الراي

“على خاطر اصغارنا”.. عودة الحياة للمدارس بمصراتة

* كتب/ أبوبكر مصطفى البغدادي 

 

أوقفت الحياة في مصراتة ليومين أو أكثر مطلع يناير لدواع، ثم عادت تدريجيا، حتى عادت أخيرا إلى الملاعب والصالات الرياضية والأسواق وصالات الأفراح، وحدها ظلت مغلقة بقرار: المؤسسات التعليمية بما فيها رياض الأطفال؟

هذا المقال يرتكز على سؤالين رئيسيين: من أصدر هذا القرار؟ ولماذا؟ وستكثر فيه الاستفهامات ويطول الكلام..

ونبدأ من عند “لماذا؟”..

لماذا تتوقف الدراسة في مدينة مصراتة وتغلق المؤسسات التعليمية أمام عشرات الآلاف من الطلاب، بمن فيهم طلاب مرحلة التعليم الأساسي، وإلى أين سيتجه الطفل في هذا العمر غير الشارع؟ وهل ثمة أشياء أفيد يتعلمها؟ لنتطرق إلى الدواعي ونناقشها،،

 

  1. أمنية: الدواعي التي يسوقها من يصرون على إيقاف الدراسة هي الدواعي الأمنية دون تحديد، ويبدو أن المقصود هو خشية استهداف المدارس بالطيران، فما الذي استجد بعد عشرة أشهر من الحرب، وهل كانت المدارس بمنأى عن الطيران منذ أكتوبر الماضي حتى إصدار القرار؟ وهل يعني هذا أن الأطفال سيكونون أكثر أمانا فقط بابتعادهم عن المدارس؟

وهل استمرار المؤسسات الخدمية والإنتاجية الأخرى يعني أنها بمأمن، أم أن أرواح من هم في صالات الأفراح والمقاهي وسوق السيارات وسوق الخضروات والأغنام رخيصة أو أقل أهمية؟

الملاحظ أنه باطلاع سريع على إحصائية الضحايا من الأطفال في عشرة أشهر سنجد أن عدد الأطفال الذين قتلوا في مدارسهم يساوي صفرا.. فتأملوا.

 

  1. المدرس وسائق الحافلة: السبب الثاني الذي يدفع به المتمسكون بإيقاف الدراسة هو الحاجة للمدرسين وسائقي الحافلات وأولياء الأمور في خطوط النار ولنفصل في ذلك.

أولا بالنسبة للمدرسين، فمنذ انطلاق عملية بركان الغضب، التحق مدرسون بخطوط المواجهة، وتحصلوا على تفرّغ من جهات عملهم بكل سلاسة كما هو معمول به، وعند انطلاقة العام الدراسي، كان لهم الخيار، فإما أن يستمروا في التفرغ وتعويضهم من قسم الاحتياط، أو تنسيق جداولهم الدراسية بما يتناسب مع مناوبتهم في الجبهة، ألا نكون خذلناهم حين عطلنا الدراسة ولم نقدر تضحياتهم! ثم دعونا نحصي كم مدرسا التحق (بشكل دائم) بخطوط النار بعد إيقاف الدراسة.. سنبالغ كثيرا لو قلنا إنهم تجاوزوا العشرة. فتأملوا..

أما بالنسبة لسائقي الحافلات، فمتى كانت الدراسة تتوقف حينما تتعطل الحافلة؟! خاصة ونحن نتحدث عن التعليم الأساسي الذي تقلّ فيه الحاجة للحافلات، لقرب المدارس غالبا من سكن الطفل، وحتى لو حصل خلل بتغيب بضع حافلات، فلن يكون في مستوى المستعصي عن الحل، وإن عجزت لجنة الطوارئ عن معالجة مثل هذه المشكلة البسيطة. فما الداعي لوجودها أصلا؟!

 

  1. ولي الأمر.. بالنسبة لأولياء الأمور الملتحقين بالجبهات والذين قد يضطرون للابتعاد عن عائلاتهم لأيام، فإن أوجب الواجبات تجاههم هو المحافظة على أطفالهم، ولن نجد مكانا أحفظ لهم من فصولهم الدراسية، لأن البديل في حالتنا هو الشارع حيث لا رقيب ولا مأمن من الضياع. فتأملوا..

 

  1. التجنيد.. هذا الأمر ربما لم يخطر ببال متخذي القرار، لكن من مؤيد القرار من يراه سببا وجيها، وهو الحاجة إلى طلاب التعليم المتوسط في دعم الجبهات!! فهل نخشى على الطالب من القصف الجوي في فصله الدراسي ثم نأمن عليه في خطوط النار. ولن نتطرق إلى الجوانب الأخرى كونهم تحت سن التكليف، إنما قد نغمز بحادثة وحيدة حصلت في طرابلس لفئة من هؤلاء. وابحثوا عن مصيرهم!!

 

 

  1. قياس مع الفارق.. هناك من يقارن الوضع بما حصل في 2011، وهي مقارنة غير عادلة، فالمدينة الآن بعيدة عن خطوط النار، ولو قارناها بما حصل في 2016 لكان أنسب. ففي العام 2011 كان المدينة برمتها خط مواجهة، وخرجت أغلب مدارسها قسرا عن العمل، واستغلت البقية في إيواء النازحين ووظائف أخرى.

 

  1. التعبئة.. إذ يظن مؤيدو القرار أن إيقاف الدراسة وفتح مكبرات الصوت في المساجد هو من باب التعبئة وإشعار الناس بالنفير المعلن، لكن كل راصد لحال المدينة سيدرك أن ما يستنفر المدينة ويجعلها تهب هو الإحساس بالخطر، ولنرجع بالذاكرة من أول يوم وحتى يوم “فزعة أبوقرين”.. ثم تأملوا ما بعدها.

 

ونأتي إلى المرتكز الثاني لهذا المقال: “من؟” الذي أصدر قرار إيقاف الدراسة بمصراتة؟

  • المسؤول الأول عن تسيير قطاع التعليم في مصراتة هو مراقب التعليم المكلف من الوزارة، والمؤكد أنه ليس مُصدر القرار، وإن كان يؤخذ عليه أنه لم يكن صلبا بما يكفي لتحمل مسؤولياته في حماية قطاعه. ثم سماحه بإصدار القرار بالإيقاف المفتوح للدراسة، بدلا من تحديد مدة قصيرة تجدد لو استدعى الأمر، ثم عدم مثابرته واتخاذه الموقف الحازم القوي لعودة الدراسة ولو بشكل تدريجي بقليل من التفكير خارج الصندوق.
  • المسؤول الآخر ينبغي أن يكون المجلس البلدي المنتخب، المسؤول عن إدارة المدينة ومؤسساتها، المجلس البلدي تنازل عن مسؤولياته للجنة الطوارئ التي شكلها برئاسة عميد البلدية المكلف، وهكذا لجان تنشأ عادة في الظروف الاستثنائية، وتكون مهمتها تغطية أوجه القصور في الخدمات التي تمس المواطن، وابتكار الحلول، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه لو ساءت الظروف.

*القرار الأول المعلن لهذه اللجنة -وربما الأخير- كان إيقاف الدراسة؟!

فهل اتخذت اللجنة القرار بناء على دراسة؟ وهل ناقشت تبعاته بعد سريان مفعوله؟ أليس إعلان الطوارئ يعني أن تعمل كافة القطاعات بكامل طاقتها؟ فهل تحقق ذلك أم العكس، ألم ينعكس القرار على حياة المواطن في المدينة فصار ينام للضحى، ويبحث عن مشاغل يقضي فيها بقية يومه بعيدا عن أهداف اللجنة، فنجده في المقاهي والتسوق وبعض الأعمال، بأقل قدر من الإنتاجية والفائدة؟ ألم يكن للقرار نتائج عكس المرجوة؟

 

أما تعليق المسؤولية على الطرف الثالث، فهي نقطة أقل من أن تناقش حقا، والطرف الثالث في هذه الحالة هو غرفة العمليات الميدانية!.. فهل من المقبول أن نسلّم أمر أكبر القطاعات المدنية لشخص عسكري. ثم نتحدث عن دفاعنا عن مدنية الدولة ومحاربة عسكرتها؟.. فتأملوا بالله عليكم..

 

لم يفت الأوان بعد،

 

بعيدا عن المزايدة، والتعصب للرأي، بالإمكان تدارك الموقف، وإعادة الحياة للمدارس دون تأخير. وهذا أولا.

ثانيا. يمكن اعتبار الشهر الضائع عطلة نصف السنة، كما يمكن الاستفادة من يوم السبت لتعويض المدة الضائعة، وبالتنسيق مع مراقبة التعليم بالإمكان تنسيق جداول المدرسين المناوبين، أو منحهم تفرغا وتعويضهم من قسم الاحتياط العام الذي يغص بالمائات، ثم تكليف لجنة لو تطلب الأمر للتواصل مع مراقبة التعليم ومتابعة المستجدات معها وتقييم الموقف، واتخاذ القرار المناسب فيما لو استدعى الأمر تعطيل مدرسة أو أكثر في أضيق نطاق.

 

السادة في المجلس البلدي، لم نصل إلى مرحلة نكون فيها بحاجة إلى حلول مبتكرة، لكننا حتما لسنا في حاجة إلى خلق أزمات، قد تشتت الأهداف، وتجعل هذا يجمع ألف توقيع ليسقط قرار ذاك، أو يتحرك في الشارع ويعطي للإعلام المعادي مادة يتسلى بها، عاودوا النظر في قراراتكم وضعوا نصب أعينكم فقط أطفال مدينتكم وهم يذبلون، وتذكروا أن الذين يؤيدونكم اليوم سيحملونكم المسؤولية غدا، راجعوا موقفكم رجاء #على_خاطر_صغارنا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى