تقف وراءه أوامر روسية، لافتاً إلى أن الاتجاه الأهم بالنسبة لموسكو هو نحو إحكام سيطرة حفتر على الحدود مع النيجر، لإدارة قرابة 18 ممراً في المنطقة تؤمن الانتقال السلس للروس والأقل جهداً لنقل المعدات العسكرية إلى دول العمق الأفريقي، النيجر ومنها إلى مالي وبوركينا فاسو التي دعمت فيها انقلابات عسكرية ومكّنت لحكمها أنظمة تمرد عسكرية موالية لها.

وأضاف أن المشروع الروسي لبناء الفيلق الأفريقي انتهى في المرحلة الأولى من بناء منظومة لوجستية وقواعد تمركز في ليبيا في الأراضي التي يسيطر عليها حفتر، في قواعد طبرق والخروبة في الشرق، وقواعد الجفرة وبراك الشاطئ وسط الجنوب، بأحدث التجهيزات والتقنيات العسكرية، وبالتوازي بنت وجوداً لها في دول العمق الأفريقي بترسيخ أنظمة حكم عسكرية موالية لها. وتابع: “يترتب على هذه المرحلة مرحلة أخرى، وهي المرحلة الحالية للربط بين وجودها في ليبيا وفي دول العمق الأفريقي عبر الحدود الليبية النيجرية”.

ووفقاً للخريطة الطبوغرافية التي يرسمها عبد الكافي، فإن النطاق الجنوبي الغربي على أهمية كبيرة بالنسبة لمشروع الفيلق الروسي، ففي المرحلة الحالية تجهز موسكو لبناء قاعدة عسكرية في ميناء طبرق لتسهيل وصول العتاد العسكري، ونقله براً إلى قاعدة الخروبة ومنها جواً إلى قاعدتي الجفرة وبراك الشاطئ وسط الجنوب. وأضاف: “في هاتين القاعدتين يتم نشر جزء من الأسلحة والمقاتلين الروس في الداخل الليبي، ويتعيّن نقل جزء آخر إلى دول العمق الأفريقي الذي لن يكون إلا عبر النيجر، ولذا فإن إحكام السيطرة على نطاق الشريط الحدودي مع النيجر جزء أساسي في المرحلة الثانية لانسياب التنقل الروسي عبره”.

ووفقاً لمعلومات عبد الكافي، فإن حفتر سيدفع بالقوات البرية التي يقودها نجله صدام نحو قاعدة الماداما التي تقع بعد الحدود النيجرية مباشرة للوجود فيها لتأمين سبل أقل جهداً وأكثر سرعة في نقل المعدات والأسلحة الروسية عبر الجو من قاعدة الجفرة إلى الماداما أولى القواعد داخل النيجر. وذكّر عبد الكافي أن مشروع روسيا في منطقة الجنوب الليبي والنيجر يحقق لها العديد من الأهداف، كالحصول على مصادر لتمويل مشروعها من خلال أنشطة التهريب والتنقيب عن الذهب، وكذلك السيطرة على ممرات الهجرة غير النظامية لاستخدامها كورقة لتهديد السواحل الأوروبية الجنوبية، وكذلك الاستحواذ على مواقع الطاقة لخنق أوروبا بحرمانها من النفط والغاز الليبي.

أهمية استراتيجية لليبيا

ولفت إلى أن لليبيا أهمية استراتيجية كبيرة لروسيا لتحقيق مشروعها، فموقعها يسهّل الوصول إلى الدول الأفريقية الحليفة لها، ومن جانب آخر موقع ليبيا يحقق لها مواجهة مباشرة لقواعد حلف شمال الأطلسي (ناتو) في البحر المتوسط، وغير ذلك فتعزيز بناء الفيلق الروسي هدف استراتيجي لتخفيف الضغط جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا. ولكل هذا رأى عبد الكافي أن “حفتر مهم للغاية لروسيا لأنه الوحيد في ليبيا الذي تتوفر فيه كل ظروف وشروط التحالف لتحقيق مشروعها الذي لا يبدو أنها تفوت دقيقة في سبيل الإسراع في تنفيذه”.

ويقترب أستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي من رأي عبد الكافي في تعويل روسيا على حفتر في تنفيذ مشروعها كبوابة للتمدد نحو العمق الأفريقي، خصوصاً في ظل ظروف تراجع النفوذ الأميركي والفرنسي في عدة دول أفريقية استطاعت روسيا تغيير أنظمتها الحليفة للأميركيين والفرنسيين بأنظمة عسكرية موالية لها، إلا أنه في الوقت نفسه أكد وعي واشنطن وحلفائها الأوروبيين بالمشروع الروسي وقدرتهم على لجمه.

دوافع حفتر

ورأى النفاتي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن تحركات حفتر العسكرية في الجنوب الغربي “قد تقف موسكو في ظلها وتستفيد منها في تحقيق أجزاء من تفكيرها في بناء فيلق عسكري”، لكن تحرك حفتر نحو الجنوب لتنفيذ مشاريع إنماء وخدمات قد تكون وراءه عدة دوافع “منها أن تكون ستاراً للحصول على المزيد من الأموال بعد أن تحصل على كميات كبيرة منها عبر مشاريع شبيهة في بنغازي ودرنة، خصوصاً أنه ضمن المنافسين الأساسيين في أزمة المصرف المركزي الحالية ويملك أوراق ضغط قوية مثل وقف إنتاج النفط لتمكين شخصية موالية له في منصب محافظ المصرف”.

ومن الدوافع الأخرى، لفت النفاتي إلى أن حفتر “ليس خاضعاً تماماً لروسيا، ويريد تقوية نفسه وتعزيز وجوده في الجنوب الذي تنشط فيها روسيا، لإظهار نفسه كشريك وليس كأداة تتجاوب مع الرغبة الروسية فقط”. وأضاف: “باعتقادي أن حفتر يفكر، بعد أن فشل في السيطرة عسكرياً على البلاد، في عرض نفسه على القوى الدولية كشريك قادرة على الارتباط معها في شراكات اقتصادية كبيرة، خصوصاً أنه يملك قرار النفط ويحكم سيطرته على قطاعات واسعة من البلاد. وحقيقة حفتر لا يملك التمويل لتنفيذ كل ما يعلن عنه من مشاريع إعمار كبرى بقدر ما يعلن عن الخطط فقط، كما يحدث في درنة التي اجتذبت خطط الإعمار فيها حتى السفير الأميركي في طرابلس (ريتشارد نورلاند) الذي رأيناه يجتمع بشكل معلن مع بلقاسم حفتر لمناقشة إمكانية عقد عقود ضخمة مع الشركات الأميركية”.

وأشار النفاتي إلى أن زيارة حفتر للجنوب، الخميس الماضي، تخللها إشرافه على توقيع صلح بين أكبر قبائل الجنوب المتحاربة في منطقة مرزق. وقال: “مزرق بالذات رأينا في العديد من المناسبات اهتمام واشنطن بها ودعوتها في العديد من المرات إلى إحلال الصلح والسلام بين قبائلها المتحاربة، وهو اهتمام له أسبابه المرتبطة بموقعها المطل على فضاء واسع يقع على طرفيه موقع قاعدة الجفرة وموقع قاعدة براك الشاطئ، أكبر موقعين عسكريين للوجود الروسي العسكري”.

ومن هذا المنظور، رأى النفاتي أن حفتر “يعرض نفسه على الجميع، وهذا التفكير يعكس عدم ثقته بالروس الذين فيما يبدو أنه يستخدم علاقته بهم كورقة لإخافة المعسكر الغربي القلق من الرغبة الروسية الحثيثة في بناء وجود عسكري في ليبيا ودول أفريقية ينشط فيها مرتزقتها، ومتخوف في ذات الوقت من تركيز الأميركيين والأوروبيين ثقلهم في طرابلس التي طالما مثلت له خصماً يملك القرارات السيادية في الاقتصاد والمال والاعتراف الدولي”. واعتبر أن لحفتر مكاسب سياسية داخلية بالتواجد في الجنوب من خلال النشاط في ملفات الإعمار الذي يمكن أن يحشد له شعبية من خلال توفيره الموارد والخدمات الأساسية للمواطن، والظهور أيضاً بمظاهر أخرى غير الوجه العسكري المميت الذي عُرف به في السنوات الماضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى