اخبارالرئيسيةعربي ودولي

عام مضطرب ينتظر الشرق الأوسط: ضغوط اقتصادية وتذبذب سياسي

عربي 21-

نشر “معهد الشرق الأوسط الأمريكي” تقريرًا، تحدّث فيه عن الاضطرابات التي قد تعصف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سنة 2023.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته “عربي21″، إن الحرب في أوكرانيا من المرجح أن تستمر معظم السنة، ما يعني بقاء أسعار الطاقة والغذاء مرتفعة. وبينما ستكون الدول الغنية في المنطقة قادرة على إدارة هذه الضغوط والتخفيف من حدتها، ستعاني الدول التي تفتقر إلى الموارد، وكذلك الدول الفاشلة كليًا أو جزئيًا، من انعدام الأمن الغذائي. في المقابل، قد يجني المغرب بصفته أحد المنتجين والمصدرين الرائدين للأسمدة في العالم بعض الفوائد من هذه التجارة؛ بفضل القيمة المتزايدة التي ستحظى بها.

شهدت العديد من دول المنطقة اضطرابات خلال جائحة كوفيد-19، ويبدو أن الأمور لن تكون أفضل حالا خلال سنة 2023، إذ ستواصل هذه الدول الكفاح من أجل تمويل ديونها، مع إمكانية الحفاظ على أسعار الفائدة العالمية مرتفعة، وبالتالي سوف يعاني السكان مرة أخرى من آثار التضخم المرتفع، وستواجه اقتصاداتها تحديات التوقعات الاقتصادية العالمية التي ستكون راكدة في أحسن الأحوال.

نبّه الموقع إلى أن هذا الوضع سيفرض ضغوطًا خطيرة على مصر، أكبر دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث عدد السكان، إلى جانب الاقتصادات الأخرى في المنطقة، بما في ذلك المغرب وتونس والأردن وتركيا وإيران. أما اقتصاد لبنان، فهو على شفا الهاوية، بينما سيكافح العراق للاستفادة من عائدات موارده الطاقية لتلبية احتياجات شعبه الاجتماعية والاقتصادية. وفي اليمن وسوريا، سيواجه السكان سنة صعبة للغاية، وكذلك ملايين اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة.

وفي منطقة الخليج، ستشهد الدول الغنية بالنفط عامًا بارزًا من العائدات المرتفعة والتقدم السريع المستمر. ويؤكد هذا التفاوت الصارخ في حجم الثروات الحاجة الملحة لمزيد من التنسيق الإقليمي وتجميع الموارد.

ورجّح الموقع استمرار الحرب في أوكرانيا التي كانت إلى حد كبير السبب الرئيسي الذي يقف وراء ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء في جميع أنحاء العالم خلال معظم السنة. حافظ العديد من اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، مثل تركيا وإسرائيل ومعظم دول الخليج، على الحياد خلال الأزمة، الأمر الذي أثار قلق الغرب. ولكن نظرًا لأن موسكو وكييف وبعض أعضاء المجتمع الدولي يبحثون في نهاية المطاف عن طرق لإنهاء الصراع من خلال التفاوض والوساطة، فقد تكون هذه البلدان الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مفيدة من الناحية الدبلوماسية.

يُعرف الشرق الأوسط بتقلباته غير المتوقعة، وهناك ثلاثة بلدان ستشهد تطورات هذه السنة. أولا، من المقرر إجراء الانتخابات العامة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية، في تركيا في مايو، لذلك ستكون أعين العالم متجهة نحو نتائج هذه الانتخابات. ستكون إيران الساحة الرئيسية الثانية التي يجب مراقبتها لما تعيشه من احتجاجات وانتفاضات، فقد دخلت الجمهورية الإسلامية بالفعل مرحلة جديدة، ربما نهائية، من حياتها الثورية، حيث فقد النظام بشكل عام شرعيته بين غالبية الجيل الجديد، وهو ما سيحدد مستقبل إيران. لكن وفاة المرشد الأعلى أو غيرها من الأحداث غير المتوقعة قد تدفع البلاد في اتجاه غير متوقع.

أما الساحة الثالثة فستكون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. حيث تشكل الانتفاضات في الضفة الغربية المحتلة أو الاشتباكات الدامية مع قطاع غزة المحاصر خطرًا كبيرًا، لكن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، الجناح الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، يكاد يكون من المؤكد أنها ستزيد من تأجيج الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وقطاع غزة، وربما داخل الخط الأخضر. ستحتاج الولايات المتحدة ودول المنطقة التي قامت بتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى استخدام نفوذها لحث حكومة الاحتلال على اتباع مسار سلمي والعمل مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين لإيجاد حلول لوقف التصعيد.

وأضاف الموقع أن آثار تغير المناخ، من حيث درجات الحرارة المرتفعة، وندرة الموارد المائية، وأنماط هطول الأمطار غير المستقرة، ستستمر في التأثير على المناطق المعرضة للخطر والسكان في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبعد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي عقد السنة الماضية في مصر، ومؤتمر “كوب 28” المقرر عقده في الإمارات في أواخر الخريف، فإن المنطقة في وضع جيد لحشد الاهتمام المحلي والعالمي للمساعدة في تشكيل وتنفيذ خطة فعالة تساعد على انتقال نحو مصادر الطاقة النظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

انتخابات محورية في تركيا

وذكر الموقع أن الطريق أمام المعارضة في تركيا لا يزال غير واضح نتيجة انقساماتها الكبيرة ولم تحدد مرشحًا للرئاسة حتى الآن. ومع ذلك فهي تعتمد على بعض النقاط مثل: الإحباط من الأعداد الكبيرة للمهاجرين وارتفاع معدل التضخم، ومن المحتمل أن يواجه حزب الشعوب الديمقراطي احتمال حلّه قبل إجراء الانتخابات.

ستواجه المعارضة في حال فوزها مجموعة واسعة من التحديات مثل السيطرة على التضخم ومكافحة البيروقراطية، لكن ذلك لن يكون سهلاً، خاصة بسبب قلة القواسم المشتركة لأحزاب المعارضة بخلاف أنها تعارض الحكومة. وعلى الصعيد الخارجي، من المرجح أن تستمر التوترات مع اليونان وقبرص في شرق المتوسط. ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الأمريكية التركية تطورا إيجابيا مع الموافقة على عضوية فنلندا والسويد في الناتو، حيث ستظل تركيا شريكا استراتيجيا لكل من الولايات المتحدة وأوروبا.

وأشار الموقع إلى أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن يفوز أردوغان بولاية أخرى مدتها خمس سنوات، مما يساعده على ترسيخ إرثه واستكمال عملية إصلاح وتطوير المؤسسات، ومن المتوقع حصول تقدم في ملف شراء الأسلحة (خاصة مقاتلات إف-16) والمساعدة في تقديم بعض الطمأنينة للمستثمرين الأجانب. ومن المتوقع كذلك أن يستمر المسار الأساسي لتركيا بالاعتماد على الذات والرغبة في التحرر من الاعتماد على الغرب.

النظام الإيراني يواجه ضغوطًا غير مسبوقة

وأشار الموقع إلى أن سنة 2023 ستكون صعبة بالنسبة لإيران، وسيبقى النظام السياسي تحت ضغط غير مسبوق لا سيما مع يأس الشعب من أن يتغير النظام، مما سيؤدي إلى استمرار هجرة الأدمغة وهروب رأس المال حيث يتزامن ذلك مع مستويات تاريخية من التضخم والبطالة وانخفاض القوة الشرائية.

من المحتمل حدوث اضطرابات أكثر شعبية لأن الشعب لديه قائمة طويلة ومتنامية من المظالم ضد النظام السياسي الذي فقد الوطنية في جوهره واتبع سياسة خارجية إيديولوجية مكلفة للغاية. ونتيجة لذلك، وجدت إيران نفسها معزولة على المسرح الدولي وفي حالة انهيار اقتصادي. كذلك ستجد إيران صعوبة متزايدة في معالجة بعض القضايا الأكثر إلحاحًا مثل تأثيرات تغير المناخ.

وأوضح الموقع أن زعيم هذا النظام الفاشل المرشد الأعلى علي خامنئي معروف بعناده، وهو رجل يتمتع بقوة غير محدودة للقيام بما يشاء، وعليه فإنه في هذه السنة سيتابع سياسته التقليدية في قمع المتظاهرين المحليين باعتبارهم عملاء للغرب رغم التحذيرات حول انفجار عام للسكان اليائسين والغاضبين. لكن يوجد أيضًا إشارات واضحة على أن الأصوات البارزة الأخرى في النظام مستعدة لقبول تغييرات رئيسية لتلبية المطالب الشعبية. لكن طالما أن خامنئي لا يزال على قيد الحياة، فإن المدافعين عن الإصلاح الجزئي لا يمكنهم سوى تمهيد الطريق ليوم رحيله عن المشهد السياسي.

وأكد الموقع أنه من غير المرجح أن تنحسر المواجهة بين النظام والغرب، حيث أدى الفشل في التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع واشنطن وحلفائها الأوروبيين إضافة لحملة القمع الإيرانية والشراكة العسكرية مع روسيا في حرب أوكرانيا إلى خلق فهم موحد عبر الأطلسي بضرورة مواجهة سياسات طهران، وهذا يعني أن عزلة طهران ستزداد عمقًا هذه السنة مما يثير الشكوك حول فرصة التوصل إلى اتفاق نووي جديد قريبًا.

ستصر طهران على قدرتها على الصمود في وجه الأزمات، لكن تماسكها سيخضع للاختبار مرارًا وتكرارًا. وقد تختار إيران الرد من خلال تصعيد التوترات، بحيث يمكن أن تستهدف المصالح الأمريكية والأوروبية في الشرق الأوسط، مثلا من خلال إعاقة التجارة بين الغرب ودول الخليج، ولكن قد يزيد ذلك من عزلة المزيد من الدول، بما في ذلك الدول المجاورة التي عملت طهران على ترسيخها في السنوات الأخيرة كشريك اقتصادي رئيسي.

وحسب الموقع، فإن عام 2023 يمكن أن يُرسي أخيرًا فكرة خامنئي بأن روسيا والصين ستكونان شريكتان فعّالتان في تخفيف الضغط الغربي. وقد أوضحت الصين بالفعل أن علاقاتها مع إيران لن تأتي على حساب مصالحها الأخرى في الشرق الأوسط. وفي حين أن فلاديمير بوتين قد ينضم إلى خامنئي في رغبته في إنهاء ما يعتبره الرجلان هيمنة أمريكية عالمية، فإن روسيا ليست في وضع يمكنها من إنقاذ الاقتصاد الإيراني المتعثر، الذي من المرجح أن يمثّل المحاكمة الأكثر إلحاحًا لنظام خامنئي في عام 2023.

الحكومة الإسرائيلية الجديدة

إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة غير مسبوقة من حيث تركيبتها المتطرفة ونواياها السياسية المعلنة. سيزيد وصول مثل هذه الحكومة إلى السلطة احتمال حدوث تصعيد على جبهات متعددة؛ محليًا وإقليميًا. وفي حين أن التصعيد قد يكون حتميًا، فإن تسلسله وشدته يمكن أن تتشكل من خلال تصرفات الجهات الفاعلة الإسرائيلية والدولية.

يبدو أن البحث عن مخرج من محاكمته بالفساد على رأس أولويات نتنياهو. وقد حدد هذا الأمر الأحزاب التي أصبحت جزءًا من الائتلاف، وأي توجيهات سياسية يتم تقديمها أولاً. وفي الأشهر الأولى له في منصبه، من المرجح أن يروّج نتنياهو للإصلاحات القضائية التي أعلنها وزير العدل ياريف ليفين. وإذا تمت الموافقة على هذه الإصلاحات، فإن ذلك سيُولّد معارضة كبيرة ويسبب استقطابًا عميقًا داخل إسرائيل، وبالتالي فإن التصعيد الداخلي يأتي أولاً، ويبدو أنه ثمن يرغب نتنياهو في دفعه لحل مشاكله القانونية الشخصية وترسيخ سلطته.

أثناء قيامه بذلك، سيسعى نتنياهو إلى الحصول على الشرعية الدولية وتحقيق الاستقرار الإقليمي لمنحه مساحة أكبر للمناورة محليًا ومواجهة الادعاءات بأن الحكومة تضر بمكانة إسرائيل العالمية. لهذا السبب، قد يكون نتنياهو على استعداد للالتزام بخطوط حمراء معينة وضعتها إدارة بايدن (مثل ملف المستوطنات والقدس).

في البداية، سارت الأمور على الصعيد الدولي في صالح نتنياهو، حيث أبدى القادة العرب اهتمامًا بمواصلة التعاون مع حكومته، ويُقال إن زيارات البيت الأبيض ما زالت مستمرة، وأعرب الاتحاد الأوروبي عن رغبته في مواصلة الحوار رفيع المستوى الذي أطلقه مع رئيس الوزراء السابق يائير لابيد. وبينما يرفع الفاعلون الدوليون الأعلام الحمراء ويعبرون عن مخاوف حقيقية، يتبنى العديد منهم تقريبًا نهج “سير العمل كالمعتاد”، في انتظار معرفة ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستتخذ إجراءات بشأن القضية الفلسطينية.

وأوضح الموقع أن نية نتنياهو كانت على ما يبدو التأكد من أنه في حال حدوث تصعيد على الجبهة الفلسطينية، فإنه لن يأتي إلا كخيار ثانٍ. ومع ذلك، فإن التدهور الأمني الأخير يشير إلى أن مثل هذا التصعيد يحدث بالفعل، حتى لو كان ذلك غير مقصود، وقد يتصاعد بسرعة. وقد يكون التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني حافزًا لنوع ثالث من التصعيد الإقليمي. فإذا حدث ذلك، ستجد الدول العربية والإسلامية صعوبة في الحفاظ على المستوى الحالي للعلاقات مع إسرائيل. ومن المرجح أن تستجيب الدول الإقليمية بطرق مختلفة، اعتمادًا على طبيعة الصراع الذي سينشب، بينما تحاول التمسك بالمصالح الناجمة عن العلاقات المتزايدة مع إسرائيل.

من جهته، قد يسعى نتنياهو، الذي يعتز بإنجازاته الإقليمية ويسعى لتوسيع “اتفاقيات أبراهام”، إلى خلق تصعيد إسرائيلي فلسطيني لزعزعة تحالفه. وإذا حدث التصعيد بعد الموافقة على الإصلاح القانوني المطلوب، وإذا كان بإمكانه إلقاء اللوم على شركائه اليمينيين المتطرفين في الائتلاف، فقد يسعى لاستبدال حزب متطرف في حكومته بحزب وسطي. وسوف يروّج لها كخطوة لاستعادة الأمن وحماية العلاقات الإسرائيلية العربية، وهو إطار قد يلتزم به الوسطيون ذوو التوجهات الأمنية الساعين إلى “إنقاذ إسرائيل”.

سنة صعبة على الفلسطينيين

كانت سنة 2022 صعبةً وعنيفةً بشكل خاص بالنسبة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لكنه قد يكون استعراضا تمهيديا للمخاطر القادمة في سنة 2023. استشهد أكثر من 200 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، على أيدي القوات الإسرائيلية والمستوطنين على مدار سنة 2022، بما في ذلك 152 في الضفة الغربية، مما يجعلها السنة الأكثر دموية للفلسطينيين منذ نهاية الانتفاضة الثانية في 2005.

ولفت الموقع إلى أن هذه الاتجاهات تشير، جنبًا إلى جنب مع تنصيب الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، إلى أن سنة 2023 من المرجح أن تكون أسوأ خاصة بالنسبة للفلسطينيين وكذلك للإسرائيليين. وحتى مع استمرار وجود خطر حدوث تصعيد آخر في قطاع غزة، فمن المحتمل أن نشهد تصعيدًا في الضفة الغربية وربما في داخل الخط الأخضر أيضًا، حيث ازداد العنف الإسرائيلي بشكل حاد منذ تولي حكومة نتنياهو الجديدة السلطة، واستشهد أكثر من 30 فلسطينيًا منذ بداية هذه السنة، بينهم 11 في يوم واحد نتيجة هجوم الجيش الإسرائيلي الدامي في الثالث من يناير، وشهد مخيم جنين للاجئين 26 مداهمة.

من المرجح أن يستمر النشاط المسلح للجماعات الفلسطينية المشكّلة حديثًا مثل مجموعة عرين الأسود وكتيبة جنين، مما يشكل تحديات أمنية خطيرة للجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية وتنسيقها الأمني المستمر مع الاحتلال الإسرائيلي. وحتى الآن، تركزت معظم الاشتباكات المسلحة في مناطق شمال الضفة الغربية في نابلس وجنين. ولكن مع تزايد عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين، يمكننا أن نرى المزيد من الهجمات على المدنيين الإسرائيليين، التي بدورها يمكن أن تؤدي إلى قمع أوسع وأكثر وحشية للفلسطينيين.

ومع استمرار الضمّ الفعلي من خلال المشروع الاستيطاني الإسرائيلي المتوسع باستمرار في الضفة الغربية والقدس المحتلة، تجلب الحكومة الإسرائيلية الجديدة أيضًا خطرًا متزايدًا من الضم بحكم القانون. وفي حين أنه من غير المحتمل أن نرى إعلانًا رسميًا عن الاستيلاء على بعض أو كل الأراضي المحتلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى إدانة دولية فورية، فإن اتفاقية الائتلاف للحكومة الجديدة تسمح بانزلاق أكثر دقة نحو الضم القانوني عن طريق نقل السلطات الرئيسية ذات الصلة بالاحتلال من وزارة الدفاع للسلطات المدنية، التي أوكلت إلى وزير المالية سموتريتش.

وأضاف الموقع أن الركود السياسي والمؤسسي المستمر لسنوات مصحوبًا بتزايد الفساد والاستبداد وتضاؤل الآفاق الاقتصادية والمالية كلها عوامل أدت إلى إعاقة فعالية السلطة الفلسطينية واستنزاف شرعيتها المحلية. ومن المرجح أن تؤدي التطورات الأخيرة على الأرض وفي السياسة الإسرائيلية إلى تسريع هذه الاتجاهات، مما سيؤدي إلى زيادة إضعاف السلطة الفلسطينية وربما تسريع انهيارها.

وأشار الموقع إلى أن المشاكل الاقتصادية للسلطة الفلسطينية مزمنة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الانخفاض الكبير في المساعدات الدولية على مدى العقد الماضي ووقف الاحتلال المليارات من التحويلات الضريبية التي تم جمعها نيابة عن الفلسطينيين. في غضون ذلك، فإن قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقطع التنسيق الأمني مع إسرائيل رداً على الهجوم على مخيم جنين، الذي من المرجح أن يؤدي إلى اندلاع مزيد من الإجراءات الانتقامية من قبل إسرائيل، يلقي بمزيد من ظلال الشك على مستقبل السلطة الفلسطينية.

الديناميكيات الاقتصادية العالمية تولّد توقعات مقلقة لسنة 2023

ذكر الموقع أن قلة من الناس كان لديهم آمال كبيرة بشكل خاص في سنة 2022 على الجبهة الاقتصادية، إلا أن الأمل في تحسن الأوضاع لا يزال ضعيفًا مع تلاشي التوقعات المتواضعة بشأن حدوث انتعاش تدريجي بعد التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير.

قفز التضخم العالمي إلى ما يقرب من 9 بالمئة في سنة 2022، ليتضاعف تقريبًا عن السنة السابقة. وفي حين أنه من المتوقع أن ينخفض إلى 6.5 بالمئة هذه السنة، فإن التوقعات لا تزال مقلقة للغاية خاصة بالنسبة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، التي تعاني نتيجة أزمة تكلفة المعيشة العالمية، مع عدم وجود حل محتمل في المستقبل المنظور. ويقدر صندوق النقد الدولي أن النمو العالمي سيستمر في التراجع من 3.2 بالمئة في 2022 إلى 2.7 بالمئة في 2023، وهذا أدنى مستوى له منذ ما يقارب العقدين.

وأشار الموقع إلى أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تأثرت بدرجات متفاوتة في سنة 2022، حيث أدى التباطؤ العالمي إلى انخفاض الوصول إلى تمويل السوق واضطرابات سلسلة التوريد، وأدى ارتفاع تكاليف الطاقة إلى ارتفاع أسعار الغذاء، أو أي شيء يتطلب النقل؛ كما أن التضخم وما نتج عنه من ارتفاع في تكلفة المعيشة جعل الحياة بائسة بالنسبة لغالبية سكان المنطقة.

في المقابل، بقيت دول الخليج الأكثر ثراءً فقط محمية إلى حد كبير، بفضل أسعار الطاقة المرتفعة نفسها التي أثبتت أنها تمثل مشكلة كبيرة لجيرانها. لكنها قد تتأثر بالتخلص التدريجي النهائي من الوقود الأحفوري، وهو ما يعني أنه كان على دول الخليج أن تكون أكثر حذراً بشكل ملحوظ فيما يتعلق بأموالها، التي تُرجمت مؤخرا إلى تدفقات رأس مال أقل وأكثر تحكمًا إلى بلدان أخرى، وهي نقطة أكدها وزير المالية السعودي محمد الجدعان في تصريحاته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس منتصف يناير 2023.

يمكن رؤية أحد أوضح الأمثلة على هذه السياسة الجديدة في مصر، التي كانت منذ فترة طويلة من أكبر المتلقين للمساعدات والاستثمارات الخليجية، وقد تمكنت من تحمل التداعيات الاقتصادية للوباء، كونها الدولة الوحيدة في المنطقة التي حافظت على نمو إيجابي في سنة 2020. ومع ذلك، فإن التداعيات الكلية لسنة 2022 من الوباء والحرب في أوكرانيا أثبتت أنها أكثر من اللازم بالنسبة لاقتصاد في حاجة ماسة إلى إصلاحات هيكلية. قفز التضخم إلى أكثر من 20 بالمئة، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق. وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وشحّت احتياطيات العملة الأجنبية بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية والمشاريع الضخمة المكلفة في البلاد.

بعد أشهر من المفاوضات، وافق صندوق النقد الدولي على منح قرض لمصر، هو الرابع في ستة أعوام. تضمنت الشروط تعويم الجنيه المصري ما تسبب في ضغوط هائلة على الاقتصاد والمواطنين المصريين، وهو من المرجح أن يمثل التحدي الأكثر إلحاحًا للحكومة في سنة 2023.

بحسب الموقع، سيكون للحرب في أوكرانيا أيضًا عواقب وخيمة على الاقتصادات النامية. لقد ضخت الولايات المتحدة وحدها ما يقارب 100 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا وقدم الاتحاد الأوروبي نفس المبالغ. ومن الواضح أنه من المستحيل معرفة ما إذا كانت هذه الأموال قد تم تخصيصها في الأصل لمستلمين آخرين، ومن شبه المؤكد أن الدول النامية، التي يعتمد الكثير منها على المساعدات والتمويل الغربيين، ستتأثر بشكل مباشر. أضف إلى ذلك حقيقة أن السياسة النقدية العالمية قد شهدت ارتفاعًا في أسعار الفائدة وانخفاض تمويل السوق وأن الصورة الاقتصادية تبدو قاتمة بشكل متزايد بالنسبة للعديد من البلدان النامية في سنة 2023.

مع ذلك، سيتعيّن على المراقبين خلال سنة 2023 التعامل مع أكثر من مجرد تغييرات في السياسة النقدية وتحالفات جيوستراتيجية متغيرة. تسبب تغير المناخ في إحداث فوضى في جميع أنحاء العالم في سنة 2022 ومن المرجح أن يحدث ذلك مرة أخرى هذه السنة. فالدول التي لا تمتلك المال ولا البنية التحتية للتعامل مع آثار تغير المناخ، ستعاني بشكل كبير. في حين أن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لسنة 2022 في شرم الشيخ أسفر عن صفقة تاريخية بشأن صندوق للخسائر والأضرار للبلدان المعرضة للخطر، فإنه لم يتم إنجاز الكثير فيما يتعلق بانبعاثات الغازات الدفيئة. وبالنظر إلى حقيقة أن معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، باستثناء دول الخليج، هي اقتصادات زراعية، فإن تغير المناخ يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار.

هل سيحد الانكماش الاقتصادي العالمي من نشاط السياسة الخارجية السعودية؟
أفاد الموقع بأن الأسئلة المتعلقة بالاقتصاد العالمي تحدت معنويات المستثمرين في الأشهر التي أعقبت قرار “أوبك بلس” في أكتوبر خفض إنتاج النفط. وإذا تحققت المخاوف من حدوث ركود عالمي، فقد يكون التأثير المحتمل على السياسات والبرامج السعودية الخارجية والمحلية كبيرًا. ونظرًا لأن ما يقارب نصف ناتجها المحلي الإجمالي يعتمد على النفط، فمن المرجح أن يؤدي التباطؤ العالمي المستمر إلى دفع الميزانية السعودية إلى الخطر. سيواجه ولي العهد محمد بن سلمان الحاجة إلى إعطاء الأولوية بين نفقات المملكة على الدفاع والأمن والتنمية الاقتصادية ومشاريع مهمة مثل “نيوم” ودوري “ليف غولف”.

وبالمثل، يمكن أن يؤثر الانكماش الكبير على أولويات السياسة الخارجية السعودية. قد يؤدي تشديد سوق التصدير إلى تعارض المصالح الاقتصادية السعودية والروسية لتتجدد حرب الأسعار التي شهدتها آخر مرة في ربيع سنة 2020. ويمكن أن يؤدي الانخفاض الناجم عن الركود في الطلب العالمي على الطاقة مرة أخرى إلى دخول السعودية وروسيا منافسة مباشرة، خاصة إذا كانت صادرات النفط الروسية تهدد بخفض حصتها في السوق السعودي. سيكون السعوديون عرضة بشكل خاص لتأثيرات التخفيضات الروسية على أسواقهم الآسيوية الهامة في الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. وقد يؤدي الضغط على الميزانية السعودية إلى تراجع مبادرات السياسة الخارجية الإقليمية المبنية بشكل كبير حول دبلوماسية الريال.

قد يكون الهدف المباشر لإصلاح السياسة السعودية هو مصر، التي قاومت حتى الآن تلبية مطالب المجتمع الدولي بإجراء إصلاحات واسعة، بما في ذلك قبول الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي مقابل قرض بقيمة 3 مليارات دولار.

الضغوط الاقتصادية الحادة والمواقف الجيوسياسية في شمال أفريقيا

في جميع أنحاء شمال أفريقيا، من المرجح أن تؤدي الضغوط الاقتصادية التي تراكمت في أعقاب الانتعاش الهش بعد الوباء وتضخم أسعار السلع الناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية الطاحنة إلى اضطرابات اجتماعية بينما تسعى الحكومات الإقليمية إلى تعزيز مرونتها.

تشهد تونس أزمة اقتصادية أكثر حدة من الأزمة التي ساهمت في ثورة 2011. وفي ظل حكم الرئيس قيس سعيّد، ارتفعت نسبة البطالة بين الشباب إلى 38 بالمئة مع عدم وجود أي مؤشر على تراجعها، وتجاوز التضخم 10 بالمئة سنوياً، وتواجه الحكومة والشركات الكبرى المملوكة للدولة حالات إفلاس. والاتفاق المرتقب مع صندوق النقد الدولي وصلت الآن إلى طريق مسدود، والثقة في قدرة تونس على إيجاد مخرج من هذه الهاوية الاقتصادية منخفضة. ومن المرجح أن يؤدي نهج سعيّد الاستبدادي والميل لنظرية المؤامرة إلى تأليب السكان الذين يعانون من ضائقة اقتصادية ضد حكمه. وهذا يجعل تونس أكثر دول شمال أفريقيا عرضة للاضطرابات الاجتماعية وعدم استقرار سياسي محتمل.

وتشير الظروف الاقتصادية في البلدان المجاورة إلى اضطرابات محتملة خلال الأشهر المقبلة: تُقدّر نسبة البطالة بين الشباب في ليبيا بنسبة 50 بالمئة، والجزائر بنسبة 32 بالمئة، ومصر بنسبة 24 بالمئة. تمكنت الحكومتان الليبية والجزائرية من استخدام الدخل من صادرات النفط والغاز الطبيعي للتخفيف من التضخم المحلي. لكن في ليبيا، يُقال إن كبار المسؤولين يناقشون دمج الجماعات المسلحة في البلاد في قوة أمن وطني واحدة التي من شأنها أن تحل محل الحكومتين الليبيتين المتنافستين الحاليتين، مع تمديد “حالة الطوارئ” من ستة أشهر إلى سنة في فترة انتقالية أخرى. وقد يؤدي هذا التحرك إلى تجدد الصراع على الأرض وخطر التقسيم.

وأشار الموقع إلى أن البرامج الاجتماعية للحكومة الجزائرية ستحميها قليلاً من الغضب الشعبي؛ مما يؤجل التدابير الاقتصادية التي تحتاجها البلاد. وفي المغرب، أدى تأثير ارتفاع التضخم على السكان ذوي القوة الشرائية المنخفضة إلى إنهاك معظم المواطنين. ومع ذلك، فإن سنوات من السياسات النقدية المدروسة والاستخدام السليم للهامش المالي تعزز المرونة السياسية للبلاد.

فيما يتعلق بالجغرافيا السياسية، من المرجح أن تشهد سنة 2023 استمرار حكومات شمال أفريقيا انخراطها بالعمل الإقليمي. فعلى سبيل المثال، أرسلت ليبيا ما يقارب مائة شاحنة محملة بالتبرعات من المواد الغذائية الأساسية مثل السكر والزيت والدقيق والأرز إلى تونس. ومن المرجح أن تعزز الجزائر انتشارها الدبلوماسي الإقليمي لأنها تتمتع بنفوذ جيوسياسي إضافي يأتي من صادراتها من الغاز. وأخيرًا، من المحتمل أن تتفاقم التوترات بين المغرب والجزائر، على الرغم من أنها محصورة بالمجال الدبلوماسي، مما يزيد من استقطاب المنطقة، ويزيد من تفاقم الدوافع الأخرى لعدم الاستقرار الإقليمي.

سوريا تواجه حالة جديدة من عدم الاستقرار

وفقاً للموقع، مع دخول سوريا سنة 2023، لا تُظهر النزاعات المتعددة في جميع أنحاء البلاد أي علامات على الانحسار. وفقًا لمعظم الروايات، فإن جميع جوانب الأزمة السورية تقريبًا في حالة ركود مع عدم وجود أي بصيص أمل يلوح في الأفق. ومع ذلك، هناك ديناميكية واحدة تتدهور بشكل ملحوظ ويبدو أنه سيكون لها تأثير تبعي على التطورات في سوريا في سنة 2023: الاقتصاد.

في حين أن أزمة السيولة في لبنان ووباء كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا كان لها آثار وخيمة على الاقتصاد السوري المنهار بالفعل في السنوات الأخيرة، فقد ساءت الظروف بشكل كبير منذ أواخر سنة 2022 بسبب قرار إيران مضاعفة سعر الوقود المقدم للنظام السوري وشرط الدفع المسبق نقدًا. مع بداية فصل الشتاء، كان للانخفاض الحاد الناتج في إمدادات الوقود آثار كارثية مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، وأصبحت خدمات النقل باهظة التكلفة؛ وانخفضت إمدادات الكهرباء في العاصمة دمشق إلى ساعة أو ساعتين في اليوم.

وفي خضم هذا الانهيار الاقتصادي، ظهر نظام الأسد كدولة مخدرات ذات أهمية عالمية. في سنة 2021، تم الاستيلاء على ما لا يقل عن 5.7 مليار دولار من الكبتاغون سوري الصنع في الخارج، الذي يعتقد مسؤولو المخابرات الإقليمية أنه لا يمثل سوى 5-10 بالمئة من إجمالي التجارة. قد يشير ذلك إلى أن قيمة إنتاج الكبتاغون لسنة 2021 كان على الأقل 57 مليار دولار، أكثر من 20 ضعف الميزانية الوطنية، بينما تشير بيانات سنة 2022 إلى أرقام أعلى.

بينما يواجه السوريون مستقبلا اقتصاديا مجهولا، فإن ثروة النخبة السياسية تزداد أكثر من أي وقت مضى، ولا يتمتع الشعب بأي فلس منها. ومع أن الأزمة السورية المتنامية كانت تعزز بالفعل قبضة أمراء الحرب واقتصاد الحرب المدفوع بالفساد والجريمة المنظمة، إلا أن الآثار المشتركة لانهيار تجارة الكبتاغون والانهيار الاقتصادي قد فاقمت الوضع إلى حد كبير.

بصفتها الفاعل المركزي في تجارة الكبتاغون، أصبحت الفرقة الرابعة السورية، بقيادة شقيق بشار الأسد ماهر، تتمتع بنفوذ قوي. وبدعم من عائدات المخدرات، أطلقت حملة تجنيد لتعزيز العشرات من نقاط التفتيش على طول الطرق الرئيسية في سوريا التي تربط لبنان بدمشق والجنوب، وكذلك الساحل المؤدي إلى حمص وجنوبًا باتجاه الأردن وشرقًا باتجاه العراق.

احتمال ضئيل للتغيير في الدول الهشة لبنان والعراق

ذكر الموقع أن الدول التي تقع في فخ الهشاشة تجد صعوبة في الخروج من هذا المأزق، وذلك على حد تعبير تيم بيسلي وبول كوليير في تقريرهما الصادر في أبريل 2018 بعنوان “الهروب من مصيدة الهشاشة”. وجاء في هذا التقرير “عادة ما تكون المجتمعات الهشة محاصرة في مجموعة الخصائص المتشابكة مما يجعل من الصعب تحقيق تقدم مستدام”.

وفي تقرير نشره معهد بروكينغز في سنة 2019 بعنوان “نهج جديد لهشاشة الدولة”، يطرح بول كوليير قضية أن الهروب من مصيدة الهشاشة يتطلب العمل مع مؤسسات الدولة المستعدة والقادرة على تنفيذ التغيير واستغلال “اللحظات المحورية للفرص” لتحقيق ذلك. ومن غير المحتمل أن يكون العراق ولبنان قادرين على تحقيق أي من هذين الشرطين في أي وقت قريب، حتى في سنة 2023. وقد أثبتت النخب السياسية في كلا البلدين مرارًا وتكرارًا عدم استعدادها لتنفيذ السياسات التي تعالج دوافع هشاشة الدولة.

وأورد الموقع أنه عندما لا يكون لدى النخب السياسية ومؤسسات الدولة نية لسن وتنفيذ سياسات يمكن أن تغير الوضع الراهن بطريقة تحويلية، فليس هناك الكثير مما يمكن للمجتمع الدولي فعله لتغيير هياكل الحوافز الخاصة بهم. ويعتبر لبنان أبرز مثال على ذلك. فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية في أكتوبر 2019، لم تُسفر العقوبات ولا المساعدات المالية عن أي تغيير ملحوظ في سلوك النخب السياسية.

وفي كل من لبنان والعراق، قمعت النخب السياسية الاحتجاجات باستخدام القوة القسرية لمؤسسات الدولة والميليشيات التابعة لها. وتعمل الديناميكيات الإقليمية على مضاعفة العوائق السياسية والهيكلية المحلية للتغيير، مما يساعد على إدامة حالة الهشاشة في العراق ولبنان.

ونوّه الموقع بأن الدول الهشة عرضة للصراع، خاصة دول مثل العراق ولبنان التي عانت بالفعل سنوات من الصراع الداخلي. والمحتمل ألا يستمر الجمود السياسي القائم حاليًا في العراق. وفي الواقع، يحتج العراقيون بالفعل على الأوضاع الاقتصادية التي ساءت رغم ارتفاع أسعار النفط. وفقد الدينار العراقي سبعة بالمئة من قيمته منذ نوفمبر الماضي.

لم تحرز حملة رئيس الوزراء ضد الفساد الكثير من التقدم. ومن المرجح أن تزداد العلاقات بين بغداد وأربيل سوءًا في ضوء حكم المحكمة الفيدرالية العراقية العليا بأن التحويلات المالية الشهرية إلى حكومة إقليم كردستان “غير قانونية وغير دستورية”. ومن المحتمل أن تتحول التوترات السياسية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى أعمال عنف. وفي لبنان، قد تؤدي الأزمة الاقتصادية الخارجة عن السيطرة والشلل السياسي إلى دفع البلاد إلى دائرة جديدة من العنف.

باكستان تتجه نحو سنة مضطربة سياسيًا

تعاني باكستان من العديد من المشاكل. إلى جانب التضخم المرتفع ونقص الغذاء والتخلف عن سداد الديون السيادية وتزايد العنف، يشهد نظامها السياسي في سنة 2023 مواجهة شديدة الخطورة بين النخب السياسية، مما أدى إلى شلل حكومي وتراجع حاد في الإيمان بالمؤسسات الديمقراطية.

وأضاف الموقع أن السياسة المضطربة والمتقلبة ليست جديدة على باكستان، ولكن يبدو أن توافقها مع الأزمات الاقتصادية والإنسانية والأمنية قد جعل الصعوبات الحالية في البلاد أكثر وجودية من أي وقت مضى. كما أن التحديات التي تواجه هذه الدولة الإسلامية ذات الموقع الاستراتيجي والمسلحة نوويًا تمتد أيضًا إلى علاقات باكستان مع جيرانها الإقليميين ودول أخرى.

كما يراقب عدد من الفاعلين الدوليين عن كثب التطورات السياسية في باكستان. وأعربت العديد من الدول عن قلقها بشأن قدرة باكستان المفككة والمشلولة سياسيا على مواجهة التحدي المتزايد المتمثل في التطرف المتشدد. والعديد من دول الخليج التي لجأت لسنوات إلى الجيش الباكستاني لتوفير أمن النظام وتقدير الدور الدبلوماسي الإقليمي لإسلام أباد تحتاج إلى ضمانات لاستقرار باكستان سياسيا. وكذلك يفعل المجتمع المالي الدولي، إلى جانب السعوديين والصينيين وغيرهم، الذين استثمروا بكثافة في باكستان.

من المحتمل أن تحمل سنة 2023 إجابة للعديد من التساؤلات المعلقة. ومن بينها، هل يمكن للنظام السياسي الباكستاني الهش أن ينجح في احتواء العنف الانتخابي؟ هل يفي الجيش بوعده بالامتناع عن التدخل في العملية الانتخابية؟ هل يمكن لانتصار ساحق من قبل شعبوية خان المؤامراتية إعادة ضبط السياسة بطريقة تضع باكستان على مسار أكثر استبدادية؟ ما هو أقل إثارة للجدل هو أن باكستان أمامها طريق طويل لتقطعه لإنشاء نظام سياسي مستقر وفعال، وحتى أكثر من ذلك لخلق ثقافة سياسية ديمقراطية.

سنة لاحقة للالتزامات المناخية

تتركز جميع حلول السياسة المناخية في سنة 2023 على مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في دورته 28، الذي ستستضيفه الإمارات في نهاية السنة. يهدف المؤتمر إلى توضيح الوضع الحالي لجهود التخفيف من متوسط الاحتباس الحراري العالمي طويل الأجل إلى أقل من 2 درجة مئوية. إلى جانب ذلك، سيقيم المؤتمر أيضًا القدرة الجماعية للدول لتكون قادرة على الصمود في وجه تغير المناخ من خلال تنفيذ المبادرات التي تظهر انخفاضًا في قابلية التأثر بالمناخ – مثل التكيف والتمويل والتكنولوجيا الخضراء.

ومع هذه القضايا المتعلقة بتمويل المناخ التي لم يتم حلها، نحن الآن في نقطة استحقاق الالتزامات. لم يعد من الممكن اعتبار عقد صفقات التمويل وتأمين التعهدات إنجازات كافية بينما لا يزال هناك تمويل غير كاف لإدارة وتنفيذ المبادرات التي تظهر نتائج ملموسة في التكيف مع المناخ أو التخفيف من آثاره.

أزمات أمريكا المستمرة والتركيز على الشرق الأوسط

في سنة 2022، بدأت الولايات المتحدة سياسة انخراط محدودة في الشرق الأوسط، حيث سلطت زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة في يوليو الضوء على أهمية المنطقة كساحة لمنافسة جيوسياسية أوسع مع الصين وروسيا.

لكن بحلول سنة 2023، طُرحت العديد من التساؤلات حول أولويات الولايات المتحدة في المنطقة. والسؤال الأهم هو ما مدى أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للحرب الجارية في أوكرانيا، والتعامل مع دور الصين على المسرح العالمي، وقضايا الأمن العالمي مثل تغير المناخ.

وحسب الموقع، تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العديد من الضغوط والتهديدات، والتي تشمل نظام دولة هش، وتحديات الأمن البشري الملحة مثل الطاقة والأمن الغذائي، وشكوك عميقة في السياسات الداخلية للعديد من الدول الرائدة في المنطقة، بما في ذلك تركيا وإسرائيل، والضغوط التي تلوح في الأفق من ركود عالمي محتمل في السنة المقبلة.

بالإضافة إلى هذه التحديات، أظهرت الأسابيع الأولى من سنة 2023 بالفعل كيف يمكن للأزمات والتوترات قصيرة المدى أن تتجاوز بسهولة أي أجندة استباقية قد تسعى واشنطن إلى تبنيها في سياستها الخارجية ودفعها نحو وضع رد الفعل وإدارة الأزمات.

تسلّط زيارات كل من مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ومدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى منطقة الشرق الأوسط في مطلع سنة 2023، الضوء على رغبة البلاد في البقاء منخرطة في المنطقة وعلى الشكوك المستمرة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تتبنى خطة متماسكة للعمل مع شركاء في المنطقة يتشاركون نفس الأولويات.

وهناك سؤال مركزي يجب على صانعي السياسة الأمريكيين طرحه: هل تقود الولايات المتحدة أجندة تعزز مصالحها وقيمها، أم أنها مجرد رد فعل على أجندات جهات فاعلة مختلفة من داخل المنطقة وحول العالم؟ في الوقت الحاضر، يبدو موقف الولايات المتحدة تفاعليًا إلى حد كبير، ولا يبدو أن العناصر المختلفة للأجندة الاستباقية متزامنة مع بعضها البعض أو مع الجهود المبذولة للاستجابة للأزمات اليومية التي تظهر. وعموما، تلوح في الأفق العديد من التساؤلات حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى