اخبارالرئيسيةعيون

هل تغيّر إزاحة خالد المشري موازين القوى السياسية في ليبيا؟

العربي الجديد-

تصدرت وجوه سياسية جديدة واجهة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الشريك الأساسي لمجلس النواب في العملية السياسية، في الوقت الذي تواجه فيه معضلة إجراء الانتخابات، وهي أحد أهم ملفات المرحلة، عثرات عديدة. ويأتي ذلك لا سيما مع محاولة البعثة الأممية توسيع دائرة المشاركة في العملية السياسية عبر مسار تفاوضي شامل يشارك مجلسي النواب والدولة في إجراء تعديلات على القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6 المشتركة بين المجلسين لجعلها قابلة للتنفيذ.

وعقب اختيار أعضاء المجلس الأعلى للدولة، الأحد الماضي، محمد تكالة، رئيساً جديداً للمجلس، خلفاً للرئيس السابق خالد المشري، برفقة نائبين جديدين هما مسعود عبيد وعمر العبيدي، عقد مجلس النواب في اليوم التالي (الإثنين) جلسة رسمية لطرح القوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة 6+6 المشتركة بينه وبين المجلس الأعلى للدولة للنقاش، وانتهت الثلاثاء بإحالة جملة من الملاحظات إلى اللجنة لتضمينها بهدف إصدارها بشكل نهائي.

وتركز ملاحظات مجلس النواب على تعديل البند الخاص بإجراء الانتخابات الرئاسية من جولتين والاكتفاء بواحدة، بالإضافة إلى تعديل شرط تنازل المرشحين من مزدوجي الجنسية عن جنسيتهم (الأجنبية) قبل خوض سباق الانتخابات، بأن يتنازل عنها المرشح بعد فوزه.
وقبل الإعلان عن انتهاء النواب من إبداء ملاحظاتهم، طالب رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، النواب بضرورة الإبقاء على النصوص المتعلقة بتشكيل حكومة موحدة. وحذّر من أن “وضع الملاحظات حالياً على هذه القوانين قد ينظر إليه على أنه ينفي آلية اختيار الحكومة الموجودة في مخرجات اللجنة”.

وفي مؤشر على أمله بقبول المجلس الأعلى للدولة التعديلات، قال رئيس مجلس النواب الليبي: “يجب أن تكون التعديلات ممكنة، حتى يتمكن مجلس الدولة من التجاوب معها”. وتابع: “نتوقع منه (مجلس الدولة) الاستجابة للتعديلات التي سنطلبها”.

وعلى الرغم من هذا الأمل الذي أبداه صالح، إلا أن رئاسة مجلس الدولة الجديدة لم يصدر عنها ما يبين مواقفها حول ما إذا كانت ستسير وفق سياسات المجلس السابقة إبان رئاسة المشري، أم أنها ستغير نهجها.

محمد تكالة يركّز على توحيد المؤسسات الليبية

وأبدى الرئيس الجديد لمجلس الدولة، محمد تكالة، اهتماماً بتوحيد “مؤسسات الدولة للتوصل والعمل معاً على خلق بيئة صالحة للبناء وزرع الثقة بين الليبيين على خلاف توجهاتهم السياسية”، بحسب أول كلمة له بعد تسلمه منصبه.

وأكد تكالة في كلمته أن “المرحلة المقبلة ستكون مرحلة التجهيز للانتخابات التي يطمح إليها الليبيون جميعاً”، وأن المجلس في عهده سيُفعّل “العمل على المصالحة الوطنية، بناء على بنود الاتفاق السياسي”، مشدداً على ضرورة المصالحة الوطنية “لصيانة الحقوق وجبر الضرر”. واعتبر أنها “السبيل الأمثل نحو استقرار الوطن والضمان لإجراء الانتخابات والقبول بها”.

وبصورة أوضح، كرّر تكالة حديثه عن المؤسسات الليبية وضرورة العمل على توحيدها قبل إجراء الانتخابات. فخلال اتصاله بالسفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أكد “عزمه على قيادة المجلس للاضطلاع بدوره الفعال في إرساء دعائم مفهوم التداول السلمي للسلطة، وصولاً إلى تحقيق طموح كل الليبيين في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تسبقها عملية توحيد مؤسسات الدولة كافة”.

وحول تداعيات إزاحة المشري من قيادة المجلس على مسار التوافق بين مجلسي النواب والدولة، خصوصاً وأن خلفه ينتمي إلى الكتلة المعارضة للتعديل الدستوري وأعمال لجنة 6+6 المشتركة مع النواب، لا يرجح الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد أي تغير في سياسات مجلس الدولة حتى وإن كان تكالة ضمن الكتلة الرافضة للتعديل الدستوري وما تأسس عليه.

ويقول الحداد حول ذلك إن “رفض التعديل أو معارضته قضية تجاوزها الوقت بإعلان لجنة 6+6 عن مخرجاتها وترحيب الجميع بها حتى على المستوى الدولي، وبالتالي فإن القوانين الانتخابية أصبحت واقعاً، خصوصاً وأن البعثة الأممية تبنتها لتكون أساساً لانطلاق مفاوضات شاملة بين كافة الأطراف إلى جانب مجلس الدولة والنواب”.

ويضيف الحداد في حديثه لـ”العربي الجديد” أنه “حتى المشروع الذي ألمح إليه تكالة ويقوم في ما يبدو على ضرورة توحيد المؤسسات قبل إجراء الانتخابات، لن يجدي”. وبرأي أستاذ العلوم السياسية، فإن تكالة “يفكر في إثارة ملف المناصب السيادية مع مجلس النواب كمشروع جديد لخلق عقبات في طريق الانتخابات، ونظرياً فإن مطلبه صحيح”.

ويتساءل الحداد شارحاً: “كيف يمكن أن تجري انتخابات وهدفها توحيد السلطات الشرعية والتنفيذية وتنتقل معها مخلفات الانقسام في المؤسسات الكبرى كالمصرف المركزي”، لكنه يتوقع “عملياً أن بإمكان المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي أن يقطع الطريق أمام هذا المشروع بقبوله لكن ضمن مسار التفاوض الشامل”.

ولا يعتقد الحداد أن “لدى تكالة وحلفائه في مجلس الدولة مشروعاً أو رؤية يمكن أن تفرض نفسها”، معتبراً أن تغيير رئاسة الأعلى للدولة “كان رد فعل غير مدروس ضد تغول وسيطرة المشري على قرار المجلس، ولإقصائه بأي شكل، والقبول بأي بديل، تكالة أو غيره، ولذا سيحتاج مجلس الدولة مدة طويلة للتفاهم على بلورة رؤية موحدة”. وحذّر من أن ذلك “لن يكون بالأمر السهل، لاستمرار وجود حلفاء المشري وهم عدد لا يستهان به كما ظهر في عملية التصويت إذ الفارق بينه وبين تكالة كان 5 أصوات فقط في الجولة الثانية (67 مقابل 62 صوتاً).

إفراط في التفاؤل من تقارب المشري – صالح

ويوافق المحلل السياسي وسام الكبير على أن سبب إزاحة المشري هو سيطرته على قرار المجلس وتمرير التعديل الدستوري والقوانين الانتخابية ثم خريطة الطريق من دون مشاركة واسعة في المجلس، ما أنتج حالة من السخط ضده وتكوين كتلة معارضة من 54 عضواً.

لكن الكبير يرى في الوقت ذاته، أن وقوف تلك الكتلة إلى جانب تكالة ستمكنه من “ترميم المجلس بعد أضرار الانقسام التي خلّفها المشري، كما ستمكنه من توحيد قوة وكلمة المجلس، وعندها سيعيد النظر في مخرجات لجنة 6+6 وطرحها على أعضاء المجلس مجدداً للنقاش”.

وينفي الكبير وجود علاقة بين تكالة ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، معتبراً أن تداول الأنباء حول هذه العلاقات “غير دقيق، فلا يوجد مؤشرات للعلاقة بينهما، وكما قلت من أسقط المشري هي المعارضة الداخلية في المجلس، فقد رأينا أن إسقاطه كان بالتصويت المعلن”.

وحول آثار تغيير رئاسة مجلس الدولة على مواقف مجلس النواب، يعرب الكبير عن اعتقاده بأنه يوجد هاجس لدى عقيلة صالح من سقوط المشري، حليفه في مشروع التعديل الدستوري وتبعاته، والذي يحمل في طياته تشكيل حكومة موحدة وخريطة طريق، فقد يؤثر هذا على الملفات التي اتفق فيها الرجلان، كالمناصب السيادية والانتخابات وكيفية تمرير حكومة موحدة. كما تشمل الملفات، وفق الكبير، “الصراع بين المجلسين وبين المبعوث الأممي وعملية إقناع الأخير بضرورة وجود حكومة موحدة قبل الانتخابات، ولذا فإن هذه الهواجس ربما دفعتهم إلى عملية الإسراع لتمرير القوانين الانتخابية”.

من جهته، يتحدث الباحث في الشأن السياسي أشرف النيهوم عن وجود حالة من “الإفراط في التشاؤم من تباعد مجلسي النواب والدولة والتخوف من نتائجها، والدليل الإفراط السابق في التفاؤل عند تقاربهما في مشروع القوانين الانتخابية وخريطة الطريق، فقد انكشف أن هدفهما من كل ذلك إزاحة خصمهما رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وليس إجراء الانتخابات”. كما يطرح النيهوم سؤالاً “حول حجم القوة على الأرض التي يمثلها المجلسان، حتى يستطيعا إنفاذ أي توافق بينهما”. وبرأيه، فإن المجلسين “لا يمثلان إلا أطيافاً من مجموع أطياف وقوى عسكرية هي من تملك قرار القبول أو الرفض لأي اتفاق بينهما”.

ويطرح النيهوم قراءة أخرى لإزاحة المشري، معرباً عن اعتقاده بأن إسقاط الأخير هو حلقة في سلسلة من الحلقات منها إزاحة فتحي باشاغا (عن رئاسة الحكومة المشكّلة من مجلس النواب)، وأسامة الجويلي (أعفاه الدبيبة من إدارة الاستخبارات العسكرية العام الماضي).

ويعرب الباحث عن اعتقاده بأن الأمر “سيطاول عقيلة صالح قريباً الذي يواجه محاولات مستمرة، وقد يؤثر انتقال البرلمان إلى بنغازي على اكتساب هذه المحاولات زخماً مع تمدد أيدي أبناء حفتر داخل المجلس”. ويلفت إلى أنه “إذا ما تحقق لأبناء حفتر إزاحة صالح مقابل وقوف الدبيبة وراء تيار مجلس الدولة الذي أزاح المشري، فسينكشف عندها الغطاء عن حقيقة التحالف بين الدبيبة وأبناء حفتر وسعيهم للانفراد بالمشهد”.

ويضيف النيهوم: “ما يحدث هو أن الأمر يتعلق بتحالف شخصيات تتخذ من مواقعها السياسية منطلقاً، وبرأيي فإنه حتى المشري، وعلى الرغم من إزاحته من الرئاسة، فهو لم يغادر المشهد حتى الآن، ولا يزال يملك قدرة على بعثرة أوراق خصومه”. ويشرح أن “ممثلي مجلس الدولة في لجنة 6+6 هم من حلفاء المشري وهو من اختارهم بشكل شخصي، ومن خلالهم لا يزال يستطيع التحرك ما يجعل مسألة إسقاطه كلياً بعيدة حتى الساعة”، برأيه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى