الرئيسيةفضاءات

كوبيتش.. المبعوث الأممي السادس إلى ليبيا (بورتريه)

عربي 21-

رغم التحفظات التي أثيرت بشأن فعاليته، وصراحته القاسية أحيانا، إلا أنه شخصية دبلوماسية معروفة أمميا وأوروبيا، وسبق أن كلفه مجلس الأمن للقيام بعدة مهام دولية كانت آخرها في لبنان التي كانت عصية على الحل.

درس الدبلوماسي يان كوبيتش، المولود عام 1952 في براتيسلافا، تشيكوسلوفاكيا (سلوفاكيا حاليا)، العلاقات الدولية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية.

عمل في بداية حياته الدبلوماسية عام 1976 في وزارة الخارجية لجمهورية تشيكوسلوفاكيا، وكان أول مناصبه الدولية تعيينه أمينا عاما لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1999، ثم الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في آسيا الوسطى عام 2005.

تقلد بعدها منصب وزير خارجية سلوفاكيا عام 2006 عن حزب “الاتجاه الاجتماعي الديمقراطي”، وآخر مناصبه الأوروبية كان منصب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا عام 2009، كلف فيما بعد بإدارة عدة ملفات دولية كان في مقدمتها تعيينه ممثلا خاصا للأمين العام في أفغانستان عام 2011، والممثل الخاص للأمين العام في العراق عام 2015، وأخيرا ممثل الأمم المتحدة في لبنان عام 2019.

ورغم أنه أقام في العراق ولبنان نحو 6 سنوات، إلا أن كوبيتش لا يتقن اللغة العربية، لكنه يجيد الانجليزية والفرنسية والروسية بالإضافة إلى السلوفاكية والتشيكية.

موافقة مجلس الأمن الدولي الأخيرة على تعيينه مبعوثا جديدا إلى ليبيا بعد اعتذار البلغاري نيكولاي ملادينوف عن المنصب لأسباب “عائلية”، ستضعه أمام مهمة شاقة في تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الهش في ليبيا.

ولا يحظى كوبيتش بسيرة مهنية مثالية إذ أن سمعته أحيانا كان يشوبها الشك بعدم فاعليتها بسبب تصريحاته القاسية والمباشرة وبشكل خاص انتقاده للقادة اللبنانيين.

 

ووجهت له الصحافة اللبنانية انتقادات عدة حين عين منسقا خاصا للأمم المتحدة في لبنان بداية عام 2019 بعد انتقاده السياسيين اللبنانيين، واتهمته بـ”التدخل في الشؤون الداخلية” للبلاد، و”تجاوز صلاحياته كسفير”. بحسب الصحافة اللبنانية التي وصفته بـ”المفوض السامي للبنان”.

وكان بعض الدبلوماسيين في الأمم المتحدة قد تحفظ على تعيين كوبيتش، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، وهمسوا لوسائل الإعلام بعيدا عن الكاميرات “لقد اتبعنا التوافق لكن (كوبيتش) لا يحظى بسمعة جيدة لناحية الفعالية” في تحقيق أهدافه.

وجاء تعيين كوبيتش بعد أن عانت الأمم المتحدة في عملية تعيين مبعوث لليبيا وهو منصب شاغر منذ نحو عام تقريبا، واتسمت محاولاتها بالفوضى والتردد، مع استمرار الاشتباكات، وتوقف العملية السياسية في أكثر من محطة.

وبعد استقالة اللبناني غسان سلامة العام الماضي لأسباب صحية، من دون أن يخفي ملله وضجره من الانتهاكات لقرارات الأمم المتحدة، عارضت الولايات المتحدة الأمريكية تعيين الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة، ثم وزيرة خارجية غانا السابقة حنا تيته، لقيادة البعثة الأممية في ليبيا، ما أثار استياء الاتحاد الأفريقي، الذي يملك 3 مقاعد في مجلس الأمن، دفعته لإحباط ترشيح واشنطن رئيسة وزراء الدنمارك السابقة لهذا المنصب.

لكن تم تجاوز الإشكال بين واشنطن والاتحاد الإفريقي، بعد قبول مقترح واشنطن بتقسيم رئاسة البعثة إلى منصبين، يعود أحدهما إلى شخصية إفريقية، مع وجود منسق لبعثة الأمم المتحدة الصغيرة في طرابلس، ومبعوث مسؤول عن المفاوضات السياسية مقره في جنيف، وأسندت مهمة المنسق إلى شخصية من زيمبابوي من أجل إرضاء أفريقيا.

وكان مجلس الأمن الدولي وافق نهاية العام المضي على تعيين ملادينوف مبعوثا جديدا إلى ليبيا قبل أن يعلن بعدها بأيام اعتذاره المفاجئ لـ”أسباب شخصية”.

وسيستلم كوبيتش مهامه من الأمريكية ستيفاني ويليامز، التي قادت البعثة الأممية بالإنابة منذ مارس عام 2020 بسبب الإخفاق في تعيين مبعوث أممي جديد طيلة تلك الشهور.

وستكون المهمة الأولى والرئيسية له تشكيل سلطة تنفيذية موحدة، والتوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل. وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعلنت فتح باب الترشح لعضوية السلطة التنفيذية المؤقتة التي ستنتهي بالانتخابات المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي.

 

ويشكك العديد من السياسيين في إمكانية احترام هذا الموعد، في ظل تعثر “ملتقى الحوار الليبي”، رغم تشكيل لجنتين استشاريتين سياسية وقانونية من أعضاء “الملتقى” الذي عقد في تونس العام الماضي، لتقديم مقترحات لتجاوز الانسداد حول آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة.

ومنذ سنوات، تعاني ليبيا الغنية بالنفط من صراع مسلح تسببت في تأجيجه مليشيا الجنرال خليفة حفتر المدعومة من مصر وبعض دول الخليج العربي وفرنسا، بعد خروجه على الحكومة الشرعية في طرابلس المعترف بها دوليا، ما أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين، بجانب دمار هائل وفتح الباب للتدخل الخارجي.

وسيجد كوبيتش نفسه يسابق الزمن للعمل على حشد أكبر تأييد دولي ممكن حول مبادرة الأمم المتحدة، لمنع تشويش المبادرات الموازية من أطراف داخلية وخارجية على “ملتقى الحوار”.

وعلى الصعيد العسكري، يحتاج كوبيتش لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، وإقناع الأوروبيين بدعم مبادرة نشر مراقبين دوليين على خطوط التماس في ليبيا.

والتحدي الأهم الحصول على دعم حاسم من الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن بعد أن انسحبت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من الملف الليبي، وسيكون عليه إقناع واشنطن بالعودة من جديد إلى ليبيا بكل ثقلها.

ووقعت ردود فعل الليبيين بعد تعيين كوبيتش بين الحذر والتفاؤل على أمل تحريك المياه في بحيرة الأزمة المستمرة منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.

فهل يمتلك كوبيتش القدرة والأدوات والضوء الأخضر من اللاعبين الرئيسيين في الساحة الليبية لتجاوز الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية، أم سيكون مصيره الفشل كمن سبقوه في هذا المنصب، وهم كثر (عددهم وصل إلى 6 مبعوثين أمميين)؟

هل يكتب كوبيتش خاتمة القصة، أم يواصل مسلسل مداخلاته التي أفشلت مهمته في لبنان وفشله في إحراز تقدم في الأزمة السياسية في لبنان، وهو ما يطرح أكثر من سؤال بخصوص قدراته على اختراق ملف يعتبر ضيفا جديدا عليها؟!

الجواب في جعبة الليبيين وحدهم الذين قد يكونون أمام فرصة لا تفوت لتوقيع اتفاق سلام دائم ينهي سنوات الفوضى والاقتتال والانقسام والمرارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى