تذمّر وغضب شعبي نادر بالإمارات.. 3 أزمات كسرت حاجز الصمت
عربي 21-
بدأت أصوات مواطنين إماراتيين بالارتفاع بشكل نادر وغير مسبوق، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اعتراضا على الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، علما بأن معدل التضخم للعام 2021، بلغ 2.5 بالمئة.
الانتقادات بدأت مع الأسابيع التي سبقت وصول محمد بن زايد إلى رئاسة البلاد منتصف مايو الماضي، وظهر ذلك للعلن لأول مرة عندما تجمهر مئات المواطنين في مدينة الذيد التابعة لإمارة الشارقة، تزامنا مع زيارة ابن زايد لها مطلع يونيو الماضي، وحاولوا تسليمه أو الفريق المرافق له معاريض (طلبات وشكاوى) حول أوضاعهم المعيشية.
وتقر الإمارات بوجود أسر لا تتوفر لها متطلبات العيش، وبالتالي فإنه يتم صرف مساعدات دورية لها، إذ قالت جمعية الشارقة الخيرية، إنها قدمت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجديد 2022، مساعدات شهرية بقيمة 5 ملايين درهم (1.3 مليون دولار) لأكثر من 3 آلاف مستفيد، مع وجود جمعيات مماثلة في دبي وأبو ظبي وبقية الإمارات.
الأزمات الثلاث
بحسب ما رصدت “عربي21″، تتلخص شكاوى الإماراتيين في مواقع التواصل الاجتماعي بثلاث قضايا رئيسية، هي “- أسعار البنزين، – البطالة، – أزمة السكن”.
البنزين ومعضلة الحكومات السبع
رفعت الحكومة الإماراتية أسعار المحروقات عدة مرات هذا العام، كان آخرها الخميس الماضي، ليصبح ليتر البنزين الواحد عند 1.1 دولار، أي ضعف سعره في السعودية، وعمان، وقطر، والبحرين، ونحو ثلاثة أضعاف سعره في الكويت.
وخرج إماراتيون عن صمتهم بعد قرار رفع البنزين، ولجأوا إلى الاعتراض المباشر على القرار، أو التعبير عن رفضهم له بأساليب فكاهية وساخرة.
الخبير الاقتصادي الإماراتي ناصر الشيخ، المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي، قال إن أسعار البنزين زادت في الإمارات بواقع 56 بالمئة منذ بداية العام، وقد تكون المسبب الرئيسي للتضخم محليا.
وأضاف في تغريدات أن “تبعات الزيادات أكبر من مجرد ارتفاع الكلفة على المستهلكين الأفراد، إذ هي تلمس قطاعات اقتصادية كثيرة لن يكون لها سبيل في استيعاب الزيادة سوى عبر رفع سعر بضائعها وخدماتها، وأولها في قطاعي النقل والمواصلات، ويتبين ذلك جليا في رفع أوبر تعرفتها بواقع 11 بالمئة وأسعار تذاكر الطيران”.
ولفت الشيخ إلى أن “الفارق السعري للبنزين ما بين الإمارات وباقي دول الخليج سببه هو أن دول الخليج أقرت سقفا لا تتعداه أسعار البنزين، أو ما يسمى بالدعم المشروط، وفي تلك الحالة يتحمل المستهلك كلفة البنزين إلى ذلك السقف السعري وتتحمل الدولة ما علا عن السقف. الإمارات لم تقر سقفا وأرى صعوبة في إرسائه”.
وبحسب ناصر الشيخ، فإنه خلافا لدول الخليج القائمة على حكومة واحدة وموازنة واحدة تصب فيها كل موارد الدولة، “فالإمارات قائمة على حكومة اتحادية لها مواردها المحددة، وتأتي تحتها 7 حكومات محلية بموازناتها المستقلة، والتدفقات النقدية الناتجة عن الموارد الطبيعية تصب في الموازنات المحلية.. لا الاتحادية”.
ولفت إلى أن “توزيع البنزين تقوم به 3 شركات رئيسية في الدولة، إحداها مملوكة للحكومة الاتحادية، واثنتان لحكومتين محليتين، وجميع هذه الشركات تشتري البنزين وفقا للأسعار العالمية”.
وتساءل: “لذا فإننا إن خضنا في فكرة الدعم، فمن عساه يدعم؟ الاتحادية التي قد تكون محدودة في قدراتها لعدم استفادتها من الإنتاج، أم المحليات المستفيدة من ارتفاع الأسعار العالمية؟”.
وأضاف: “حينها سيتبادر سؤال: لماذا على محلية أن تدعم المحليات الأخرى؟ لا أملك الإجابة لكنني أوضح المعضلة.. ولا أعتقد أن شيئا من هذا النوع سيرى النور إلا بقرار من قمة الهرم لشمولية النظرة في ذلك المستوى ورؤية جوانب قد لا نراها نحن”.
البطالة وكابوس المادة 101
بلغت معدلات البطالة في الإمارات بالعام 2020 (آخر إحصائية صادرة عن البنك الدولي)، نحو 5 بالمئة، إذ زادت النسبة أكثر من ثلاثة أضعاف عن العام 2016.
ويحمل نحو نصف العاطلين عن العمل شهادات جامعية، كما أن نحو نصف العاطلين أيضا من المتزوجين.
ونبّه المعارض الإماراتي حمد الشامسي إلى أن أحد أسباب ازدياد معدل البطالة، هو تعديلات طرأت على قانون الموارد البشرية الاتحادي في العام 2011، والتي حذر منها أستاذ القانون الدستوري المعتقل، محمد الركن.
ونصت المادة 101 من التعديلات على أن “إعادة الهيكلة” و”عدم تجديد العقد” هما من الأسباب الكافية لإنهاء خدمة الموظف، والتي قال الشامسي إنها تطال حتى موظفي القطاع الحكومي الذين يتمتعون بأمان وظيفي في غالبية الدول العربية.
وبحسب تحليل سابق لمعهد دول الخريج العربية في واشنطن، فإن من أسباب ارتفاع معدل البطالة في الإمارات، عدم قدرة الحكومة على تنويع مصادر الدخل بعد انخفاض أسعار النفط صيف العام 2014، إذ هبط معدل نمو الناتج المحلي من 4.6 في ذلك العام إلى 2.1 في العام 2016، وهو ما دفع السعودية والإمارات إلى فرض ضريبة القيمة المضافة على المواطنين والمقيمين.
وفي إقرار غير مباشر منها لأزمة الوظائف، أنشأت الحكومة في العام 2021، “مجلس تنافسية الكوادر الإماراتية” برئاسة منصور بن زايد، الذي يستهدف توفير نحو 75 ألف وظيفة للمواطنين في القطاع الخاص، ضمن البرنامج الذي أطلق عليه سابقا “نافس”.
أزمة السكن وتذكير بمقولة المؤسس
يشتكي العديد من الإماراتيين من عدم امتلاكهم منازل، وأن كاهلهم بات مثقلا بدفع الإيجارات، بخلاف توجيهات الحكومة التي تنص أن المنازل يجب أن تكون حقا لكل مواطن.
وتداول ناشطون خلال الأيام الماضية عدة فيديوهات سابقة لمؤسس الإمارات، الشيخ زايد آل نهيان، يبدي فيها غضبه لاكتشافه وجود مواطنين يسكنون بالإيجار، إذ إنه نبّه على مستشاريه بمن فيهم نجله الراحل سلطان بن زايد بضرورة إيجاد حل عاجل للقضية.
وفي العام 2018، أعلن حاكم دبي رئيس مجلس الوزراء، محمد بن راشد آل مكتوم، أن الحكومة الاتحادية تستهدف بناء 7200 منزل للمواطنين خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وبتكلفة تصل إلى 7 مليارات درهم (1.9 مليار دولار).
وقال آل مكتوم في اجتماع لمجلس الوزراء حينها، إن نسبة امتلاك المنازل للمواطنين بلغت 80 بالمئة، إلا أن الحكومة تجاهلت نشر أي نسبة رسمية للتملك.
وبسبب ارتفاع الأسعار، وعدم وجود تعديل لسلم الرواتب يتضمن زيادات للقطاعين الخاص والحكومي، طالب النائب الأول لرئيس المجلس الوطني الاتحادي حمد الرحومي، بضرورة تأجيل أقساط السكن، أو مناقشة سياسة برنامج الشيخ زايد للسكن.
“تأزيم ضاحي خلفان”
تصّدر نائب رئيس شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان، المشهد خلال الأسابيع الماضية، بنشره تغريدات استفزت طيفا واسعا من الإماراتيين.
مع بدء الحديث عن ارتفاع الأسعار، وعدم تغطية الرواتب لمتطلبات الحياة، دعا خلفان المواطنين إلى الاكتفاء بوجبة رئيسية واحدة في اليوم، وهو ما دفع كتابا ومغردين للرد المباشر عليه، ودعوته إلى عدم استفزازهم.
ودعا خلفان المواطنين بشكل مباشر إلى الاتعاظ بالشعوب المجاورة لهم، مثل العراقيين، والليبيين، والسوريين وغيرهم، قائلا إنهم ندموا على انتفاضتهم ضد حكامهم.
وقال مغردون إن مقارنة خلفان بدول ليس لديها نفط مثل الإمارات، أو عدد مواطنيها لا يتجاوز المليون نسمة أمر خاطئ.
ويعتبر إماراتيون أن وجود كل هذه الموارد الغنية بالنسبة للدولة، مقابل عدد قليل من المواطنين، يتوجب تحقيق الاكتفاء الذاتي للجميع.
ولاحقا، زعم خلفان أن حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، أجاز للمواطنين بيع منازلهم الممنوحة من الحكومة بهدف تحسين أوضاعهم المادية، في إشارة إلى أن المواطنين السبب في عدم وجود سكن خاص لهم الآن، إلا أن الشيخة جواهر القاسمي زوجة الحاكم كذّبت خلفان، ما دفعه إلى حذف تغريدته.
تحدّي ومصطلحات جديدة
ارتفعت أصوات الإماراتيين رغم سنّ السلطات قوانين عديدة خلال السنوات الماضية، لتجريم أي انتقاد محتمل للوضع العام داخل البلاد.
وتنص المادة (198) من قانون العقوبات الذي تم تعديله في العام 2016، على الحبس سنة على الأقل، لمن يقوم بنشر أخبار أو بيانات من شأنها “تكدير الأمن العام، أو بث دعايات أو تسجيلات مثيرة للرعب”.
فيما تنص المادة (24) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر في 2012، على فرض غرامة بين النصف مليون والمليون درهم، لمن يستخدم الإنترنت في أي أمر يصب في “إثارة الفتنة أو الكراهية أو العنصرية أو الطائفية”.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ مغردون إماراتيون باستخدام مصطلحات جديدة، تستخدم في دول أخرى انتقادا لمن يدافع عن السلطة في كل القضايا، مثل “المطبّلين”، في إشارة إلى من يبرر ارتفاع أسعار الوقود، وغيرها.
ولم يصدر عن الحكومة الإماراتية أي تعقيب رسمي على التذمر الشعبي المتزايد في القضايا الثلاث (غلاء الأسعار، البطالة، السكن).