الرئيسيةفي الذاكرة

رأي- أول طبيب ليبي: الدكتور “محمد حسن الفيتوري”

* كتب/ عبدالرزاق الفيتوري،

ولد محمد حسن الفيتوري في مدينة زليتن في سنة 1882م. وكانت أسرته متوسطة الحال صغيرة تتكون منه ومن أخيه الأصغر ومن والديه وعمته.

والده كان الشيخ حسن الفيتوري مدرس الدين في المدارس الابتدائية وفي جامع الشيخ عبدالسلام الأسمر.

كان والده يحفظ القرآن، وتوفي ومحمد عمره ست سنوات، ثم لحقته زوجته بعد عدة أشهر، وبقى الطفلان مع عمتهما والتي توفيت هي كذلك بعد عدة أشهر من وفاة والديهما.

قامت السلطات العثمانية بأخذ الطفلين ووضعتهما في ملجأ للأيتام بالقرب من مدينة طرابلس.

بقي محمد في الملجأ حتى أتم الدراسة الابتدائية وكان يوصف بذكائه وفطنته، وشخصيته القوية وتفوقه على باقي زملائه.

كل هذا شجع السلطات العثمانية وكافأته وأرسلته مع أولاد الضباط العثمانيين المقيمين في ليبيا إلى اسطنبول ليكمل تعليمه على نفقة الدولة العثمانية.

لقد كان من الأوائل خلال دراسته في اسطنبول وحقق رغبته بأن يكون طبيبا ليساعد أبناء وطنه ويرفع الهم عنهم ولو قليلا.

تخرج الدكتور محمد حسن الفيتوري من جامعة اسطنبول يوم 22 جمادى الأخر 1324هـ الموافق 13 أغسطس 1906م.

وقد ذكر أنه أرسل بسبب تفوقه وحسن أخلاقه وسلوكه الممتاز طيلة فترة الدراسة لحضور دورات تخصصية في الجراحة في فرنس، وعندما عاد عين طبيبا عسكريا بالجيش التركي برتبة نقيب.

عندما دخل الإيطاليون إلى ليبيا سافر مع وحدته العسكرية إلى تركيا، ثم شارك في الحرب العالمية الأولى وأسره الإنجليز وأرسلوه إلى مدينة درعا في سوريا وعمل طبيبا مع القوات العربية التي كانت تتبع الملك فيصل.. وقد رقى إلى أن وصل إلى رتبة قائم مقام ومدير الخدمات العلاجية بالجيش العربي.

وفي سنة 1918 أعيد إلى تركيا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. ثم عاد إلى ليبيا وأصر على أن يشتغل في ليبيا وفي عام 1920 عين طبيبا مدنيا في مدينة بنغازي من قبل الإيطاليين، وبراتب قدره تسعة آلاف ليرة سنويا، وخفض هذا المبلغ إلى النصف من قبل الحاكم الفاشي، وهذا لم يبعد الدكتور محمد حسن الفيتوري عن أهله وشعبه واستمر يخدمهم بإخلاص.

عندما عاد الدكتور محمد حسن الفيتوري للمرة الثانية ورست به الباخرة في ميناء بنغازي شعر بارتياح كبير وطمأنينة عميقة، بعد أن نزل منها واختلط مع السكان.

كان يبلغ من العمر سبعا وثلاثين سنة عندما وصل الى بنغازي، ولم تكن السنوات الطويلة التي عاشها في الغربة قد أنسته وطنه الأصلي أو لغته العربية أو لهجة مسقط رأسه. وبادله سكان المدنية الذين تعرفوا عليه حباً واحتراماً وزادوا من تقديرهم لهذا الطبيب الليبي المسلم الذي يخاطبهم بلغتهم ودون أي تكبر أو تكلف، فقد وجد سكان هذه المدينة الكريمة أن هذا الطبيب مواطن مثلهم، متواضع، حليم، لا يتعفف من دخول أفقر الأحياء أو أضيق الأزقة إذا ما استدعى ليفحص مريضاً، فهو منهم كما أنه ليس جشعا ولا يصر على طلب أتعابه أو يغالي فيها مثل الإيطاليين، وكان لا يطلب منهم شيئاً إن شحّت أيديهم عن الدفع لفقرهم، فهو قنوع قانع راض وكل همه أن يخفف من آلام أو أوجاع المريض. ولم يبخل على أحد من معارفه بعلمه ومعرفته، وكان يكفيه أن يسمع من مرضاه كلمة “كثر خيرك يا دكتور فيتوري”.. كان يشعر حقاً بالسعادة والهناء عندما يرى ابتسامة الفرح على وجوه مرضاه وأقاربهم بعد كل زيارة لهم.

درس الدكتور الفيتوري حالة مدينة بنغازي عندئذ جيداً، ثم سافر إلى طرابلس وزليطن مسقط رأسه، ليزور من يجد من أقاربه ومعارفه، ويطلع على الوضع هناك قبل أن يقرر العمل والاستقرار ليقضي بقية حياته. بقى هناك بضعة أسابيع ثم قفل عائداً إلى بنغازي حيث قرر البقاء والعمل فيها إلى أن جاءت الحرب العالمية الثانية، ونتيجة لحدة القصف غادر هو وأسرته مدينة بنغازي إلى قنفودة قرب بنغازي، وكان يتنقل كل يوم بين قنفودة والمستشفى، واستمر في تقديم المساعدة إلى أبناء وطنه رغم أخطار الحرب، ومعاناة الطريق الذى يسلكه كل يوم خلف ابنه على دراجة هوائية.

وفي آخر أيامه مرض، ولم ينقده زملاؤه الإيطاليين من مرض ألم به.. وتوفي في نفس المستشفى الذى اشتغل فيه يوم 5 نوفمبر 1941م، ودفن في مقبرة سيدي عبيد في ضواحي بنغازي..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى