اخبارالرئيسيةعيون

ميليشيات ليبيا. صراع لا يتوقف على مسارات التهريب

العربي الجديد-

تندلع مواجهات عنيفة أشبه بحروب صغيرة بين مليشيات ليبية تسيطر على مسارات تهريب البشر والسلاح والمخدرات والوقود، والتي تتيح لهم عوائد بعشرات الملايين من الدولارات يدفع ثمنها أهالي المناطق التي تقع على خطوط التماس.

– نزح رب العائلة الليبي علي الكموشي، من منزله في منطقة الرواجح بمدينة القره بوللي الساحلية شرق طرابلس في يونيو 2016 عقب معركة دارت بين مليشيا ثوار طرابلس ضد مجموعة مسلحة كانت تتبع حينها حكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام، بسبب صراع من أجل السيطرة على طريق تهريب المهاجرين في المنطقة التي تعد من أنشط مراكز تهريب المهاجرين غير الشرعيين نظرا لكثرة خلجانها التي تسهل على المهربين انطلاق قواربهم منها، فضلا عن وقوع جنوبها على مسارب برية تصل إلى وسط الجنوب الليبي حيث تنتشر مجموعات مسلحة تصدر اللاجئين والهاربين من بلدانهم إلى أوروبا، بحسب ما يوضحه الخبير الأمني، الصيد عبد الحفيظ، الضابط المتقاعد من جهاز الأمن الداخلي، قائلا لـ”العربي الجديد”: “الصراعات المسلحة المتكررة في بعض المناطق الليبية سببها الرغبة في السيطرة على مسارات تهريب المهاجرين والسلاح والمخدرات الوقود”.

ووقعت 30 مواجهة مسلحة بين الميليشيات الليبية للسيطرة على مسارات التهريب، خلال الفترة من 2014 وحتى 2020، بحسب ما رصده أحمد حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، والذي قال لـ”العربي الجديد” :”من بين هذه المواجهات 18 في الجنوب، و6 وسط البلاد و6 في مناطق الشمال الغربي”، وأدت تلك المواجهات إلى مقتل 126 شخصا وجرح 410 أخرين، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر بيانات رسمية منشورة على صفحات الجهات الحكومية وفي الوسائط الإعلامية المحلية.

ومن بين الصراعات المسلحة ما وقع في يناير 2020، إذ اضطر الكموشي لترك منزله مرة ثانية خلال محاولة مليشيات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر السيطرة على القره بوللي، حسبما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا بحسرة: “في كل مرة نعود للبيت ونجري له صيانة، ونخشى من تجدد القتال والمغادرة من جديد، لن يتوقف الخطر ما دامت سيارات المهربين تمر ليلا باتجاه البحر”.

الأنشطة الأكثر رواجا

يمتد أحد أكبر مسارات التهريب في الصحراء الليبية بطول 600 كيلومتر ويبدأ من الحدود بين ليبيا والنيجر حتى سبها مرورا بقلب الجنوب الليبي، بحسب فرج الأعوج، عضو إدارة التخطيط الأمني بوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، والذي قال لـ”العربي الجديد” :”مهربو البشر ينطلقون عبر طرق صحراوية جنوب غرب ليبيا، وتتفرع إلى اتجاهين، الأول شمال غربي منطقة العجيلات، حيث يتم تجميع المهاجرين غير الشرعيين ونقلهم عبر نقاط التهريب المنتشرة على سواحل الزاوية وصرمان غرب طرابلس وزوارة على الحدود الشمالية الغربية مع تونس، وهو من أهم مسارات تهريب المهاجرين والوقود، فيما يصل المسار الثاني إلى منطقة بني وليد شمال غربي ليبيا، ليتم تجميع المهاجرين غير الشرعيين ثم نقلهم إلى نقاط التهريب المنتشرة على ساحل شرق طرابلس في زليتن والخمس والقره بوللي شمال غربي ليبيا”.

ويؤكد الأعوج على أن النشاط الأكبر للمهربين يتم من السودان وتشاد والنيجر إلى مناطق تجرهي والقطرون أقصى الجنوب الليبي، وصولا إلى مناطق تراغن وأم الأرانب، جنوب غربي ليبيا واللتين تحتويان على مخازن كبيرة لتجميع المهاجرين.

و”يتولى زعماء من قبيلة التبو، مثل أدامو تشيكية وأبوبكر السوقي، تهريب المهاجرين من الحدود الجنوبية الغربية للبلاد إلى سبها، فيما يتولى زعماء من قبيلة الطوارق، مثل شريف عابدين مراقبة الطريق المؤدية إلى مرزق (تقع في الجنوب الغربي)، ويقوم المهربون من القبيلتين بتيسير عبور المهاجرين للحدود الجنوبية، فيما يتولى إدارة الطريق الشرقي (يبدأ من طبرق مرورا ببلدة الجغبوب جنوب شرق ليبيا، ووصولا إلى الكفرة أقصى الجنوب الشرقي)، سماسرة من أثيوبيا وإريتريا والصومال”، بحسب تقرير فريق الخبراء المعني بليبيا الموجه إلى رئيس مجلس الأمن في الأول من يونيو 2017، والذي يوضح أن “كل المهاجرين الذين سلكوا هذا الطريق يؤكدون أن رجالا يرتدون الزي النظامي يشرفون على عمليات نقلهم، وتنظيم عملية التنسيق في منطقة الكفرة الحدودية بين قبيلتي التبو والزوية (من قبائل بني سليم التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى شمال أفريقيا) وعناصر من قوات الدعم السريع السودانية المنتشرة على طول الحدود مع السودان”.

عوائد ضخمة

“أصبح تهريب المهاجرين وتسهيل مرورهم على طول الطرق العابرة للصحراء صناعة مربحة للغاية بالنسبة للجماعات المسلحة، إذ تجني عبر هذه الأنشطة إيرادات سنوية تقدر بما بين 89 و236 مليون دولار أميركي، واستنادا إلى أعداد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا في عام 2016 ومستويات الأسعار التفصيلية لمختلف مراحل السفر، فإن متوسط الأسعار التي يتم تحصيلها في ليبيا وصولا إلى الساحل الشمالي الغربي، بداية من مايو 2020 وحتى يناير 2021 تبدأ من 300 دولار وحتى 500 دولارا أميركي (مقابل عملية المرور والتأمين على طول مسارات التهريب) بالإضافة إلى 250 دولارا للإبحار على متن القوارب.

“وقد يحصل المهربون على نسبة من 15% إلى 30% من الدخل”، وفق ما توثقه ورقة بحثية بعنوان “التدفقات المالية غير المشروعة واسترداد الأصول في دولة ليبيا”، أصدرها معهد الأمم المتحدة الإقليمي لبحوث الجريمة والعدالة في يناير 2021 بتمويل من الاتحاد الأوربي.

و “من بين المليشيات التي تتلقى نسبا من حصص أرباح عصابات تهريب المهاجرين، مليشيا 301 التابعة لقيادة قوات حفتر في الجنوب” كما يقول حامد الأنصاري، رئيس وحدة التفتيش والمتابعة بجهاز البحث الجنائي بمدينة سبها والتابع لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، مضيفا أن المهربين عبر الحدود مع النيجر على علاقة بهذه المليشيا التي تسيطر على أم الأرانب وتراغن، وتتلقى نسبا من عصابات التهريب، وهو ما تقوم به مليشيا 128 مشاة (تتبع حفتر) المتمركزة بمنطقة الجفرة المشرفة على الشويرف، إذ تؤمن الحماية للمهربين عبر مسارب صحراء الزلاف المارة بالشويرف جنوب غرب ليبيا وصولا إلى منطقة بني وليد.

ما سبق يؤكده يونس القريوي، رئيس فرع الدوريات الأمنية في منطقة مزدة (تقع على الطريق الرابط بين الشويرف ومناطق الشمال) التابعة للإدارة العامة للدعم المركزي بوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، قائلا لـ”العربي الجديد” :”مليشيا 128 مشاة تجلب مرتزقة تشاديين وسودانيين عن طريق التهريب لرفد صفوف قوات حفتر، كما أن مسلحي التبو المرتبطين قبليا بحركات التمرد التشادية والنيجرية ساعدوا على تهريب الأسلحة المتوسطة والخفيفة”، و”تقدر قيمة تجارة الأسلحة الليبية المهربة في حقبة ما بعد القذافي بما بين 15 إلى 30 مليون دولار سنويا، وفق ورقة “التدفقات المالية غير المشروعة” والتي تعيد الفوضى الدائرة في ليبيا إلى غياب تأمين الحدود بالشكل الملائم.

مسارات تهريب المخدرات والسلاح

تنتشر مسارات تهريب المخدرات على الخط الواصل من الشرق إلى الجنوب، وصولا إلى مينائي طبرق وبنغازي، وتمر ببلدة الجغبوب، وشرق مدينة الكفرة الحدودية مع السودان ومصر والتي توجد فيها أسواق لتبادل السلع المهربة بين مختلف عصابات التهريب المشتركة بين مصر والسودان وليبيا، وأشهرها سوق سانية سيدي المهدي، وفق ما يرصده المبروك البصير، رئيس وحدة مكافحة التهريب والتسلل البحري التابعة لمكتب العمليات البحرية بالإدارة العامة لأمن السواحل التابع لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق السابقة.

وتبدو خطورة الصراع على تلك المسارات في سقوط 21 قتيلا في مواجهات دارت بين مليشيات اللواء السادس في سبها جنوب غربي ليبيا التابعة لحفتر، وقوة حماية الجنوب في منطقة غدوة (تقع على بعد 40 كيلومترا عن مدينة سبها) التابعة لحكومة الوفاق في نوفمبر 2016 والتي استمرت لأسبوعين، بحسب بيان لوزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة سابقا، وهو ما يتكرر من حين لآخر وفق مصادر التحقيق.

صراع على طرق تهريب الوقود

في يونيو 2021 دارت اشتباكات عنيفة بين مليشيا 777 التابعة لجهاز الأمن العام، ومليشيا عمار بلكور وتتبع جهاز الدعم والاستقرار في وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، إذ حاولت الأولى طرد الثانية من أماكن تمركزها جنوب مدينة العجيلات وقرب الخطوط الصحراوية الرابطة بين الجنوب ومدينة الزاوية الحدودية مع تونس، والتي تنطلق منها عمليات تهريب الوقود لوجود أكبر مصافي تكرير النفط فيها، وفق إفادة العميد عماد بن لويغة، رئيس وحدة البوابات والمنافذ بمديرية أمن جنزور، لـ”العربي الجديد”، والذي قال إن الاشتباكات لا تتوقف بين المسلحين الساعين إلى السيطرة على تلك المسارات.

يضيف الضابط السابق عبدالحفيظ إلى ما سبق ما وقع نهاية أغسطس 2021 إذ دارت مواجهات مسلحة بين مليشيا البحرون التابعة لجهاز البحث الجنائي بوزارة الداخلية في حكومة الوفاق، ومليشيا 777، من أجل السيطرة على مسارات تهريب الوقود المؤدية إلى منطقة زواره.

و”تمثل مبيعات كميات النفط والبنزين والديزل المكتسبة بطرق غير قانونية 20% من دخل الجماعات المسلحة غير الحكومية المنخرطة بالصراع. كما يعتبر النفط من ليبيا مصدر دخل للجماعات المتمردة والجريمة المنظمة”، وفق ورقة “التدفقات المالية غير المشروعة”، وطالما استمرت تلك التدفقات لا يمكن للكموشي وجيرانه الشعور بالأمان في بيوتهم، إذ قد تتجدد المواجهات ومعها معاناتهم من النزوح مرة ثانية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى