الرئيسيةالراي

رأي- عاش اللص.. مات اللص

* كتب/ محمد سحيم،

لن تكون ثورة إن لم يشارك فيها معنا، اتصلوا به يا رفاق… ألحوا في طلبه، إنه مثل (الحرارات العظم) مع اللحم، يعطي نكهة مميزة للثورة، لا تتأخروا هيا كلموه، كلموه…ثورة ثورة.

– ماذا؟ ثورة؟ شنو؟ لقد توقفت عن الضحك منذ مدة وإلا لأسمعتك واحدة تنهي بعد دقيقتين بضرطة!

أغلقت الهاتف نهائياً، وأكملت طريقي صوت المقهى حيث لقيت فرد الأمن الذي حقق معي إبان ثورة 2011، لقيته في المقهى، حياني مثل بارون وقال بكل وقار: “تفضل قدامي يا أستاذ..”

تفضلت أمامه وأشرت بحاجبي إلى الباريستا، فانطلق يجذب أذرع ماكينة القهوة الطائرة، كأنه طيار على متن قاذفة بي52

ثم مد الكوب بأدب، وأعاد تحية رجل الأمن بانحناءة بسيطة من رأسه وذهب يجذب الأذرع ويحلق بماكينته مبتعداً صوب بقية الزبائن، التفتت صوب رجل الأمن وسألته:

ما أخبار البصاصة معك؟

ضحك وقال، مازال دمك خفيف رغم التكشير الملازم لوجهك.

قلت: تود أن تسألني عما يجري الآن؟

قال: لا، عندي بعض المعلومات من هنا وهناك، زوبعة في فنجان، بعض المظالم يخلطها البعض بمشاريعهم، هذا يشد من هنا وذاك من هناك ولن تجدي الرياح المتلاطمة نفعاً غير تكسير الصواري.

جيد، طاب يومك.

ذهبت وأكملت مسيري اليومي وسط هشيم وأطلال بنغازي القديمة، الشوارع ذاتها التي كنت أمر بها وحيداً ووسط رفقة في السنوات الخمس وعشرين الماضية، مازالت هيا هيا، مع فظاعة أشد وهول أكبر، يتخللها أفراد وجماعات من كلاب سائبة صارت تسكن ما كان يوماً عمارات سكنية وخدمية ودكاكين وشوارع تجارية.

عدت إلى البيت بعد أن أنهيت واجب العشرة آلاف خطوة يومية، واندسست تحت الدش كأني متدرب بوذي، يجلس تحت مسقط شلال، ثم سمعت الباب يطرق، رغم صوت الماء، تركته يطرق، بعد حين عندما أنهيت مشاغل الحمام، نزلت إلى الطابق الأرضي، فوجدت شقيقتي، وقد جحظت عيناها كأنها سمعت خبراً سيئاً، سألتها فأجابت:

الطارق ولد من أبناء الحي، طفل صغير يقول إنه جارنا، الأمر مفزع….. استرسلت قائلة (يقول إن والدهم خرج من البيت قبل أيام ولا يملكون شيئاً ليأكلوه، وقد أرسلته والدته طلباً لأي طعام، أعطيته من الموجود)

ذهبت شقيقتي إلى غرفتها وعادت بمبلغ من المال وقالت لي: هذا فظيع حقاً، أطفال بلا طعام، إنك تعرف بيت هذه الأسرة بلا شك، خذ هذا المال واشتري لهم (مصروف) واسأل عن أحوالهم وعن سبب غياب والدهم.

أضفت إلى مبلغ شقيقتي حزمتين من المال، واحدة مني وأخرى من شقيقي الأكبر وذهبت واشتريت مقداراً طيباً من حاجات مطبخ الأسرة الليبية ووضعته في السيارة، وفي أثناء مروري بين صفوف المتجر، سمعت تحليلين لما يعتقد أنه ثورة قادمة، وسمعت ثلاث إشاعات وتكذيب عند الكاشير.

أمام بيت تلك الأسرة المسكينة، كان الطفل يتلقى مني الأكياس دون أي رد فعل، عيون بريئة لا يخفى على ناظرها الهوان والتعب وقلة الحال، مع تلقي الطفل للكيس الأخير، قال لي (بارك الله فيك) فجاوبته (شكراً لك أيها البطل) وصفقت كفي بكفه وقبضتي بقبضته في محاولة لبعث الحياة الخافتة في هذا المسكين، لكن دون جدوى، كأنه يقول: اذهب إلى عالمك أيها الناضج، فما أفسدتموه واقعاً لن تصلحه محاولات الإضحاك وتخفيف الظل.

ذهبت وفيما أنا أدور بالسيارة عائداً باتجاه المنزل، رن الموبايل، قال المتصل:

سيد محمد، كيف حالك؟

سألت: من المتحدث؟

أجاب: أنا فلان من فريق كذا وكذا، أود أن أسمع منك بخصوص الثورة…آآآ

قاطعته: اسمعني، ثورة وإلا إن شاء الله طهار، معاش تتصل بيا.

مات اللص عاش اللص.

أما (مات الملك …عاش الملك) فهذه لا تصح إلا هناك في انجلترا والسويد وربما في المغرب والأردن والسعودية والكويت، حيث لا يمكن لمؤخرة الملك أن تلامس شيئاً بعد العرش إلا فراش القبر، يوم خرج الانقلابيون وأسقطوا عرش الدولة عام 1969، لم يخرج الناس ضدهم، بل (انصفطوا) تبريداً لغلهم ضد السنوسية وقدرهم العالي، فجاءهم الجائع الحقود وأفرغ سمه فيهم على مدى اثنان وأربعون سنة حتى صاروا نسخاً كربونية عنه.

يسرق السارق خزينة الدولة ويسجن، فتأتي قبيلته وأقاربه للشفاعة فيه ويخرجونه من السجن لدواعٍ تكتيكية!

كيف يمكن لأمة هذا شأنها أن تنجح ثورتهم بغير إحضار لص مكان لص، ويجوع الأطفال وأمهاتهم في دواخل البيوت العفيفة المتواضعة.

مات اللص …عاش اللص.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى