اشتباكات ضارية بين جيش مالي وحركات الطوارق.. هل بدأت “مرحلة الحسم”؟
عربي 21-
شهدت الحدود المالية مع الجزائر، خلال اليومين الماضيين اشتباكات ضارية بين الجيش المالي مدعوما بقوات “فاغنر”، والحركات المسلحة الأزوادية “الطوارق”.
ودارت المواجهة بشكل خاص في منطقة تينزاواتين الواقعة على بعد 233 كلم شمال شرق كيدال على الحدود مع الجزائر.
وقال المتحدث الرسمي باسم “الإطار الاستراتيجي الدائم للحركات الأزوادية”، محمد المولود رمضان، إن المواجهات الضارية أسفرت عن قتلى في صفوف الجيش المالي وعناصر فاغنر، دون تقديم حصيلة نهائية.
وأشار المتحدث باسم الحركات الأزوادية، في تصريحات صحفية، إلى عمليات مطاردة يقوم بها المقاتلون الأزواديون لعناصر من الجيش المالي قرب مدينة كيدال شمال مالي.
ونشرت صفحات تابعة للحركات الأزوادية، صورا لآليات عسكرية مدمرة، قالت إنها للجيش المالي وقوات فاغنر، متحدثة عن خسائر كبيرة في صفوف الجيش المالي.
في المقابل أعلن الجيش المالي عن تعرض دورية تابعة له في تينزاواتين لهجوم قبل يومين، مضيفا أن قواته ردت بقوة، وألحقت “خسارة فادحة” بالمسلحين الأزواديين.
وقال الجيش المالي إنه شن هجوما على بلدة تينزاواتين، الواقعة تحت سيطرة القوات الأزوادية.
وأشار الجيش المالي أيضا، إلى تعرض مروحية تابعة له من طراز “M-24” لخلل فني اضطرها للهبوط في ساحة كبرى خالية من السكان في كيدال كبرى مدن الشمال المالي، وقد تضررت المروحية، لكن لم تكن هناك خسائر بشرية.
وشدد الجيش على أنه سيعمل على “تأمين الأشخاص وممتلكاتهم على كامل التراب الوطني المالي”.
ومنذ نهاية 2023، فقدت المجموعات الأزوادية المسلحة السيطرة على عدة مناطق في الشمال، بعد هجمات واسعة شنها الجيش المالي، ومكنته من السيطرة على مدن أبرزها كيدال، المعقل الأساسي للحركات الأزوادية.
هل بدأت مرحلة الحسم؟
ويرى الباحث الموريتاني المختص في شؤون أفريقيا والساحل، الهيبة ولد الشيخ سيداتي، أن المواجهات الضارية بين الجيش المالي والحركات الأزوادية، تعكس رغبة المجلس العسكري الحاكم بمالي في حسم المعركة سريعا مع الحركات الأزوادية المسلحة.
وأضاف في تصريح لـ”عربي21″، أن “المواجهة بين الطرفين دخلت مراحل أخيرة من الاستراتيجية التي سماها الجيش المالي مرحلة الحسم”.
وتابع الشيخ سيداتي، “بعد سيطرة الجيش المالي وقوات فاغنر على المدن الكبرى في شمال مالي مثل غاو وغيرها، توجهت قوات فاغنر والجيش المالي إلى القرى الصغيرة التي يتحصن فيها مقاتلو الحركات الأزوادية، حيث وصل الجيش المالي إلى نقاط قريبة جدا من الحدود الجزائرية”.
لكنه نبه في الوقت ذاته، إلى أن تمكن المسلحين الأزواديين من إلحاق أضرار بالجيش المالي وقوات فاغنر، وعدم سماح الجزائر بمواجهات قريبة من حدودها سيعيق تقدم الجيش المالي وفاغنر.
وأكد المتحدث، أن الجزائر لن تسمح بأي شكل من الأشكال بوجود قتال قرب حدودها، منبها إلى أنها سبق أن رفضت السماح بأي مواجهات قرب حدودها مع ليبيا.
ولفت ولد الشيخ سيداتي، إلى أن المجلس العسكري الحاكم في باماكو يسعى لحسم المعركة ووضع حد لكل أشكال التمرد، لكن قوة مقاومة المقاتلين الأزواديين وفيتو الجزائر بشأن أي مواجهة على حدودها كلها أمور تصعب مهمة الجيش المالي وفاغنر.
وكان مراقبون تحدثوا قبل نحو سنة في مقابلات ضمن تقرير لـ”عربي21″ عن وجود مؤشرات على عودة الصراع المسلح بين الحركات الأزوادية والجيش المالي، في ظل حالة الاضطراب التي تعرفها المنطقة.
تحذير من عمليات نزوح
ويخشى متابعون أن تتسبب المواجهات الحالية في موجة نزوح جديدة من شمال مالي نحو موريتانيا التي تستضيف حاليا آلاف اللاجئين الماليين.
ومنذ 2012، يتدفق اللاجئون الماليون إلى موريتانيا بسبب الصراع العسكري متعدد الأطراف في مالي، فيما عرفت الأشهر الأخيرة تضاعف أعداد اللاجئين، حيث بلغ عددهم أكثر من 120 ألف لاجئ مالي يعيشون في مخيم “إمبره” بولاية الحوض الشرقي، شرق موريتانيا، غالبيتهم من النساء والأطفال.
جذور الصراع بإقليم أزواد
إقليم أزواد الذي يطالب الطوارق بانفصاله عن مالي هو منطقة في شمال دولة مالي محاذية للحدود مع موريتانيا، ويضم عدة مدن أبرزها مدينة تمبكتو التاريخية، بالإضافة إلى مدينتي كيدال وغاو.
ويتكون سكان الإقليم من عرقيات الطوارق (هم غالبية السكان) والعرب والفلان والسونغاي. وتبلغ مساحة الإقليم 822 ألف كلم مربع أو ما يقارب الـ66% من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع.
وشكل الأزواديون سنة 1988 أول جبهة سياسية ذات نشاط عسكري عُرفت باسم “الحركة الشعبية لتحرير أزواد” إذ قادت تمردا عسكريا ضد باماكو سنة 1990، لكنها عانت بعد فترة قصيرة من أزمة داخلية انتهت بتفككها، وتحولها إلى عدة تشكيلات كان من أبرزها “الجبهة الشعبية لتحرير أزواد” و”الجيش الثوري لتحرير أزواد”.
ومنذ استقلال مالي عن فرنسا 1960 يطالب سكان هذا الإقليم بالانفصال عن الجنوب المالي. وفي سبيل ذلك دخل الانفصاليون الطوارق منذ تسعينيات القرن الماضي في مواجهة دامية مع الجيش المالي، واستطاعوا في كثير من الأحيان السيطرة على بعض المناطق.
في عام 2014 استضافت الجزائر محادثات سلام بين الحركات السياسية والعسكرية الأزوادية والحكومة المالية، تـُوجت باتفاق سلام وُقع بالتزامن في مدينتي الجزائر العاصمة وباماكو (عاصمة مالي) يوم 15 مايو 2015.
ونص الاتفاق على تخلي الأزواديين عن مطلب الانفصال عن مالي مقابل منحهم حكما ذاتيا موسع الصلاحيات، ودمج مقاتلي هذه الحركات في الجيش الوطني.
ووضع اتفاق الجزائر حدا لمعارك اشتعلت في 2012، إثر إعلان الحركات الأزوادية الاستقلال والانفصال عن مالي، بعد مشاركتها في معارك ضد الجيش الحكومي.
وفي أغسطس عام 2023، أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي إنهاء العمل بهذا الاتفاق.
وقال بيان حينها صادر عن المتحدث باسم الحكومة المالية العقيد عبد الله مايغا، إن قرار إنهاء الاتفاق يعود إلى “التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة” على الاتفاق، وكذلك “الأعمال العدائية” من جانب الوسيط الرئيسي الجزائر.