الرئيسيةالراي

البائع المشتري في الوقت نفسه

* هشام الشلوي،

لا يستوعب بعض الكتاب والصحفيين وحتى الساسة التغيرات السياسية التي تجري في منطقتنا الشرق أوسطية، بل ويشعر بعضهم بالحرج من متابعيهم. ويصل بعضهم إلى حالة رفض يمكن وصفها بالعدمية.

فتطبيع -إذا جاز هذا المصطلح- العلاقات السعودية الإماراتية التركية القطرية المصرية بهذه الصورة التي يراها البعض فجة، بعد قطيعة كادت تصل للغزو والاجتياح، وما تبع ذلك من حروب صغيرة مستعرة على شاشات التلفزة ومواقع التواصل والصحف وطالت حتى مباريات كرة القدم.

ومرد ذلك أن هذه الدول في حروبها المعلنة والخفية استخدمت جيوشا من الإعلاميين والصحفيين والكتاب والشيوخ وقادة الرأي العام ومراكز الأبحاث، لينكشف هذا الطابور فجأة أمام جمهوره بعد تطبيع هذه العلاقات.

هذه الفئة المصدومة في قرارة نفسها أظن أنها تتمنى ألا تعود علاقات هذه الدول وأن ترتفع وتيرة التوتر فيما بينها، حتى تستمر مصالحها ووظائفها، وهي وظائف نشأت على متن وهوامش هذه الصراعات، وبالتالي ستختفي، وقد بدأ كثير منها فعلا في التلاشي.

كما أن هذا الطابور الطويل انكشف وتعرى فجأة أمام جمهوره العريض، فهو بين خيارين أحلاهما مُر؛ الأول: الاستمرار في نهجه السابق، وهذا غير ممكن بعد تجفيف منابع أدوات الرغبة في الاستمرار، والثاني: التماهي مع هذه المتغيرات، وهذا صعب ومتعذر على البعض وممكن لآخرين، لكن ضريبة ذلك باهظة ولعنات جمهوره ستطاله في أي وسيلة حل وارتحال.

دائما في صيرورة عجيبة يتناسى البعض أن علاقات تلك الدول لا ترتهن إلى القواعد الأخلاقية البحتة، وإنما إلى منطق المصالح الصريح الصرف.

لكن هذا الطابور ليس على دين واحد، فبعضهم تضطره ظروف التهجير وقسوة الحياة إلى الاندماج في هذه اللعبة، وبعضهم بائع ومشتر في الوقت عينه، لا تهمه تلك التقلبات.

تأتي مشكلة وأزمة هذا الطابور أن صلاحية استخدامه تنتهي مع تبدل وتغير الظروف، حيث أن تلك الأنظمة تبدل جلدها وأدواتها، فهي ترى أن المرحلة الجديدة تحتاج إلى أدوات جديدة، خاصة أولئك الذين وضعوا أنفسهم في قلب العاصفة.

لا تستطيع من وراء شاشة هاتف أن تنصح أي أحد في ظروف نسميها تخفيفا انتقالية وهي حقيقة اضمحلال.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى