اخبارالرئيسيةعيون

هل ينهي القضاء الأميركي حلم حفتر في حكم ليبيا؟

العربي الجديد-

يبدو أن الملف الليبي يحمل في طياته الكثير من المفاجآت البعيدة عن توقعات واحتمالات نتائج الحل السياسي ومستجدات الميدان العسكري، فعلى هامش هذه المسارات يكافح عدد من المواطنين الليبيين لملاحقة اللواء المتقاعد خليفة حفتر قضائياً في محاكم دولية خارج ليبيا.

وقد لا تلتفت الأنظار إلى تقلص الخيارات من حول حفتر بسبب حراكه الحثيث في المشهد للعودة للواجهة مجددا، لكن مجموعة من المواطنين الليبيين تمكنت من قطع أشواط في طريق ملاحقته قضائيا في المحاكم الدولية، فيما يستعد آخرون للدفع بقضايا جديدة ضده خلال الأيام المقبلة.

ومن بين الجرائم المنسوبة لحفتر المقابر الجماعية في ترهونة، التي لا تزال سلطات حكومة الوفاق تكافح من أجل كشف مصير 300 مدني مفقود فيها، في وقت أعلنت فيه الهيئة العامة للبحث عن المفقودين والتعرف إليهم عن عثور فرقها على مقبرة جماعية جديدة بمدينة ترهونة، يوم السبت.

وبحسب بيان لها، على صفحتها الرسمية، فإن أعمال انتشال الرفات من المقبرة كشفت عن وجود أربع جثث في المقبرة، تعرفت زوجتا اثنين من أصحابها إلى رفاتهما.

وللفت أنظار الرأي العام حول القضية، افتتحت وزارة العدل بحكومة الوفاق، السبت الماضي، معرضا دائما لعرض متعلقات المفقودين الشخصية في طرابلس، لا يزال عشرات المواطنين يتوافدون إليه يوميا.

وليست قضية المقابر الجماعية القضية الوحيدة التي تواجه حفتر، فقد تورطت ميلشياته في انتهاكات صارخة إبان حروبه العديدة في ليبيا على مر ست سنوات، في بنغازي ودرنة، ومنطقة الهلال النفطي، وفي أوباري بالجنوب، علاوة على حربه التي دامت لقرابة العام والنصف عام في جنوب طرابلس، وطاولت مدنا أخرى في غرب البلاد.

ولم تعلن بعثة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان الأممي، في يونيو الماضي، عن نتاج أعمالها في ليبيا بشأن حقول الألغام والمقابر الجماعية، كما لم تعلن حكومة الوفاق عن مصير عدة ملفات تتعلق بجرائم حرب اتهمت مليشيات حفتر بارتكابها إبان عدوانها على العاصمة طرابلس، سبق أن أكدت في بيانات سابقة استعدادها لتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية.

لكن تسعة ليبيين من أصول ليبية رفعوا دعوى قضائية ضد حفتر في المحاكم الأميركية، منذ العام 2019، وفي فبراير من العام الماضي، تقدم ستة ليبين آخرون بدعاوى أمام المحاكم ذاتها ضد حفتر لارتكابه جرائم حرب ضد المدنيين، قتل خلالها عدد من أقاربهم.

وفي أغسطس 2019، استدعت محكمة شمال ولاية فرجينيا حفتر، بصفته مواطنا أميركياً، لكن فريق الدفاع الذي كلفه حفتر التمس من الحكومة الأميركية التدخل كون حفتر يتمتع بالحصانة لتوليه “مهام رئاسية” وإمكانية أن تؤثر محاكمة حفتر على مجريات الحوار السياسي واتفاق وقف إطلاق النار، لكن فريق الدفاع أخطر المحكمة الأميركية باعتذاره عن متابعة الدفاع، السبت الماضي.

وانتقل حفتر للإقامة في ولاية فرجينيا الأميركية إثر هروبه من رفيقه السابق العقيد الراحل معمر القذافي، على خلفية فشله في قيادة معركة عسكرية ضد تشاد في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وحصل على الجنسية الأميركية مع أسرته، حتى عام 2011، الذي عاد خلاله إلى ليبيا للمشاركة في الثورة التي أطاحت بحكم القذافي، قبل أن يعلن عن “عملية الكرامة”، في بنغازي، بدعم من عدة دول عربية وأوروبية في مشروع عسكري يطمح من خلاله لحكم البلاد.

مرحلة متقدمة

وفي التفاصيل، قال رئيس مؤسسة “الديمقراطية وحقوق الإنسان”، عماد الدين المنتصر، إن الحكومة الأميركية رفضت التدخل لصالح حفتر في القضايا المرفوعة ضده وإبداء الرأي في شأن تمتعه بالحصانة وتأثير مقاضاته على مجريات الحوار السياسي، مشيرا إلى أن مؤسسته خاطبت وزارة الخارجية الأميركية ولجنة الشؤون الخارجية بمجلسي النواب والشيوخ الأميركيين وطالبتهما برفض طلب التدخل.

ويقول المنتصر متحدثا لـ”العربي الجديد”، إن مؤسسته خاطبت أيضا الحكومة ومجلس النواب في طرابلس لحثهما على سرعة التواصل مع الحكومة الأميركية لصالح ضحايا الحرب لحثها على رفض أي محاولة لمنح حفتر الحصانة، مؤكدا أن السلطات في طرابلس استجابت للنداء وتواصلت مع الحكومة الأميركية، في ديسمبر الماضي.

وبعد انسحاب فريق الدفاع يتوقع المنتصر أن تمهل المحكمة حفتر وقتا لتعيين فريق دفاع جديد، وإذا انتهت المهلة فسيقوم محامي الضحايا بتقديم التماس للمحكمة بإصدار حكم قضائي غيابي نافذ المفعول.

ولا يعزو المنتصر انسحاب فريق الدفاع إلى أسباب الفشل، بل يرجح أن تكون محاولة للتعطيل والتأجيل، وقد يشير هذا إلى أن حفتر لم يعين محامين للدفاع عنه إلا بعد سنة من رفع القضايا ضده، وربما لتعيين فريق دفاع أكبر، فالقضية أصبحت في مرحلة متقدمة.

وعن المرحلة المقبلة في مسار مطالبة أهالي الضحايا بمحاكمة حفتر، يكشف المنتصر النقاب عن بدء تقديم دعاوى قضائية جماعية تشمل آلاف الضحايا من الليبيين وغير الليبيين لتوحيد الجهود ورفع سقف المطالب.

وقال في هذا السياق: “نتوقع أن تبدأ الدعوى الجماعية بعدد عشرة إلى عشرين ضحية، ولكن العدد النهائي سيقارب بضعة آلاف، وسيصل حجم التعويضات المفروضة على حفتر إلى حوالي عشرة مليارات دولار”، مضيفا أن الدعوى سترفع أمام المحاكم الأميركية حسب ما يسمح به القانون الأميركي، الذي يشترط تعدد الضحايا وتشابه الجرائم وتشابه المطالبة بالتعويض.

ويؤكد رئيس مؤسسة “الديمقراطية وحقوق الإنسان” أن حفتر “في مأزق قانوني كبير ولا توجد لديه خيارات جيدة، بل هو الآن يعكف على دراسة الخيار الذي يتسبب في أقل قدر ممكن من الخسائر”.

“المسؤولية على الوفاق”

من جانبه، يحمل عيسى القويضي، عضو نقابة المحامين في ليبيا، المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة المسؤولية، ويصفه بـ”المتخاذل بحق المدنيين في البلاد”، مشيرا إلى أن تعاطي حكومة الوفاق مع قضايا حفتر أعطى له هامشا للتحرك بحرية للبقاء في المشهد.

وإثر اكتشاف أولى المقابر الجماعية في ترهونة، أعلن مكتب النائب العام في طرابلس عن بدء التحقيق في القضية، مؤكدا، في بيان له في يونيو الماضي، أن “تفاصيل الوقائع وهوية كل المتهمين بارتكابها ومن ساعد أو حرض على ذلك لا تزال في إطار سرية التحقيقات الجنائية”، دون أن يشير إلى مسؤولية حفتر عن تلك الجرائم، معللا أن “مبررات السرية لا تزال قائمة حتى تاريخه”.

ومنذ ذلك الوقت لم يعلن مكتب النائب العام ولا وزارتا العدل والخارجية عن نتائج التحقيقات في تلك القضايا، ولا مصير الملف الذي أعلنت وزارة العدل عن توثيقها فيه لستين هجوما نفذتها مليشيات حفتر على المدنيين، لكن مستشارا بوزارة العدل اتهم حكومة الوفاق بتعطيل تقارير وزارته بشأن ملفات جرائم حفتر.

وقال المستشار بوزارة العدل خيري عبد العال، في منتصف أكتوبر الماضي، إن المجلس الرئاسي يعطل تقارير وزارة العدل بشأن جرائم حفتر والدول الداعمة له، ويمتنع عن اتخاذ أي مواقف.

وأشار عبد العال، في تصريحات لتلفزيون ليبي، إلى إرسال وزارة العدل أكثر من 40 مراسلة للمجلس الرئاسي ولجنة الطوارئ، دون تجاوب حولها، وتلك الأسباب التي أوضحها المستشار بالوزارة يراها القويضي أحد الأسباب التي توجه مواقف الساسة، ويقول متحدثا لـ”العربي الجديد”، إن “القادة السياسيين تمنعهم التقلبات السياسية من اتخاذ مواقف بعضهم ضد بعض، عكس العمل الأهلي المتحلل من أثقال السياسة وكواليسها، الذي نجح في الدفع بالقضية لمراحل متقدمة باتت تهدد وضع حفتر برمته”.

ورغم أن الموقف الأميركي بشأن رفضه التدخل لصالح حفتر ومنحه حصانة قد يشجع بعض السياسيين في طرابلس على اتخاذ مواقف مؤثرة على الصعيد القضائي، بحسب القويضي، إلا أنه يتوقع رد فعل من جانب حفتر لإنقاذ أوضاعه.

ويرجح عضو نقابة المحامين أن كون حفتر يفكر بأن شن حرب جديدة قد يجعله رقما مهما في أي جهود تبحث عن تسوية في ليبيا، فإنه بالتالي يستطيع من خلالها أن يشكل طوق نجاة أمام أي أحكام قضائية أو على الأقل يضغط حلفاؤه من أجل عرقلتها.

لكنه يؤكد أن أي مماطلة أو تأجيل من جانب حفتر في المحاكم الأميركية لن يمنحاه هامشا للنجاة، وخصوصا أن القضية تتقدم بشكل مضطرد مع وصول رئيس أميركي جديد للبيت الأبيض يتوقع أن تتغير سياساته في الملف الليبي بشكل كبير، وحفتر بات وضعه العسكري والسياسي هشا وفي مهب الرياح، مؤكدا أن أي مسؤول أميركي لن يرغب في التحالف أو حتى التعامل مع شخصية مطلوبة لقضايا جنائية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى