
العربي الجديد-
تتعمق الجراح المجتمعية في ليبيا نتيجة نفوذ المتصارعين السياسيين سعياً للحفاظ على مكاسبهم، ليتحول استحقاق المصالحة من أملٍ جماعي إلى ورقة مساومة، ما يزيد عمق شروخ النسيج المجتمعي.
وكشف المشهد الأخير لتعاطي الخصوم مع توقيع “ميثاق المصالحة والسلام” بمقر “الاتحاد الإفريقي” في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، منتصف الشهر الماضي، عن دخول المصالحة منعطفاً جديداً بعد أن كان من المؤمل أن يطوي الميثاق صفحات الحرب الأهلية التي كان أقل أضرارها على المجتمع موجات من النزوح والتهجير وآلاف المفقودين.
يقول العضو السابق بمجلس المصالحة الاجتماعية (أهلي)، فرج الفيتوري، لـ”العربي الجديد”: “لم تكن غيابات قادة الخصومات السياسية مجرد حدث عابر، بل مثلت صفعة قاسية للجهود المحلية والأفريقية والدولية الرامية إلى رأب الصدع الاجتماعي الذي خلفته الحروب المتتالية. لم أفاجأ كثيراً من موقف قادة الصراع الليبي، فالجميع كان يخشى أن تتحول المصالحة إلى عامل يؤدي لخسارة نفوذه، بينما لا أهمية للثمن الباهظ الذي يدفعه المواطن كل يوم”.
يضيف الفيتوري: “حتى ممثلو القبائل الذين ظهروا في مراسم توقيع الميثاق في أديس أبابا، تبين أن مشاركتهم لم تكن لتمثيل قبائلهم، بل كان أغلبهم ينطلقون من خلفيات على علاقة بأحد أطراف الصراع، وعلمنا أنه جرت اتصالات مع بعضهم لدفعهم إلى أن يكون تمثيلهم للشرائح القبلية بعيداً عن تأثيرات المعترك السياسي. تسييس ملف المصالحة الوطنية كان السبب في فشل كل المحاولات السابقة، ومنها مؤتمر المصالحة الجامع الذي كان مقرراً عقده في مدينة سرت خلال العام الماضي”.
ويتابع: “تطور تأثير المتصارعين على استحقاق المصالحة، فبعد أن كانت الحروب تزيد من الهوة والانقسامات بين الليبيين، حول قادة الصراع المصالحة إلى عامل يعزز خطاب الكراهية بعد انتهاء الحرب، لكن كلما طال الأمد سيدرك الليبيون خطر الانحياز إلى أي من قادة الصراع، وستزيد الحاجة إلى التصالح”.
من جانبه، يرى الناشط عبد الرزاق الجيلاني، أن الإحجام عن توقيع ميثاق المصالحة والسلام له أسباب أخرى، ورغم أمله في وصول البلاد إلى قناعة بضرورة التصالح، إلا أنه يوضح لـ”العربي الجديد”، أنه “لو وقع قادة الصراع ميثاق المصالحة، فلا نعرف إن كان سيحدث ذلك أصداء مجتمعية. شخصياً لا أعتقد ذلك، فهناك الكثير من التداعيات التي زاد حجمها بشكل كبير جراء الحروب والصراعات، ويجب ترميمها قبل الحديث عن مواثيق واتفاقات، ومن بينها تعزيز الانقسام في القبائل والمناطق التي كانت ساحات للحروب، وفقدت أهلها بالتهجير أو النزوح أو تدمير الموارد”.
ويؤكد الجيلاني أن “الإجراءات التي عمل عليها المجلس الرئاسي، ومن بعده مجلس النواب عبر القانون التي أصدره في مطلع يناير الماضي، لم تكن كافية لترميم جراحات المناطق والقبائل، بل كانت نصوصها تتحدث عن مصالحة سياسية، وكيف يقصي كل طرف الآخر، بينما لا يمكن أن تجري أية مصالحة إلا بقانون يضمن حقوق الجميع وينصفهم.
بعض المناطق، وأيضا بعض القبائل، لا تزال تتحدث من خلفية الثأر، وليس من خلفية نيل الحقوق والإنصاف عبر العدالة، والخطر لا يزال قائماً نتيجة امتلاك بعض القبائل مليشيات مسلحة أفرادها يحملون مواقف عدائية”.
ويتحدث الناشط الليبي عن جوانب أخرى تقف في طريق إنجاز المصالحة، منها أن “الحروب عززت مفهوم الانتماء للقبيلة والمنطقة بدلاً عن الانتماء الوطني، فطيلة أعوام الحرب كانت القبيلة هي من تحمي أفرادها، والآن أصبح الولاء للقبيلة، وتراجعت قيم الهوية الوطنية، وهذا الأمر يهدد مفهوم الدولة التي يجب أن تكون الراعي الأساسي لأي مصالحة”.