الرئيسيةثقافة

عرض لمقدمة وفصل من كتاب التاريخ السري للديمقراطية

* كتب/ هشام الشلوي

كتاب (التاريخ السري للديمقراطية) لمحرريه، بنجامين عيسى خان وستيفن ستوكويل، يقدم بُعدا آخر عن دراسة حالة الديمقراطية في العالم من منظور تاريخي شمولي استقصائي، يختلف عن كثير من الأدبيات الرائجة عنها في سوقي الفكر والسياسة العالمي.

من البداية يقرر محررا الكتاب خطأ النظرة السائدة التي حصرت تاريخ وممارسة الديمقراطية في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، وأنها ميراث استمده الغرب من مدن اليونان القديمة وتقنينات الامبراطورية الرومانية، وأنها خبت لعدة قرون لتشتعل بعد ذلك مع الماغنا كارتا عام 1215 ميلادي تقريبا، وتصل إلى ما قبل ذروتها في الثورتين؛ الأميركية والفرنسية، لتنتهي إلى أرفع درجاتها بعد الحرب العالمية الثانية. هذا العرض السريع يسميه المحرران بالتاريخ القياسي للديمقراطية. وهذا المصطلح رغم رزانته يرى المحرران أنه يصادر حق الشعوب الأخرى غير الأوروبية في تقديم فصول من تاريخها دال على ماض ديمقراطي موغل في القدم.

المحرران يرفضان هذا الاحتكار غير الأمين لقصة الديمقراطية، لينطلق الكتاب بعد ذلك في هدم هذه النظرية وبناء أطر جديدة بالاستناد إلى التاريخ الثقافي والسياسي لأمم وشعوب حتى ما قبل المدن اليونانية. ينقب الكتاب عن جذور الممارسة والتطبيق الديمقراطي عند الصينيين الأوائل والهنود وعوالم الإسلام وإيسلندا في القرون الوسطى وجمهورية البندقية المبكرة وحتى في تقاليد بعض الجماعات الإفريقية.

تخطيت بعض فصول الكتاب، بعد قراءة مقدمة محرري الكتاب، وقفزت إلى دراسة بعنوان “خلف الحجاب: تاريخ الديمقراطية في الإسلام” لمحمد عبدالله وحليم رين، كوني أنتمي إلى المجال التداولي الإسلامي وثقافته وتاريخه.

كاتبا الدراسة ينطلقان من مبدأ أنه لا تعارض البتة بين مقاصد الشريعة الإسلامية وغايات الديمقراطية، فمنذ التأسيس الأول للنبي صلى الله عليه وسلم وقيادته للدولة رست معالم حكم رشيد ديمقراطي يرتكز على المساواة وحرية التعبير والمشاركة السياسية. رست هذه المعالم في سيرة النبي وخلفائه في الوقت الذي كانت أجزاء واسعة من العالم بما فيها أوروبا غارقة في ظلامية العصور الوسيطة.

المساواة

يقول كاتبا الدراسة “ومن أجل مأسسة ممارسات المساواة، وضع النبي صلى الله عليه وسلم عام 622 م دستور المدينة، وهو اتفاق رسمي مع جميع القبائل والعائلات الرئيسية المسلمة واليهودية والنصرانية والوثنية. ضَمِن الدستور الحقوق المدينة والدينية لهذه الأقليات وسمح لها بالمشاركة المتساوية في الشؤون اليومية للدولة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ويعد سابقة تاريخية مهمة لفرضيتين أثرتا في النظرية السياسية المعاصرة: أفكار العقد الاجتماعي والدستور. وما يعادل ذلك في الأهمية أنها رسّخت قيمة الموافقة والاتفاق والتعاون في الحكم …. هناك أمثلة على دول إسلامية كانت موطنا لغير المسلمين الذين شاركوا في الحكم والحياة العامة، وشغلوا أحيانا مناصب مهمة. من هذه الشخصيات الفيلسوف والشاعر والسياسي اليهودي المعروف في العبرية باسم الأمير صموئيل (أبو إسحاق إسماعيل بن النغريلة) الذي أصبح وزيرا في غرناطة إبان حكم المسلمين. وعلى مدى التاريخ الإسلامي استمر المسيحيون في شغل مناصب رفيعة في الإدارة …… لم تمتد المساواة لتشمل العبيد السابقين وأهل الكتاب وحدهم، بل النساء أيضا. ومنذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم، شاركت النساء في الغزوات، وقدّمن الرعاية للجرحى، وتحدّين الممارسات الثقافية الشوفينية، وطرحن أسئلة على النبي، وعملن في الفقه، حيث تتلمذ على أيديهن كثير من الرجال” ص 120 و 121

حرية التعبير

ينتقد الكاتبان النظرة العامة الشائعة لدى الباحثين الغربيين في دراسة الإسلام، والتي تشير إلى أن الشريعة تؤكد على الواجبات حصرا، وأن مفهوم الحقوق والحرية غريب عن الإسلام، ويشيران إلى أن “الحقوق في السياق الغربي تطورت انطلاقا من النزعة الدستورية وبوصفها جزءا من صراع مستمر بين سلطة الدولة والحقوق والحريات الفردية. لكن العلاقة بين الدولة والحقوق الفردية مختلفة اختلافا جوهريا في الإسلام؛ نظرا لأن الحقوق سابقة على تشكيل الدولة. وقد نص القرآن منذ البداية على حماية حقوق مثل الأمن والأمان وحرمة الحياة والممتلكات والكرامة الإنسانية. إضافة إلى أن الحكّام هم المسؤولون عن ضمان تحقيق االمنافع العامة ودرء الأذى والضر عن الناس” ص 122

المشاركة السياسية

يستمد الكاتبان من التاريخ الإسلامي فكرة تقول إن “النظرة السائدة بين المسلمين فيما يتعلق بالزعامة والخلافة منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تعتمد على مبادئ المساواة. ولم تقدم سوى الأقلية الشيعية الحجة على وجوب حصر الخليفة الشرعي للنبي وزعيم الأمة الإسلامية في آل بيته. لقد أكد رأي الأغلبية دوما أن أي مسلم يتمتع بالجدارة الدينية والدنيوية يستطيع قيادة الأمة إذا انتخبته أغلبية المسلمين. ولا ينتقص واقع أن الملكيات حكمت مختلف أرجاء العالم الإسلامي على مدى معظم التاريخ الإسلامي من حقيقة اعتناق العلماء والفقهاء وجمهور المسلمين هذا الرأي. تتمثل النقطة المركزية هنا في أن عملية انتخاب قائد الأمة وفقا للمنظور الإسلامي السائد اعتمدت على المشاركة الجمعية للناس، بوصفهم مواطنين متساوين في الدولة الإسلامية….. ومع أن الخلفاء كانوا يخضعون للقانون الرباني إلا أنهم انتخبوا من الشعب….. وبغض النظر عن الطريقة المستخدمة، كان المطلوب من الأمة المصادقة على اختيار الحاكم القادم” ص 125 و 126

انسجام الإسلام مع الديمقراطية

يأسف كاتبا الدراسة على حصر مبادئ الديمقراطية في التراث اليهودي المسيحي اليوناني، منتهيين إلى أن الإسلام كدين وحضارة “يقوم على مبادئ تأسيسية أصيلة ومنسجمة مع الديمقراطية…. يمكن تقديم الحجة بكل ثقة على أن الإسلام قد تمكن على صعيد المساواة أو حرية التعبير أو المشاركة السياسية أو السيادة من عرض نظريات وممارسات متّسقة مع الديمقراطية.

ويدعوان في نهاية الدراسة إلى “الحاجة اليوم إلى قراءة جديدة لتاريخ الديمقراطية، قراءة تميّز الديمقراطية بوصفها شكلا من أشكال الحكم التشاركي والتمثيلي، لكن دون حمل المضامين الغربية. ولا شك في أن مثل هذا المفهوم عن الديمقراطية ينسجم مع الإسلام ويجد فيه المسلمون معنى منطقيا مقبولا” ص 129

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى