الرئيسيةالراي

رأي- لبنان… حكومة تفسير الأوهام

* كتب/ مصطفى فحص،

تحتاج حكومة العهد الثالثة إلى وزير “ملك” يُكلّف بحقيبة تفسير الأحلام وقراءة الطالع، خصوصا أحلام اليقظة التي تبني عليها الطبقة السياسية وما يمكن تسميتهم بنخبها السياسية والثقافية والإعلامية اوهامها، وآخر الأوهام كانت عشية تأليف الحكومة أي مساء يوم الخميس بعدما قدم السفير السعودي في لبنان الدكتور وليد البخاري واجب العزاء لرئيس مجلس النواب نبيه بري برحيل رئيس المجلس الشيعي الشيخ عبد الأمير قبلان، فقرأها المعنيون بالتشكيل إشارة سعودية بالقبول المبطن أو الضمني في الإفراج عن الحكومة.

الواضح أن غياب المشروعية الشعبية دفع المنظومة للبحث عن مظلة خارجية تعوض شرعية مفقودة، فالبحث عن غطاء خارجي وصل مرحلة القراءة لكف السفير البخاري، وتحليل توقيت زيارته واختراع دوافعها واستنباط نتائجها، موصولة بإسقاطات غريبة عجيبة على قمة بغداد التي عقدت قبل قرابة أسبوعين، والتي فاز فيها الرئيس الفرنسي بعقد لشركة توتال الفرنسية بقيمة 27 مليار دولار بمباركة إيرانية، دفعت ببعض اللبنانيين المتوهمين غير العارفين في كواليس بغداد، إلى الترويج بأن تواطؤا إيرانيا فرنسيا وغض طرف أميركي سعودي، أخرج الحكومة من عنق الزجاجة.

أزمة الأوهام الخارجية من الممكن أن تصاب بنكسة سريعة، فالرهان على انفراجة سعودية إيرانية مع اقتراب الجولة الرابعة من مباحثات بغداد، أشبه بالمثل القائل: “متل شاري السمك بالبحر”، فحتى الآن لم يسجل أي إشارة سعودية تجاه لبنان، ومع الشكوك بأن هناك ثلثا معطلا داخل التركيبة الحكومية فإن الموقف الخليجي وخصوصا السعودي لن يتغير، وسيبقى يمارس النأي بالنفس عن مشاكل لبنان الداخلية باستثناء التدخل الإنساني، وستتحول الأوهام إلى خيبات عندما تتأكد المنظومة أن الفاعلين العرب ليسوا معنيين بإعادة تعويمهم.

وأما الرهان على انطلاق الجولة السابعة من مفاوضات فيينا بين إيران ومجموعة 5+1 مع غياب واشنطن، فإن هناك مسارا طويلا سيحتاج إلى شهور للوصول إلى فتح الملفات الاقليمية بحال أنجز الملف النووي ومن بعده البالستي، لذلك من الطبيعي القول إن أوهام المنظومة وما تزينه من حلول لتمرير خديعتها على اللبنانيين ستتحول خلال شهر أو أكثر إلى أزمة وجودية ، ستفاقم أوضاعها بعدما تكون قد فشلت حتى في إدارة الانهيار.

حكومة الصفقات الخارجية والداخلية المحدودة، ليست إلا محاولة بائسة لتأجيل الارتطام الكبير أو هندسة وقوعه، فالرئيس الفرنسي الذي لم ير الحل في لبنان إلا من خلال العقود الاقتصادية، وتبرير تعامله مع المنظومة تحت ذريعة الأمر الواقع السياسي، سيكون عاجزا أمام هول الأزمة ومدى تعقيداتها، وستكتشف باريس أن أوهام رئيسها كانت أحد أسباب اندثار الدولة ومؤسساتها، نتيجة لنظام مصالح ضيق لم ير فيه ماكرون إلا التواطؤ مع طهران على حساب تطلعات اللبنانيين والعراقيين.

أما صفقة الأوهام الداخلية التي عبر عنها ميقاتي بأنه سيتصل بالخارج وبكل الأشقاء العرب، فهي عملية بيع أوهام جديدة، تهدف إلى تهدئة المواطنين بأن هذه الحكومة ستحقق بعض الإنجازات بالرغم من صعوبة الموقف، وهو مطلب الطبقة السياسية التي تخطط فقط لإعادة السيطرة على شارعها، واستكمال الانقلاب على انتفاضة تشرين.

لن يحتاج نجيب ميقاتي إلى وقت طويل حتى يجد نفسه وحيدا في السرايا الحكومي مهددا بجموع الفقراء وحديثي الفقر، بعد تلاشي الأوهام والاصطدام بواقع مرير نتيجة رفع الدعم عن السلع الأساسية وتدني سعر العملة الرسمية، وصعوبة التفاهم مع المؤسسات الدولية التي تطالب بإصلاحات إدارية سيحد تنفيذها من قدرات منظومة السلطة الريعية، خصوصا على أبواب انتخابات نيابية مفصلية.

وبناء عليه، ومن دون أوهام حصلت بعبدا على ثلثها المعطل، ورهنت الحكومة لمزاج المقيم بالقصر، فيما حاول ميقاتي تسويق نفسه من خلال دموعه، بينما باعت طهران أوهاما لماكرون، توهمت المنظومة أنها قادرة على بيع الاوهام مجددا، لكن الواقع المرّ يقول إنها جميعها أضغاث أحلام وأوهام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى