عربي 21-
طرحت تصريحات الساعدي نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي حول المصالحة ودور الثوار فيها بعض الأسئلة عن أهداف وتداعيات هذا الظهور من قبل نجل القذافي المتواجد في تركيا حاليا.
وقال الساعدي عبر صفحته الرسمية: “الليبيون الحقيقيون ليسوا “جرذانا” والانتقام لا يبني الأوطان، والمصالحة الشاملة لا تعني ضياع الحقوق”، وهو ما لاقى ردود فعل وانتشارا واسعا، كون لفظ “الجرذان” هو وصف والده وشقيقه سيف القذافي للثوار ضد نظامه في 2011.
“مغازلة وبديل“
مراقبون لملف القذافي وأبنائه رأوا أن “هذا الظهور في هذا التوقيت له دلالة وهي أن الساعدي، وهو لاعب كرة سابق، أراد أن يقدم نفسه بديلا عن أخيه سيف الإسلام بعد إعادة المحكمة الجنائية مطالبها باعتقال سيف وتسليمه للمحاكمة، وحظوظ الساعدي أكبر كونه لم يتورط في الصراع مع الثوار”، وفق تقديراتهم.
وأفرجت السلطات الليبية عن الساعدي القذافي في سبتمبر 2021 بعد حبسه في أحد سجون العاصمة طرابلس قرابة السبع سنوات، وذلك بعد حكم المحكمة وقتها ببراءته من التهم الموجهة إليه ومنها القتل العمد للثوار، كون الساعدي فر إلى دولة النيجر خلال أحداث 2011 ضد نظام والده.
“وساطة ولجوء سياسي”
وفور إطلاق سراحه من طرابلس، غادر الساعدي إلى دولة تركيا بعدما حصل على لجوء سياسي من الرئيس أردوغان ليقيم في مدينة إسطنبول ويختفي عن الأنظار تماما حتى ظهر في تصريحات مساء أمس حول المصالحة ورفض الانتقام.
فهل يقدم الساعدي القذافي نفسه مرشحا بديلا عن سيف الإسلام المطلوب دوليا؟ وما فرص الساعدي للقبول به في المشهد السياسي؟
“تحريك ملف الإفراج عن المعتقلين“
من جهته، قال المتحدث السابق باسم مجلس الدولة الليبي والمحلل السياسي، السنوسي الشريف إن “الساعدي القذافي دخل في صفقة سياسية كانت بمثابة خطوة من خطوات المصالحة التي تتضمن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من رموز النظام السابق حال حصولهم على إفراج قضائي، ولكن تلك المصالحة تعثرت ولم تكتمل بإطلاق سراح باقي المعتقلين الثلاثة المنتمين للجنوب وهم عبدالله السنوسي وأحمد ابراهيم ومنصور ضو، ولذلك تجمد مسار المصالحة”.
وأكد في تصريحات لـ”عربي21″ أن “الساعدي القذافي يحاول بهذه الخطوة والتصريحات الإيجابية تحريك هذا المسار وتخفيف التوتر بين مؤيدي الثورة وأتباع النظام السابق وهي تحية يجب على “الثوار” أن يردوا بأحسن منها، باتخاذ خطوات عملية بإطلاق سراح المعتقلين المتبقين والسماح بمشاركة الجميع في بناء لييا”، وفق قوله.
وتابع: “يجب عدم النظر إلى الماضي الذي لا يمكن تحقيق العدالة الأرضية فيه بالنظر للتعقيدات ولوجود مشاكل كثيرة لا يمكن للقضاء الليبي أن يحلها، فهي مرحلة معقدة فيها انتهاكات كثيرة جدا قبل الثورة وبعدها من جميع الأطراف، ويتعين على الدولة الليبية بشخصيتها الاعتبارية أن تتكفل بمعالجة حقوق الضحايا بجبر الضرر والتعويض والاعتذار والعفو العام”، بحسب وجهة نظره.
“خداع والتفاف على الشعب“
في حين، أكد السجين السياسي خلال الثورة الليبية والمرشح لانتخابات البرلمان المرتقبة، عاطف الأطرش أنه “معروف عن الساعدي القذافي صفة الخداع التي ورثها عن أبيه ومن شابه أباه فما ظلم، وكان الأجدى به الاعتراف بحجم الظلم وفداحة التركة الثقيلة التي تركها نظام القذافي والاعتذار عن تلك الحقبة السيئة”.
وأشار في تصريحه لـ”عربي21″ إلى أن “تلك الخطوات التي يمارسها الساعدي ومن في فلكه ما هي إلا محاولة التفاف على طموحات الشعب الليبي للعب دور سياسي في ظل المراهنة على اعتقاده باحتمالية فوز شقيقه “سيف” في انتخابات الرئاسة”، كما صرح.
“مرحلة جديدة”
الباحث في العلاقات الدولية والمختص في الشأن الليبي، بشير الجويني قال من جانبه إن “أغلب الشعب الليبي يريد المصالحة ويعتبرونها سبيلا وحيدا للخروج من الأزمة الراهنة غير أن الاختلافات الطبيعية تظهر في الجانب التنفيذي وهو أمر طبيعي لم تخل منه تجارب الانتقال الديمقراطي والمصالحات الوطنية في كل الأزمات والحروب الأهلية عبر التجارب والتاريخ”.
وأوضح لـ”عربي21″: “يبقى التسامي عن الجراح والآلام التي خلفتها العشرية الأخيرة في ليبيا أمرا مرحبا به من الجميع وبقطع النظر عن النية المبيتة سواء من تصريح الساعدي القذافي أو من يوظفه من هذا الجانب أو الجانب الآخر، فإن ليبيا تحتاج جميع أبنائها من أجل بناء دولة تجمع شتات الكل على قاعدة أن ليبيا لكل أبنائها بعد استيفاء الحقوق التي لا تسقط بالتقادم والاتفاق على مرحلة جديدة يتم القطع فيها مع الممارسات السابقة”، وفق تعبيره.
“تدليس وإعادة تدوير”
بدوره قال الباحث والأكاديمي الليبي، عماد الهصك إن “المصالحة الوطنية أمر ملح وضرورة في المرحلة الراهنة ولكن ليس بين أبناء الشعب الليبي فلا توجد صراعات ولا حروب بينهم، المصالحة يجب أن تكون بين المتصدرين للمشهد السياسي فهم سبب حالة التوتر التي نعيشها”.
واستدرك قائلا: “لكن المصالحة أصبحت مؤخرا مطية لمن يريد إعادة تدوير نفسه أو حزبه في المشهد السياسي، فهي كلمة حق يراد منها في الكثير من الأحيان الخداع والتدليس، ولم نسمع هذه العبارة من أنصار النظام السابق زمن توليهم للحكم”، بحسب رأيه.
وتابع لـ”عربي21”: “لذا أعتقد أن الساعدي القذافي يريد الآن مغازلة بعض التيارات السياسية، وكذلك فإنها دغدغت مشاعر القلة من الشعب الليبي، لكن الحقيقة تقول إن الساعدي متورط في الكثير من الجرائم وخروجه من السجن لم يكن بحكم قضائي، فإذا أراد المصالحة فبوابتها القضاء العادل ورد المظالم إلى أهلها، فلا مصالحة وطنية دون عدالة انتقالية”، بحسب ما قال.