الراي

رأي- الفتـّولي.. مواطن بلا ألوان..

* كتب/ يحيى القويضي،

المواطن الفتّولي ليس عنصرا خاملا في المجتمع، ولا تنقصه طاقة العطاء، أو الرغبة في المساهمة مع الآخرين، أو الغيرة، أو الحماس، أو حتى الإيمان.
هو يمتلك فائضا معتبرا من كل ذلك، وله أيضا مزايا أخرى كثيرة لا يمكن إغماطها قدرها من حيث الخيرية والنفعية.
في كل هذه الجوانب، هو مواطن صالح آخر.

مشكلة الفتّولي الرئيسة أنه مواطن مائي!، شفاف!، مواطن لم يقدر -لأسباب متداخلة ومعقدة بنيوية وبيئية- أن يحدد لونه، أو اتجاهه، أو ثوابته ومتغيراته، أو أي عامل هويّاتي آخر يحدد له ـ أو يعينه ـ على التحكم في فعله، أو رد فعله، أو حتى قوله تجاه الظواهر والمستجدات المختلفة.

هو يستيقظ صباحا، وقبل أن ينبس بهمسة في أيما نحو، يتلفّت حوله بحذر، ويرهف سمعه بحدة، ويستشف التوجهات في محيطه بدقة، ثم يبرمج نفسه وفقها، ويتماهى معها بحماس، دون أن يجهد نفسه بعناء التساؤل عن ماهية هذه التوجهات؟، من وراءها؟، ما أهدافه؟، ما مصلحته؟، لم الآن؟، وإلى أين سنصل؟، ما المغارم؟، ما المغانم؟، ما التبعات القريبة والبعيدة؟، من المستفيد الآني، ومن المستفيد الحقيقي؟، وما إلى ذلك من أسئلة مربكة قد تؤدي إلى أن تفسد عليه فتّوليته، وتدفعه ليخلع ربقة تبعيته، التي هي مبدأ اطمئنانه ومنتهاه.

الفتولي شخص فاقد لذاتيته، وكينونته، عاجز عن احترامهما، لذا يتماهى مع، ويختبئ دوما خلف كيان ما ـ قبيلته، مدينته، حزبه، جماعته، أو حتى عصابته ـ ليكتسب من خلاله لونه، بغض النظر عن قيم الحق، والعدل، والإنصاف، والموضوعية.

هذا المواطن هو آفة المجتمع ووباؤه، من حيث هو كائن تابع، ومطية أسلمت قيادها لغيرها، وما همّها إن أصاب هذا الغير أو أخطأ.
وهو من جانب آخر الكنز الثمين للطغاة والمتسلطين، عجينتهم المثالية لبناء أوثانهم، عجينة تتميز بالصلابة دائما، وبالمجانية غالبا!، ولذا تراهم لا يفرطون فيه، ويحمونه من أي مؤثر قد يدفعه إلى التساؤل، وبالتالي يترقى إلى ذات.
لهذا بالذات يُغتال الصوت الحر، ويُسجن الإعلامي الشريف، ويُقمع المدون المستقل، ويُطمس أيما صوت يقول كلاما مغايرا، فتخلو الساحة للمشعوذين، والدجالين، والأفاقين، والأرزقية، وأمثالهم، فينفردوا بالفتولي، ويسحروه، فيصفق لمن سجنه، ويهتف لمن أفقره، ويدافع عمن أذله، وهو لا يحس ـ رغم الألم الذي يعتريه ـ بأنه يقتل نفسه!!

الفتولي هو ضحية مثلما هو جان.
والخطوة الأولى في طريق إنقاذه الطويل، هي محاولة إيقاظ عقله الناقد.
ودفعه لأن يطرح الأسئلة المربكة والموجعة في كل اتجاه.
آنئذ..
سينفتح باب الخلاص
ونرى السحرة كلهم مقيدين بالأصفاد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى