اخبارالرئيسيةعيون

مخاض لكسر الجمود في ليبيا. وحفتر يلوح بالحرب (تحليل)

الأناضول-

“الجمود السياسي متواصل من دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده”، هذا ما خلص إليه المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا عبد الله باتيلي، في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، نهاية أكتوبر المنصرم.

هذه النتيجة المتشائمة التي خرج بها باتيلي، لم تشفع لها التفاهمات التي توصل إليه رئيسا مجلسي النواب والدولة بالرباط، حول تشكيل حكومة ثالثة وتقاسم المناصب السيادية، وإعداد قاعدة دستورية، وقوانين الانتخابات قبل نهاية العام الجاري.

ورغم أهمية هذه التفاهمات من الناحية النظرية، خاصة في ظل صعوبة إن لم نقل استحالة إجراء انتخابات يقبل بها الجميع في ظل انقسام البلاد بين حكومتين، فإن تشكيل حكومة ثالثة يعني العودة إلى مربع الصفر، والدخول في مرحلة انتقالية جديدة، من الممكن أن تستغرق بدل العام سنوات، دون وجود أدنى ضمانات لاحترام النخبة السياسية والعسكرية لمراحل إجراء الانتخابات.

ولا تحظى تفاهمات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) خالد المشري، بدعم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي يتمتع باعتراف دولي، لكنه لا يسيطر على المنطقتين الشرقية والجنوبية وبعض بلدات المنطقة الغربية.

وفي أشبه بشرط تعجيزي، يدعو الدبيبة مجلسي النواب والدولة إلى التركيز على إعداد القاعدة الدستورية، بدل السعي لتشكيل حكومة جديدة.

وتكمن صعوبة إعداد قاعدة دستورية متوافق عليها بين المجلسين التشريعيين، في نقطتين رئيسيتين تعيقان التقدم في هذا الملف، تتمثلان في شروط ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين لرئاسة الجمهورية.

وحتى إن اتفق المجلسان على شروط الترشح للرئاسة، فإن قائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر، سيمارس نفوذه على مجلس النواب لتعطيل أي انتخابات لا يكون مشاركا فيها، والشواهد على ذلك كثيرة.

وتلقى الدبيبة، دعما من القمة العربية لوجهة نظره تلك، من خلال تأكيد إعلان الجزائر ضرورة “إجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن”.

وهو ما يعني رفض الدول العربية خطة المشري- عقيلة، المدعومة مصريا، لتشكيل حكومة ثالثة والدخول في مرحلة انتقالية جديدة، حتى لا تلقى نفس مصير حكومتي الوفاق (2016 ـ 2021) والوحدة منذ 2021.

ـ المشري والحكومة الثالثة

ينطلق المشري، في اقتراحه الذهاب إلى حكومة ثالثة من قناعته بأنه لا حكومة فتحي باشاغا، ولا حكومة الدبيبة بإمكانهما إجراء الانتخابات، والحل لتحقيق هذا الهدف تشكيل حكومة جديدة.

فحالة الجمود السياسي لن تقود البلاد إلا لمواجهة عسكرية مثلما حدث أكثر من مرة على غرار المواجهات الدموية بين كتائب موالية لحكومة الدبيبة وأخرى داعمة لحكومة باشاغا، خلال الأشهر الماضية، انتهت بإحكام الأولى سيطرتها على العاصمة طرابلس.

لذلك تشكل مبادرة المشري، كسرا لهذا الجمود بغض النظر عن نتائجها، خاصة بعد أن تلقفها عقيلة، واشترط عليها تقاسم المناصب السيادية، وبالأخص محافظ البنك المركزي، والذي سيمكنه من التحكم في ميزانية الحكومة وبالتالي وضع السلطة التنفيذية تحت رحمته.

هذا الوضع أعاد تشكيل التحالفات مجددا، فالمشري حليف الدبيبة، أصبح الآن متحالفا مع عقيلة، وعلاقته مع رئيس حكومة الوحدة انقلبت إلى فتور إن لم نقل جفاء.

فمبادرة المشري، تعني بالضرورة الإطاحة بحكومة الدبيبة، لكن الأخيرة عززت موقفها على أكثر من صعيد خاصة بعد إحكام سيطرتها العسكرية على طرابلس، وتعزيز تحالفها مع تركيا بتوقيعها اتفاقيتين عسكريتين واتفاقية للمحروقات، وأخيرا حصولها على اعتراف عربي في قمة الجزائر، بعد إخفاق المحاولات المصرية لسحب اعتراف الدول العربية منها.

لكن بالمقابل دعمت القمة العربية الحوار الليبي الليبي، ما يمكن أن يحمل أكثر من قراءة بما فيها تفاهمات عقيلة والمشري.

وحتى إن رحب المبعوث الأممي بلقاء عقيلة والمشري، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة دعم الأمم المتحدة لمضمون الاتفاق، خاصة وأن باتيلي، أعرب “عن استعداده لمناقشة التفاصيل والآليات والجداول الزمنية لتنفيذ التزاماتهما”.

ـ القاعدة الدستورية.. هل تخترق الدائرة المفرغة؟

رغم انتهاء مجلس الدولة، في 2 نوفمبر، من التصويت على مواد القاعدة الدستورية، التي توافق عليها مع مجلس النواب ضمن مباحثات المسار الدستوري التي عقدت في القاهرة، في سبتمبر الماضي، فإن ذلك لا يعني بالضرورة إقرار القاعدة الدستورية رسميا.

فمسار القاعدة الدستورية لا بد أن يمر أولا عبر مجلس النواب ثم يقرها مجلس الدولة.

وحتى وإن كان هناك تنسيق بين مجلسي النواب والدولة، بشأن إقرار القاعدة الدستورية، وهو ما تجلى في لقاء المشري بنائب رئيس مجلس النواب فوزي النويري، بطرابلس، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تسير نحو التوافق بشأن القاعدة الدستورية، التي تعد ضرورة لإجراء انتخابات غير مطعون في دستوريتها.

والعقبة لا تكمن في التوافق على 70 أو حتى 90 بالمئة من مواد القاعدة الدستورية، بل في الاتفاق على شروط الترشح للرئاسة وبالأخص بالنسبة لمزدوجي الجنسية والعسكريين، وباقي المواد يمكن التوصل إلى اتفاق بشأنها.

فبحسب تصريح لعضوة مجلس الدولة نعيمة الحامي، لقناة محلية، فإن أعضاء المجلس اتفقوا على أن “لا يحمل المترشح للرئاسة جنسية دولة أخرى، وألا يترشح العسكريون إلا بعد استقالتهم بعام”.

وإقرار هذه المادة يعني أنه لن يكون بإمكان حفتر الترشح للرئاسة إلا إذا تنازل عن جنسيته الأمريكية، وهو ما يرفضه بشدة، وأن يستقيل من منصبه العسكري بشرط ألا تُجرى الانتخابات قبل عام من استقالته.

ويخشى حفتر إن تخلى عن جنسيته الأمريكية وعن منصبه العسكري قائدا لقوات الشرق، أن يخرج بخفي حنين إذا خسر الانتخابات ولم يفز برئاسة البلاد.

وحتى إن رغب عقيلة في التخلي عن حليفه حفتر، والموافقة على هذا الشرط، فإن الأخير ما زال يملك نفوذا على مجلس النواب وسلطة على المنطقتين الشرقية والجنوبية تمكنه من تعطيل أي انتخابات ستجرى مستقبلا.

فالوضع في ليبيا معقد، وأكبر عائق أمام إجراء الانتخابات أن أغلب المشرفين عليها لا يرغبون في إجرائها، للبقاء في مناصبهم، ولا بأس بالتضحية ببعضهم في كل مرحلة انتقالية، وفق ما سمته المبعوثة الأممية السابقة الأمريكية ستيفاني وليامز، “لعبة الكراسي المتحركة”.

ـ حفتر.. التلويح بالحرب لإثبات الوجود

وفي خضم هذه المناكفات السياسية، والدعوات العربية والأممية لانتخابات في أقرب وقت ممكن، فاجأ حفتر الجميع بتلويحه مجددا بـ”حرب فاصلة” ضد من سماهم القوات الأجنبية والمرتزقة.

وكان المكان والزمان اللذان اختارهما حفتر مدروسين بدقة، فمحافظة الجفرة وسط البلاد، والتي اختارها لإلقاء “خطاب الحرب”، كانت القاعدة الخلفية التي انطلقت منها قواته في 4 أبريل 2019، نحو طرابلس للسيطرة عليها، أما الأول من نوفمبر، فهو تاريخ انطلاقة القمة العربية بالجزائر.

فحفتر عبر تلويحه مجددا بالحرب مع اجتماع الزعماء العرب في الجزائر، إنما أراد إرسال رسالة للقمة العربية، أنه ما زال موجودا وفاعلا في الساحة الليبية كما أنه يملك قرار الحرب والسلام في البلاد.

وهذه ليست المرة الأولى التي يلوح فيها حفتر بالحرب منذ هزيمته في طرابلس في 4 يونيو 2020، ولكنها الأولى منذ عدة أشهر غاب فيها عن المشهد وترك المبادرة لحلفائه الجدد في الغرب الليبي بقيادة باشاغا، واللواء أسامة الجويلي، قائد كتائب الزنتان والمجموعات المتحالفة معه من ورشفانة والزاوية.

وتراجع حلفاء حفتر في الغرب الليبي عسكريا، دفعه للعودة مجددا إلى المشهد عبر خطاب الحرب، مستغلا الغضب الشعبي من إخفاق السياسيين في الوصول إلى انتخابات تنهي المراحل الانتقالية المستمرة منذ عشر سنوات.

غير أن ما يثير قلق حفتر أكثر هو إمكانية اتفاق عقيلة والمشري، على استبعاده من المشهد السياسي عبر قاعدة دستورية لا تمنح له فرصة للترشح للرئاسة.

كما أن الاتفاقية العسكرية التي وقعتها حكومة الوحدة مع تركيا والمتعلقة “برفع قدرات الطيران الحربي الليبي”، تهدد قوات حفتر بفقدان تفوقها الجوي، وتمنح للجيش الليبي القدرة على ردع أي هجوم جديد على طرابلس.

فضلا عن المتابعة القضائية لحفتر في الولايات المتحدة بارتكاب جرائم حرب، وسحب شركة فاغنر جزءا من مرتزقتها من ليبيا ونقلهم إلى أوكرانيا مع اشتداد الحرب، والضغوط التي يمارسها الغرب لفك تحالفه مع روسيا.

كل هذه المعطيات تجعل حفتر محاصرا سياسيا وعسكريا وقضائيا ودوليا، وخياراته للخروج من هذا الخناق محدودة، خاصة أن القمة العربية في الجزائر لم تمنحه أي جائزة تستحق الذكر، باستثناء حديثها عن حوار ليبي ـ ليبي، ليس بالضرورة أن يكون حفتر الطرف الرئيسي فيه كما كان في السابق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى