الرئيسيةالراي

رأي- لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها!

* كتب/ خليفة البشباش،

ميدان الشهداء هو المساحة الأخيرة المفتوحة للبشر في بلد وصلت فيه علاقة الناس بسياراتهم إلى نوع من “الحلولية” والاندماج الكامل، فيها يأكلون وفيها يشربون ويقضون -طوعا تارة وكرها أخرى- جل أوقات يومهم داخلها، فترى أحدهم لا يستطيع الانفكاك عنها إلا على بعد متر واحد من “المحل” ولا يمكن أن يرضى بالابتعاد مترين آخرين حتى لو اضطره الأمر لإغلاق الشارع كليا.

المحاولات المتكررة كل عام لتحويل هذا الميدان الأخير إلى موقف سيارات لا يعكس سوى المزاج الفاسد والذائقة المنعدمة لمسؤولين عاشوا كل عمرهم في عصر “المركوب” ولم يعرفوا طيلة حياتهم معنى لكلمة تخطيط!

ونتيجة العشوائية والفوضى المقننة، باتت المربعات الإسمنتية القبيحة المتراصة تحيط بالناس من كل جانب، وتضيق بهم الأزقة والصدور حتى انك لا ترى في الطرقات سوى الوجوه العابسة والبراونتيات التي تحاول مضايقتك واختراع معركة معك بلا سبب، وأصبح منظر مجموعة من الناس يضحكون -والعياذ بالله- مع أطفالهم وعائلاتهم في ميدان ما غريبا يجب القضاء عليه، وإعلان افتكاك أماكنهم بترشيح زيوت سياراتنا على مناطق ممشاهم.

ما الذي يمكن أن يفعله المسؤول يا ترى لحل مشكلة الازدحام والعلاقة العكسية بين مساحة البلاد التي تستحوذ على نصف قارة وبين شوارعها التي تشبه سمّ الخياط، هل يذهب إلى مناطق البناء والتمدد العمراني الحديث ليقوم بتخطيطها وتجنب مفاقمة الأزمة؟ هل يبحث عن استحداث منظومة مواصلات حديثة يمكن أن تخفف الزحام وتوفر التكاليف؟

لا بالطبع.. الحل هو السطو على المساحات المخصصة للكائنات البشرية غير الضرورية.. تضييق الأرصفة أو إلغاؤها إن لزم، وتحويل الميادين إلى مواقف لأن عقول “المركوبات” عندما كانت تقسم الأراضي لم تكن تدرك بالطبع أن السيارات تحتاج لمواقف وأنها لا تسير إلى الأبد!

الميادين العامة والأماكن المخصصة للمشاة والحدائق ليست ترفا، هذه ضرورة من ضرورات الحياة، البشر لا يعيشون في السيارات إلا في هذه البقعة، وأرجو أن لا أفاجئك إذا قلت لك أنه لو توفرت ميادين في كل منطقة فلربما ينخفض عدد العابسين في الطرقات إلى النصف!

ثم ماذا ستفعلون عندما تنتهي الأرصفة والميادين ويتم تحويلها كلها لطرقات ومواقف؟ لن يتوقف الازدحام! وماذا ستفعلون عندما تكتشفون فجأة أن المباني في المناطق الجديدة جنوب طرابلس مثلا قد ارتفعت، وأن أطفالهم قد كبروا واشتروا سيارات أيضا! وأن الازدحام تضاعف، وأن عدد الأشخاص الذين يودون زيارة “وسط البلاد” المكان الوحيد غير القبيح قد تضاعف أيضا؟ هذا أمر غير متوقع بالطبع!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى