الرئيسيةالراي

الليبيون من الاستقلال إلى الفوضى

*كتب/ عبدالرحمن نصر،

ليبيا بلد عاش ويعيش في فوضى عارمة ومراحل اللادولة من زمن طويل، ولا يسودها القانون المتعارف عليه عالميا منذ عشرات السينين…

ورغم محاولات النظام الملكي الليبي بعد إعلان الاستقلال سنة 1951م لتأسيس دولة قانون شبه ديمقراطية، إلا أن واقعها وأساسها كانا يعمدان على سلطات حكم مطلقة للملك، منطلقة من الاعتماد على الولاءات القبلية والزعامات المتحالفة مع الملك /إدريس السنوسي حتى آخر إيام حكمه في نهاية شهر أغسطس سنة 1969م، حيث قام ضباط صغار بقيادة /معمر القذافي بانقلاب على الملك/إدريس وأنهوا النظام الملكي القائم في ذاك الوقت، ليلتحق بالانتفاضة الشعب الليبي ويباركها ليسود بعد ذلك حكم جديد مغاير في البلاد يتخذ من القرارات السريعة غير المدروسة والشعارات العاطفية المدغدغة للعقول وبخطابات نارية متكررة من قائد مجلس قيادة التغيير في ليبيا منهجا ومسيرة للسيطرة والحكم المطلق لليبيا.

ولعل خطاب /القذافي بمدينة زوارة 1973م كان خطوة حاسمة في بداية نظام فوضوي دكتاتوري لليبيا، عندما ألغى /القذافي وعطل جميع القوانين السائدة ودعا الشعب للفوضى وعدم احترام القوانين الليبية المعمول بها في البلاد، فالقذافي استمر قي مشروعه الشخصي بإلقاء الخطب الحماسية الرنانة، وطرح الشعارات القومية، والدخول في محاولات وحدوية فاشلة مع الدول العربية الجارة وحتى البعيدة، بالإضافة إلى ذلك، فقد دخل وتورط في مغامرات عسكرية في أوغندا وتشاد ومصر لتنتهي بحرب ثانية في تشاد وهزيمة الجيش الليبي سنة 1988م وبفقدان أكثر من 8 آلاف مواطن ليبي…

نذكر أيضا أن القذافي ضمن مشروعه الشخصي لحكم ليبيا قام بإصدار كتابه الأخضر سنة 1976م الذي يلغي فيه أي شكل من أشكال النظم المتعارف عليها في دول العالم ومنها شعار: من تحزب خان والتمثيل تدجيل ولا ديمقراطية بدون لجان شعبية وووووألخ.. ليتحول/معمر القذافي إلى حاكم ومسيطر على ليبيا بشكل منفرد ومطلق خاصة بعد أن قرر تصفية خصومه، وحتى بعض من رفاقه سنة 1977م، كما أنه أضعف المؤسسة العسكرية (خوفا منها) بشكل شبه كامل بعد حرب تشاد الثانية الفاشلة، واستبدل الجيش النظامي بكتائب وألوية تابعة له، وقياداتها أغلبها من أبنائه وقبيلته والقبائل المتحالفة معه، كما أنه شكل اللجان الثورية سيئة السمعة وأوكل إليها تنفيذ مخططاته غير القانونية ضد من يعارض أو يخالفه في الرأي، كما خولها بقتل واغتيال رموز المعارضة في الداخل والخارج، وللحقيقة أقول بأن/ القذافي كان مشجعا للفوضى المجتمعية وتقسيم الليبيين بين موال له شخصيا ومعارض يجب تصفيته جسديا في الداخل أوالخارج، وهذا كان سببا في غضب الليبيين ونقمة الكثيرين منهم، وتخليهم عن المشاركة أو التعاون مع ما يطرحه القذافي من أقوال ويريد تطبيقها ومنها:- البيت لساكنه، والسيارة لمن يقودها، وشركاء لا أجراء، وما لحق الليبيين من أضرار وفوضى وسوء إدارة وتعطيل المؤسسات المنتجة وتخريبها وسرقتها أو تعطيلها، كالمصانع والمزارع ومحلات التجارة، ومنع القطاع الخاص من العمل والاستيراد أو السفر بدون إذن الدولة أو امتلاك أية عملة أجنبية، بالإضافة إلى زيادة نفوذ القبلية الموالية والإجراءات غير القانونية من ظلم وتعسف وسجون تقوم به اللجان الثورية، وما صاحب ذلك من فساد وتبذير الثروة وتوزيع وإعطاء الأموال كهدايا ومنح، وشراء ذمم أجنبية دون مردود على المصالح الليبية.

أيضا ظهور طبقة غنية فاحشة من المقربين مقابلها حاجة وعوز واضطهاد للمعارضين، وفقر للغالبية من الشعب الليبي، نتيجة حرمان القطاع الخاص من التجارة والملكية الزراعية والصناعة والتوزيع والمبادرة خارج قطاع الدولة، مما جعل الناس تتجه فقط لتعيش على الرواتب الحكومية، وإلا يمسسها الفقر والعوز والجوع..

هذا الحال استمر في ليبيا حتى بداية 1992م حيث بدأ القذافي بالانفتاح على الغرب، وسمح للقطاع الخاص بمزاولة التجارة وبعض الأعمال الأخرى، كالسفر للخارج وتجارة الشنطة وغير ذلك، مع بروز نجل القذافي/ سيف الإسلام كشاب إصلاحي ديمقراطي طموح/متحضر، وقام بتقديم مبادرات وبرامج شبابية إصلاحية ودعوات لتخفيف القيود المفروضة، ومنها مشروع المصالحة وبرنامج الغد، وإعطاء هامش للمؤسسات ناشئة صغيرة في مجال الإعلام والثقافة والتحديث، والذي كان وقعه جيدا في الداخل وحتى بين بعض المعارضين في الخارج.. وفعلا ليبيا خلال السبعة عشر سنة الأخيرة كان عهد القذافي قد شهد انتعاشا اقتصاديا وانفتاحا على الخارج، وانفراجا وتحسنا ملموسا في المعيشة، مع ازدهار نسبي في إطلاق مائات مشاريع الإعمار في مجال الإسكان والطرق والتعليم والصحة والبنية التحتية بشكل عام..

كما سمح للقطاع الخاص والمهارات الليبية الشبابية بالمساهمة الفعلية والمشاركة في التنمية والتطوير المنشود، على الرغم من وجود محاولات عرقلة اللجان الثورية سيئة السمعة ونفوذ القبلية المقيت وعناصر النظام المتشددة، الذين عاشوا فساد وقمع ما قبل سنة 1992م..

كل هذا لم يشفع للقذافي ونظامه الدكتاتوري الذي اختزل كل السلطات في شخصه وسيطرته المطلقة الفردية دون أن يراعي أية اعتبارات للشعب الليبي، الذي خرج يوم 17 فبراير مناديا بإسقاط نظام /القذافي، وتحقق بموته يوم 2011/10/20م، بعد ثورة فقد فيها الليبيون آلاف القتلى والمصابين وعمليات هدم وتدمير يصعب تعويضها.

لازال الشعب الليبي حتى اليوم يعيش ويعاني مرحلة اللا دولة، وفوضى عارمة وفساد وعدم أمن وأمان، وانتشار للسلاح في أيدي الميليشيات، وحالة انقسام وصراع عبثي يحول دون تحقيق إرادة الليبيين المشروعة في تأسيس دولة ليبية واحدة ديمقراطية، يسودها القانون والعدل والمساواة، وتتداول فيها السلطات سلميا كحلم أقصى لم يتحقق منها شيء حتى هذا اليوم للأسف الشديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى