الرئيسيةالراي

رأي- مراتب

* كتب/ يحيى القويضي،

جمع شيخ العسس الشرط الجدد أمامه على هيئة قوس، ووقف قبالتهم متأهبا، وأبدى على تقاسيم وجهه ما قدر عليه من الجد، ثم طفق متمما حديث اليوم السالف :

حدثتكم بالأمس عن القتلة، أما اليوم فكلامي عن اللصوصية ومراتبها، وما أرومه من قولي هو أن تفهموهم، كي تحسنوا التصرف حينما تقابلونهم، وكثير هم.

فأما أعلاهم خطرا، وأشدهم بطشا فهو قاطع الطريق، يسمونه في بعض البلاد بالفاتك، وفي أخرى بالجياش، وهو ذلك الذي يتحين مرور الناس في المكان القفر، ويغير عليهم، ويفتك أرزاقهم بالقوة، ورغم شراسته ففيه شجاعة وفروسية، وكرم أحيانا، ولعلكم سمعتم بعروة بن الورد، الفاتك يا أبنائي أشبه في طبعه بالذئب.

أما اللص الثاني فهو ذاك الذي ينقب الدكاكين ويتسور البيوت، ويسرق، وهو غالبا جبان وماكر، ولا خطر منه سوى إن حاول المرء ضبطه بمفرده، أثناء قيامه بالسرقة، فقد يتحول بسبب عظيم خوفه إلى قاتل كي ينجو بنفسه،، هذا النوع يا أولادي طبعه طبع الثعلب.

أما أوضع اللصوص، وأحطهم شأنا، وأدناهم طبيعة فهو المختلس،، تجده لا يملك شجاعة الفاتك، ولا ذكاء لص البيوت، هو أجبن وأغبى من كلاهما، لذا يتعدى على الأرزاق من باب الثقة التي وضعت فيه، ويجمع بذلك بين السرقة والخيانة، والجبن وقلة النباهة.

ووصفته بأنه أحط اللصوص، لأن فعله يزعزع الثقة بين الناس، وهل تقوم حياة البشر إلا على الثقة؟، أنتم تشترون مأكلكم ومشربكم ممن لا تعرفونه، وتسيرون في الطرق بين من لا تعرفونهم، وتتعاقدون وتتعاهدون مع من لا تعرفونه، وكل ذلك انبنى على الثقة، وكل مناحي حياة الناس واجتماعهم مبني على الثقة، ومن هنا فضرر المختلس لا يقتصر على ما اختلسه، بل يتعداه إلى تقويض أهم أساسات حياة البشر، ثقتهم ببعضهم.

المختلس لا يستخدمه إلا أحمق، ولا يستبقيه بعد معرفته إلا غبي، ولا يدنيه ويؤازره إلا من هو مثله.

هذا النوع هو أقرب -أكرمكم الله- إلى طبيعة الحلوف.

أوصيكم بالشدة والحزم معهم كلهم، وإياكم ثم إياكم أن يخدعنكم المختلس بمعسول قوله، أو تمسكنه، فهو لا يعرف غير الخداع نهجا، والمغافلة سبيلا، وإن عرفتموه فأوصوا الناس أن لا يستأمنوه على حبة عدس فما دون.

قوموا لأعمالكم رحمكم الله، وشد أزركم، وقبل عملكم، وحفظ أعينا باتت تحرس في سبيل الله.

من مقدمة كتاب: نصوص في تبيان أحوال أهل الجريمة واللصوص.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى