اخبارالرئيسيةعيون

سكان الجبل الغربي في ليبيا بين شح الأمطار وانتظار الدولة

العربي الجديد-

أخيرا أمطرت السماء في الجبل الغربي بليبيا، بعد أربع سنوات من القحط الذي أصاب الأراضي بالجفاف، وجعل أشجار الزيتون تهرم، فهل ينهي هذا الغيث الذي سالت مياهه في أودية الجبل الغربي، وتدفق إلى البحر شمالاً، مأساة السكان مع المياه؟
تمتد سلسلة الجبل الغربي نحو 80 كيلومترا من مدينة غريان، كبرى مدن الجبل جنوبي طرابلس، وصولا إلى قرب مدينة نالوت (جنوب غرب) المحاذية للحدود مع تونس.

وتزحف السلسلة جنوباً نحو شبه صحراء الحمادة الحمراء ومدينة غدامس، عند المثلث الليبي التونسي الجزائري. ويعتمد سكان الجبل الغربي على الزراعة البعلية والرعي وبعض الحرف، علماً أن المنطقة يسكنها نحو نصف مليون مواطن.
ويقول أحمد شنيب من مدينة غريان لـ”العربي الجديد”: وصل شح المياه حتى إلى الأشجار التي تحتمل غياب المياه فترات طويلة، مثل أشجار الزيتون، وأخرى كان مصيرها أسوأ وبينها أشجار التين التي تشتهر بها المنطقة التي تحوّلت إلى حطب، ولم تنج منها إلا تلك المزروعة خلف أفنية المنازل التي تتواجد فيها آبار خاصة، أما تلك التي في المزارع البعلية فتدهور وضعها بشكل كبير”.
ولم تتأثر الأشجار وحدها بشح المياه بل محاصيل الشعير أيضاً، ما أضرّ مباشرة بمربي المواشي. ففي السابق كان الاعتماد على المراعي الخضراء في الربيع والقش في أول الصيف حتى حلول موسم حصاد الشعير الذي توفر حبوبه ومحاصيل التبن العلف المطلوب حتى قدوم الشتاء بأمطاره التي تجدد دورة العام.
ومع تراجع الدورات الزراعية المرتبطة بهطول أمطار الشتاء بشكل كبير خلال السنوات الأربع الأخيرة بسبب الجفاف، اعتاد محمد العزابي، أحد مربي الأغنام، شراء الأعلاف الصناعية الجاهزة لأغنامه حتى خلال فصل الربيع، وهو ما لم يكن يحدث سابقاً بهذه الطريقة، بحسب ما يؤكد لـ”العربي الجديد”.
وإلى جانب مياه الأمطار، توفر آبار جوفية ينحصر وجود غالبيتها في الأودية المياه لمدن وبلدات الجبل، لكن مخزونها تراجع أيضا وأصبح لا يكفي، ما اضطر سكان هذه المدن إلى الاتفاق على توزيع المياه بينها لتخزينها في صهاريج منازلهم من أجل استخدامها للشرب فقط.
وبسبب تراجع المياه الجوفية واضطرار سكان هذه المناطق إلى تبادل توزيع مياه الآبار الجوفية في الأودية التي تربط بين مناطقهم، يشتكي صالح فليفل، أحد سكان منطقة الرحيبات بالجبل الغربي، من عدم التفات السلطات إلى أزمة المياه في مناطق هذا الجبل، ويقول لـ”العربي الجديد”: “لا تكفي مياه البلدية التي تأتي ساعات قليلة أسبوعيا، وليس في كل المناطق، خصوصا تلك المرتفعة حيث يتواجد منزلي، لذا ألجأ إلى الحل الأخير، وهو شراء مياه من آبار خاصة تتشكل من الحفر في الصخور التي تتدفق المياه إلى أحواضها بطريقة الرشح، ما يجعلها لا تحتوي كميات كافية. وأنا لم أعد أفكر في توفير مياه للرعي بل لحصول أسرتي على مياه للشرب”.

ويوضح العزابي أن “الآبار الصخرية لا تستطيع تعبئة أكثر من عشرة صهاريج سعة الواحد منها 12 ألف ليتر يوميا، ما جعل سعر صهريج الماء يُباع في المناطق القريبة بـ 80 دينارا (16.5 دولارا)، وبأضعاف هذا المبلغ في المراعي”.
إلى ذلك، يشير رئيس ديوان بلدية الرحيبات، محمد المالطي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن استكمال إمدادات مشروع النهر الصناعي، المصدر الأكبر للمياه في البلاد، إلى الجبل الغربي “يحتاج إلى عودة الدولة أولاً”.

وفي التسعينيات من القرن العشرين، استقبلت ليبيا أول دفعات المياه قادمة من أقصى الجنوب الغني بالمياه الجوفية، عبر منظومة النهر الصناعي، لكنها لم تصل إلى غالبية مناطق الجبل الغربي، إذ كان العمل جارياً لإنهاء خزان الرحيبات الضخم الذي يغذي كامل الجبل عندما توقف المشروع بسبب مغادرة الشركة الأجنبية المنفذة عام 2011. وما جرى تنفيذه من مراحل المشروع يغطي بعض مناطق غريان والأصابعة.

وبحسب المالطي “كان يفترض أن يتغذى الجبل الغربي من مجموعة آبار عميقة وغنية بالمياه في حوض غدامس، لكن إيصالها إلى التجمعات السكنية والزراعية يمثل تحدياً في ظل شبه غياب للدولة. والحل يشمل محاولة ربط بعض هذه الآبار بالمدن من دون انتظار الدولة، ومدينتا جادو والزنتان تسعيان إلى ربط شبكتيهما بتلك الآبار من دون انتظار موافقة ودعم الدولة، أما المناطق الأخرى فلا حل بالنسبة لها إلا انتظار الغيث”.
وفي الأول من يناير الجاري، استبشر سكان الجبل الغربي كما أولئك في باقي مناطق ليبيا بالأمطار الغزيرة التي هطلت، لكنها لم تدم إلا يومين اثنين، لذا لم يتأكد سكان الجبل الغربي بعد من جدوى موسم هذا العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى