الرئيسيةالراي

رأي- السجادة الحمراء

* كتب/ هشام الشلوي،

استقطب حقل السياسية نابهين كثر في مجالات عدة علمية وأدبية، بعد ثورة فبراير عام 2011، بدعاوى عدة، منها الظن بقدرتهم على الإنجاز في هذا الحقل، أو اتخذه بعضهم طريقا إلى الشهرة المحلية والدولية وتحقيق مكاسب مادية ومعنوية.

ولا ينكرن أحد حق أي إنسان مهما علت درجته أو قلت في ممارسة حقه السياسي في الانتخاب والترشح للسلطة التشريعية، أو تولي مناصب قيادية تنفيذية. كما لا ينكرن أحد أن للعمل السياسي بهرجه وجاذبيته التي لا تقل عن أي جاذبية أخرى، إذ أن ولوج الحقل السياسي هو في نهاية المطاف تجربة قد تصيب وقد تخيب، كما أن الجدب والفقر السياسي في بلادنا بعد أربعين عجاف لم تمارس النخب والعامة أي دور سياسي، وقد شاهدنا جميعا تجربة المعارضين للنظام السابق الذين عادوا لليبيا بعد الثورة، رأينا كم كانت مخيبة للآمال، حتى إن بعضهم تقمص عقلية وأدوات النظام السابق في العمل السياسي، وبعضهم انحاز للحكم العسكري، فكانوا وبالا في الحالتين.

هذه المقدمة تقودني إلى فكرة أننا نخسر هؤلاء الأفراد من نوعهم في تخصصاتهم ومجالاتهم العلمية والأدبية لصالح رهانات ودهاليز السياسة، في الوقت الذي يمكنهم أن يكونوا أكثر نجاحا على صعيد مصالحهم الشخصية المادية والمعنوية. وتعليل ذلك عندي أن العمل السياسي ليس مجرد شعارات، أو تدبيج مقالات رنانة، أو الانحياز للمناطق الآمنة والسهلة، أو الخضوع لرغبات هذا الطرف أو ذاك، بل هي في كثير من الأحيان تتطلب السياسي القادر على تجرع المرارة قبل جني أي ثمار آنية، وهي كذلك الصبر على خيارات حزبك وتيارك حتى وإن بدت غير ذات جدوى في المدى المنظور، وهي القدرة على الجلوس مع أحط خلق الله خُلقا وسلوكا وأقذرهم نهجا، والتوصل معه لتوافقات ليست بالضرورة أن تكون نتائجها وفق ما تحب أو تهوى.. وهذه زوايا تتطلب قدرا معقولا من القدرة على الممارسة، والصبر على الأذى من صديقك وخصومك، مع التسلح بقراءة وبصيرة حادة للواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي.

كم يعجبني أولئك الذين نظروا إلى إمكانياتهم منذ البداية ولم يستدرجهم وهج السياسة، واستمر نجاحهم في مجالات تخصصهم أيا كان. بالتأكيد لا تستطيع أن تقول لإنسان: إنك لا تملك مقومات ممارسة العمل السياسي، لأننا على الأقل لا نملك دليل ولا معيارية موضوعية ولا نموذج يحتذى بها في الممارسة السياسية في ليبيا التي تحت العنف والاحتراب الداخلي أغلب محطاتها. والمسألة برمتها تحتاج إلى تقدير متزن من أي شخص مقبل على ممارسة العمل السياسي، وأن يطرح على نفسه أسئلة رئيسية تتعلق بالقدرة الذاتية والعمل الجماعي والصبر على الإكراهات وتحمل النتائج والأضرار، لكننا كبلد تربع على عرش التخلف والانحطاط والرداءة من الممكن أن نستفيد من تلك العقول في مجالات تخصصها، بدل أن تهدر وتستهلك في حقول غير مناسبة لها، ويقودها الخيار الخاطئ إلى الجنون أحيانا في حالتي الفشل والصدمة، وهي في نهاية المطاف دعوة لمراجعة الذات، الذات الواعية بقدراتها النفسية والذهنية والعقلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى