الرئيسيةالراي

رأي- قول ونظر في تنظيم إجراءات السفر

*كتب/ أنس أبوشعالة،

بادئ ذي بدء وقبل كل شي علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها ولا نخلط بين المصطلحات ومرادفاتها.

لعلم القارئ.. قانوناً لا يحق للنائب العام أن يمنع أي مواطن ليبي من السفر، وهذا ما يدحض حجة البعض أن المنع من السفر من اختصاص النائب العام الذي متى رأى حاجة ماسة وضرورية ولأسباب جوهرية وموضوعية بشأن قضية جنائية فإنه يلتمس هذا الطلب من المحكمة المختصة، بما يعني أن المنع من السفر اختصاص لقضاء الحكم، ولا يختص به قضاء التحقيق .

 

يجوز للسلطة التنفيذية أن تقرر ضوابط ومعايير تنظيمية لإجراءات السفر، ومن ذلك يُفهم ضرورة أن يحمل كل مسافر جوازاً للسفر، وأن يكون ساري المفعول، وأن يحمل حجزاً مؤكداً للطيران يثبت فيه حصوله على مقعد بالطائرة (كرت الصعود) ولجهة الإدارة التنفيذية أن تقرر اشتراطات للسفر حسب مقتضيات المصلحة العامة، ومنها على سبيل المثال من واقعنا اليوم ضرورة إبراز دليل مستندي يثبت خلو المسافر من فيروس كورونا، وبدون هذا المستند لن يتم تمكين المسافر من السفر، ليس عدواناً على الحق في السفر، بل تنظيماً لهذا الحق والإجراء التنظيمي يهدف إلى تحقيق المصلحة والغاية التي تتحراها السلطة التنفيذية المسؤولة على حفظ الأمن والنظام العام، فالإلزام بالوقوف عند الإشارة الحمراء لا يعني الاعتداء على حقك في التنقل وهكذا ..

إسقاط هذا النظر القانوني على واقعة اليوم بشأن تعذر سفر محافظ المصرف المركزي السيد الصديق الكبير، نقول والله أعلم أن حالة الفوضى وشيوعها وتبلد الأحاسيس تجاه النظام العام وغياب سلطان الدولة منذ مدة طويلة جعل من أي مواطن مهما كان بسيطاً يمتعض وينزعج حين إخضاعه للقانون، إذ حتى مخالفة المرور صارت محل انزعاج وتذمر من المواطن لإحساسه بأن القانون مريض بالزهايمر، فتارةً يطبق بحذافيره وتارة يفقد الوعي حسب الحال والأحوال، ومن هذا المنطلق النفسي نستطيع تفسير ردة الفعل العنيفة للسيد المحافظ الذي اعتبر مجرد الخضوع لإجراء تنظيمي يعد جريمة قد تؤدي إلى انهيار سعر الصرف للدينار الليبي وإفلاس ليبيا، فقط لمجرد تعذر السماح له بالسفر لعدم استيفاء متطلبات السفر المقررة من السلطة التشريعية، وهو بالمناسبة إجراء معمول به في ليبيا منذ زمن بعيد، وفي جميع دول العالم، ولا يعتبر منعاً من السفر إنما تنظيماً له منعاً للفوضى الأمنية والإدارية و السياسية .

أما الشكوى المقدمة من المحافظ للنائب العام ضد وزير الداخلية التي انصرفت في موضوعها إلى الإجراءات الإدارية التنظيمية للسفر فهي بذلك خارجة عن اختصاصات النيابة العامة، ولا ولاية للنائب العام بالرقابة على تدابير السلطة التنفيذية في حفظ الأمن والنظام العام، التي يختص القضاء الإداري برقابتها بما يعرف فقهاً برقابة الإلغاء، شرط ألا تكون تلك القرارات والتدابير من قبيل أعمال السيادة التي تخرج بالمطلق عن ولاية القضاء وفق ما استقر عليه قضاء محكمتنا العليا الموقرة منذ سنوات طويلة .

الواقعة ليست إشكالاً قانونياً بقدر كونها إجراءً تنظيمياً فمتى روعيت اشتراطات السفر كان السفر متاحاً، ومتى لم تراع الشروط يكون السفر ممتنعاً لذات العلة وذات السبب، بيد أن الكيد السياسي وتصفية الحسابات وتقديم المصالح والولاءات في التعاطي مع الأمور جعل من هذه الواقعة أزمة وهي ليست كذلك، فالأمر أبسط من ذلك بكثير.. فلو ضربنا مثلاً بمواطن عادي تعرض لذات الموقف هذا اليوم لذات السبب ألا وهو افتقاد أحد اشتراطات السفر، وقد يكون الشرط (تحليل كورونا) سيكون الحل بسيطا للغاية دون الحاجة لأي شكاية، ولا هي جنحة أو جناية، بكل هدوء أقول لهذا المواطن البسيط عليك بإخضاع نفسك لفحص الكورونا، وعند ثبوت النتيجة تستطيع السفر، وهذا الشرط في كل رحلة وليس لرحلة واحدة، فتلك هي الاشتراطات المعمول بها من اللجنة العلمية لمكافحة جائحة كورونا، فهل يصير الدكتور خليفة البكوش متهماً بمنع المواطنين من حقهم في السفر؟!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى