الرئيسيةالراي

رأي- فتنة الشأن العام

*كتب/ هشام الشلوي،

يفتتن الناس بالحديث في شأنهم العام سرا في الأنظمة الشمولية وجهرا في البيئات الديمقراطية، وهذا حق طبيعي ككل تلك الحقوق التي نصت عليها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.

لكن مصدر الفتنة يأتي من أولئك الذين لهم تأثير على قطاعات من الناس، كأساتذة الجامعات والشيوخ ومعلمي الصبية في المدارس، ورواد شاشات التلفزة، وصاحبي أكبر عدد من الإعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى نجوم الفشل العام.

كل أولئك وغيرهم ممن يتقنون فنا من الفنون يظنون أن هذا الفن وهذا التحكم في فنّهم يتيح لهم ليس مجرد الرأي الفارغ، بل وحمل الناس على الغوص في وحله.

علامة العربية محمود شاكر بارع في فن التحقيق وإعادة الاعتبار إلى ما خفت من فنون العربية في عصر ظهر الاستشراق والتغريب محاولا طمس وطعن التراث العربي. إلا أن له مقالات في السياسة أقرب إلى السطحية منها إلى أي شيء آخر. وفي جمهرة مقالاته عدد منها تشعر فيها بالموت والجفاف، عكس كلماته التي تتراقص أمام عينيك إذا ما برز إلى تحدي طه حسين ولويس وغيرهم من أساطين التغريب في قرننا الماضي.

حديثا وفي عصر مواقع التواصل الاجتماعي يبرز محمد مختار الشنقيطي كمثال آخر على إتقانه فيما كتب من كتب، خاصة الأخير منها على ما أظن وهو كتاب الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية، الذي كشف فيه الغطاء عن ضحالة مقولة تثبيت سلطان الظالمين مقابل الخضوع بدعوى درء الفتنة.

إلا أن الرجل عندما يخوض في الشؤون الدولية على صفحته في تويتر، ويضع يده تارة على اليمن وأخرى على ليبيا وثالثة على العراق ورابعة على أزمة تركيا والاتحاد الأوروبي، ولا يتوقف عن تلميع المواقف الحادة التي لا تحتاج إلى تفكير أو إعمال عقل، لا ينتهي عجبك من كل هذا “التلطيش” الذي لا تجرؤ عليه كبرى مراكز الدراسات الغربية التي تتخصص في شأن ما، دولة ما، تقسيم جغرافي ما. وحتى تلك التي تصدر تقارير دورية عن العالم فهي توظف وتتعاون مع جيوش جرارة من الباحثين.

مثلا وأنت تقبع خلف جهازك مستعدا لكتابة بوست أو تغريدة عن موضوع سياسي أو اقتصادي، فهل كلفت نفسك قبل أن تجرّ معك مئات الناس إلى آرائك، بأن ترفع سماعة هاتفك وتتحدث إلى العشرات ممن لهم علاقات متضاربة ومتشابكة بالموضوع، وفهمت منهم ما الذي يجري أو يحدث، حتى تستطيع بناء مقاربة لأولئك الذين ينتظرون منشورك ليشاركوك إياه على صفحاتهم، ويشاركهم ويعلق آخرون عليه؟ هل فكرت؟

في بلد معقد كليبيا ليست المعلومات متاحة فيها بطرق شفافة، كيف يمكن لك أن تتبنى رأيا تقذفه بين الناس هكذا خبط عشواء دون أن تبذل مجهودا أكثر من معقول للحصول على القدر الكافي من المعلومات التي تستطيع من خلالها أن تسحب معك الجمهور-أيا كانت طبقته- إلى فهمك؟ كيف؟

لا يكفي أن تكون قد حصلت على درجة ممتاز مع الشرف في القانون أو في الكيمياء أو الهندسة النووية أو الفقه المالكي، لتخوض بالناس ممن لك تأثير عليهم غمار شؤون معقدة، بعيد أنت عن إكراهاتها وتفاصيلها وأطرافها. في الوقت الذي قد يكون مصدرك معلومة مقصود أن تكون مغلوطة أو شريط إخباري في قناة محلية أو دولية، أو لأن فلان سبق وأن قدّم لك معروفا أو مالا أو بنى لك مؤسسة موهومة، فتضطر إلى الامتثال لبعض قوله أو كله مذعنا إليه فيما يشبه العبودية.

كما لا يكفي أن تكون خطيبا بارعا أو لسانك مدجج بألف كلمة قبيحة وبذيئة لتنصب من نفسك حكما على قضايا تتعارض فيها المصالح الداخلية والإقليمية والدولية، وليس لك أدوات تقيس بها حجم الضرر أو المنافع في شأن يتعلق بمصير ملايين البشر.

كما لا يكفي أن تكون وسيما أو جميل الطلعة أو لك لحية مصففة بشكل بديع وترتدي زيا رسميا أو شعبيا باهظ الثمن، لتهندس حياة ملايين البشر.

طبعا هذا الكلام موجه إلى أولئك المؤثرين أو نجوم الفيسبوك والتوتير وقنوات التلفزة.

أما أمثالي ممن لا يعرفهم أحد إذا حضروا، ولم يفقدهم أحد إذا غابوا، فلا لوم عليهم في الكلام عن العلاقة بين شرح مختصر الروضة وفساد الفيفا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى