الاخيرةالراي

لا دوام لحال .. !!!

* كتب/ عطية الأوجلي

 

أحمد الله على أنني عشت جزءا من حياتي في ليبيا… عندما كانت فقيرة وبسيطة وآمنة ومحدودة المعرفة والخبرة ..

أحمد الله أنني شاهدت بأم عيني صاحب الدكان وهو يترك متجره مفتوحا ويضع امامه عصا مكنسة ليذهب إلى الجامع أو لقضاء أمر ما.. ويعود ليجد متجره كما تركه.. وأحيانا يجد أن جاره قد قام ببيع حاجة ما وترك له ثمنها في “الشكماجة”.

وأحمد الله على أنني عاصرت زمنا يقول فيه التاجر لزبون له: “لو سمحت تشري هالحاجة مش مني ولكن من دكان فلان لأنه مازال ما استفتح..” أي ما زال ما باع شيء”..

أحمد الله أنني شاهدت كيف اجتمع أصحاب المحلات ليجمعوا التبرعات من أجل صيانة عاجلة لمحل زميل لهم قد احترق أثناء ذهابه للحج.. ليعود فيجده كما تركه تماما.

أحمد الله أنني عشت في بيوت تفتح أبوابها عند الصباح ولا تغلقها إلا بعد المغرب لا يسترها عن الشارع سوى “رواق” .. ستارة قماشية .. ولا يوجد حديد على النوافذ أو الأبواب ..

أحمد الله.. على أنني عشت زمنا لم نكن نعرف فيه الرشوة مطلقا.. ولا الاعتداء على أملاك الغير.. وكان المرء يتحصل على جواز سفره أو رخصة القيادة أو التأشيرات بيسر وسهولة، زمنا كنا نحترم فيه النساء وكبار السن.. حتى أننا كصبية كنا نتوقف عن تكملة مباراة كرة القدم حتى تعبر المرأة أو الشيخ.. ثم نكملها.. وكان انتهار من أي كبير في السن كاف لنوقف نحن الصغار خصامنا وشجارنا.

هناك صور أخرى كثيرة لا مجال لذكرها الآن.. ولكن مجرد عبور البعض منها للذاكرة يترك مذاقا حلوا في خاطري وتقديرا في نفسي لتلك الأيام.. ولكنني في نفس الوقت.. أدرك أنه لا وجود لمجتمع مثالي.. وأن الخير والشر هما طبيعة إنسانية أبدية وموجودان في كل زمن.. بل وداخل كل نفس بشرية .

وأعرف أيضا أننا نعيش ظروفا قاسية وصعبة… ولكن هذه الظروف يجب أن لا تجعلنا نشوه أنفسنا، ونتنكر لتاريخنا، ونتخيل أن ليبيا كانت كما هي الآن، أو ستبقى هكذا للأبد.. فلم نكن يوما ما مجتمعا من الأوغاد واللصوص كما يعتقد البعض .

وأعرف بأنه على الإنسان أن لا يأسى على ما فاته.. وأن لا يفرح كثيرا بما أتاه.. فتقلب الأيام وتبدلها هو سنة من سنن الكون.. وأن التغيير هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذه الحياة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وزير الثقافة الليبي الأسبق

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى