الراي

رأي- عزيزتي ليبيا..

عــزيـزتي ليبيا،

 

*بيتر ميليت

لقد مضى على صداقتنا عامان ونصف. لكن ها قـد حانَ الوقت لكي أغادر. فكما قالت جولييت لروميو: “الفراق، يالـَهُ من حُـزنٍ عـذْب”، الوداعُ أمرٌ شاقّ، لكن يتوجّبُ عليّ أنْ أمضي.

التعرّف عليكِ كان دائماً من دواعي سروري. لكنه لم يكن سهلا. فخلال العشرة أشهر الأولى، لم يكن متاحاً لي أن أضع قدمي في البلاد. كوننا سفارة في المنفى منعني من الالتقاء بالليبيين في ليبيا.

طبعاً نحن كنا أصدقاءَ مقربين حتى في الماضي. كثيراً ما سمعتُ عن الروابط التاريخية بين بريطانيا وليبيا. لقد كانت صداقةً لها حلوها ومُرّها. زيارةُ المقابرِ الحربية في طرابلس وبنغازي وطبرق جعلتني ألمس مدى عمقِ هذه الروابط.

الخمسينيات والستينيات كانت سنوات جيدة لصداقتنا. إلاّ أنّ عهد القذافي قد شهد الكثير من الخلافات والمشاكل والكوارث.

لقد راقبتُ ثـورَتــَـكِ عن بـُـعـد، معجباً بالحركة التاريخية التي أشعلت الآمالَ في مستقبلٍ أفضل لليبيين.

للآسف، تلك الآمالُ لم تتحقق، وكلما ازدادت معرفتي بك، كلما زادت مشاركتي لك في مشاعر الإحباط جرّاءَ ذلك.

بالنظر للمستقبل، فإنّ ليبيا تحتاج إلى تطور وليس إلى ثورة. لازمة ثابتة كنت أسمعها من الليبيين باستمرار هي حقيقة أنه لا توجد هناك “دولة”. فهم يريدون التطور التدريجي لمؤسسات يمكنها فيما بعد أن ترمز لسيادة ليبيا.

لكن الأهم من هذا، هو أنهم بحاجة إلى مؤسسات قادرة على خدمتهم وتقديم خدمات فعالة: كالتعليم والصحة وتنظيف الطرق والسيولة في المصارف.

بناء الدولة من القاع إلى القمة سوف يستغرق وقت. سوف تتطلب أن يتكـوّنَ لدى الليبيين الاحساس بوحدة الهدف والرغبة في التنازل من أجل الصالح العام للشعب.

تم التوصل إلى مصالحة كهذه قبل عامين. من أهم محطات وقتي معك هو تواجدي في الصخيرات في 17 ديسمبر عندما تم توقيع الاتفاق السياسي الليبي –من قِـبـل الليبيين. الهدف وقتها كان واضحاً: إنشاء حكومة قادرة على توحيد مؤسسات البلاد السياسية والاقتصادية والعسكرية واستعمال موارد ليبيا بما يعود بالخير على كافة الشعب.

من المحزن جداً أن الاتفاق السياسي الليبي لم يتم تطبيقه كما يجب. ثمةَّ مواد تم إهمالها وتواريخ لم يتم الالتزام بها. عادةً ما كانت الطموحات الشخصية لبعض الإفراد تقف عائقاً في الطريق.

الاتفاق السياسي الليبي يظل هو الإطار المجدي الوحيد لحل الأزمة في ليبيا. الآن أسمع كلاماً عن انتخاباتٍ مبكرة. طبعاً القرارات المتعلقة بالانتخابات يملك الليبيون وحدهم حق تقريرها. ويعتبر في حكم المؤكد أن إجراءها سيكون ضرورة في وقتٍ لاحق من هذا السنة.

لكن كصديق، يجب أن أقول، أنه وبدون الترتيبات المناسبة، فإن الانتخابات لن تمثل حلاً سهلاً أو سريعا للأزمة. عملية تسجيل الناخبين سوف تستغرق وقتاً والترتيبات الأمنية سوف تتطلب تجهيزاً دقيقاً وسيكون من الضروري إصدار قانون للانتخابات.

والأهم من هذا، سيكون من الحتمي إجراء مصالحة سياسية أكبر، حتى يمكن للنتائج أن توحّد البلاد بدل تقسيمها، وحتى يقبل كل المشاركين بالنتائج.

ليس عندي شك بأن بعض ممن يقرأون هذا المقال سوف يتهمونني بالتدخل. فلم تفـتأ الأساطير حول المؤامرات البريطانية ضد ليبيا تثير دهشتي. جميعها كلام فارغ بالطبع. المزاعم بأن الحكومة البريطانية تدعم الإرهاب والتطرف أو الإخوان المسلمين أو أنها تريد تقسيم البلاد أو نهب ثروة ليبيا، كلها من نسج الخيال وليست حقائق.

الرسالة الجوهرية التي داومتُ على تكريرها على مسامعكِ باستمرار، هي أنّ القرارات الخاصة بمستقبلك يعود تقريرها لكِ أنتِ وليس للمجتمع الدولي.

الفراق أمرٌ صعب. وأنا أُقـدِمُ عليه بحزنٍ يغمرُ قلبي. سوف أواصل متابعة تقدمك، وكلي يقين بأن لديكِ الكثير من الأصدقاء في بريطانيا وحول العالم الذي يريدون مساعدتك. أتمنى لكِ كــل التوفيق في المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى