الرئيسيةالراي

رأي- الانقلاب ينكسر.. تونس ملهمة من جديد!!

* كتب/ سليم الحكيمي،

حين انقلب الجيش سنة 2016 في تركيا، خاطبني الصّحفي مقداد الماجري مرتبكا، فقلت: “سيخسؤون، فقد كنت في تركيا وإنجازات أردوغان أكبر من الانقلاب عليها”. ولم يطلع على المنقلبين نهار اليوم الثاني إلا وهم في سجون تركيا ومنبطحين على إسفلت طرقاتها.

وكانت قوة الدولة حاسمة بجيل الشرطة الجديد الذي بناه “حزب العدالة والتنمية” بعد مجيئه إلى السلطة 2003، وحذاء وعي الشعب الذي داس دبابة العسكر بعد أن اكتوى  بنار 4 انقلابات سابقة. وبينما كانت قوة الدولة حاسمة في نجاح الانقلاب في تركيا، كان ضعفها  سببا في سقوطه  في تونس. “قَصّولو ايدو جات مليحة للطّنبور”.

انكسر انقلاب  بدأ بلا أفق أو برنامج، حركة بهلوانية في فضاء الشعبويّة رغم حاجة تونس إلى تغيير. جاء انقلاب بن علي على بورقيبة  تواصلا لنسق استبدادي، أما انقلاب سعيد فقد كان استبداديا في نسق ديمقراطي دام عشر سنوات بانتخابات تشريعية ورئاسية وبلدية،  استهان بها المنقلبون وغفل عن قيمتها الأحرار بسبب الارتباك. إذ التقف محور الشرّ الإمارات سعودية مصر،  الديمقراطية التونسية قبل صلابة عودها، لأنهم  يعرفون أن البلد الذي تقع فيه أربع انتخابات متتالية، يكون قد انتقل عادة إلى مرحلة الرّسوخ الديمقراطي وغادر منطقة الهشاشة.

دون إطالة: يمكنك أن تُنكر التاريخ ولكن لا يمكنك إنكار الجغرافيا،  تغيّر العالم وأضحى متعدد المراكز، وصارت للقوى الإقليمية كلمتها، وكان الضغط الدولي عاليا للرّجوع إلى المسار الديمقراطي: الجزائر ترسل سفيرها ثم وزير خارجيتها ثم سفيرها مرة أخرى، ثم يهاتف الرئيس تبون سعيّد ساعة كاملة، ثم ترسل إلى سيسي مصر تُحذّره من مغبّة “حفتر” جديد في تونس، وتهدد ليبيا  بقطع كل عقود الشركات التونسية التي أبرمت أخيرا ستشغل 150 ألف تونسي، وتنتدب منهم شرطة للتدريب، من بينها شركة مقاولات من صفاقس ستبني 8000 آلاف وحدة سكنية، مما يعني انسداد البلاد وانفجار الجنوب في حال إغلاق الحدود البرية. ويكذب  المجلس الرئاسي  الليبي  بيان رئاسة الجمهورية الذي ذكر أن ليبيا تساند التغيير الذي وقع في تونس. فيخاطب أردوغان رئيس المجلس الرئاسي “محمد المنفي” مستفسرا، ويقع تكذيب البيان، مع تهديدات بسحب الودائع التركية والقطرية والليبية بتونس. ليضيف الاتحاد الإفريقي بيانه الرافض للانقلاب حسب المادة 12، مما يعني إمكانية منع  مساعدات البنك الإفريقي.

وكانت تركيا التي تمتلك  السلطة  الأخلاقية الضرورة لجمع  كلمة الليبيين والجزائريين على صَعيد، ورفضت أوروبا الفوضى في تونس خوفا من الهجرة السرية والإرهاب، و تصاعد الرفض الأمريكي من أصوات في الكونغرس إلى خطاب واضح من “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي للرئيس “بايدن” قيس سعيد ساعة كاملة محذرا، ومن سوء حظ سعيد أن انقلابه جاء في عصر بايدن من الديمقراطيين، وليس زمن الشعبوي “ترامب” وإلا وجد سندا وظهيرا ف”يوافق شنّ طبقه” كما يقول المثل”.

بعد إطلاق سراح “ماهر زيد” صدر قرار كفّ تفتيش من القضاء العسكري في شان نواب الكرامة، سينفرط عقد الاستبداد وسيطلق الانقلاب بعض الرصاصات الشرفية للإيهام بمظهر القوي بعد أن اتضح برنامجه في الاستحواذ بدل الإنقاذ، خاصة بعد تقديم الأمني على الصّحي، ورفض شخصيات تولي منصب رئاسة  الحكومة، من بينهم “نزار يعيش” وزير المالية الأسبق.

نصحنا الرئيس الذي لا يملك عمقا لا في المجتمع أو الدولة أو النظام الدولي، ولا أظنه راغبا في كلفة الدم، وكنت أعرف أنه “سيطير عاليا ويسقط قريبا” كما قال التّوحيدي عن ابن مسكويه.

يتخبط الانقلاب، وعلينا التفكير في بناء وعي شعبي وطني وترميم العلاقات بين التونسيين وردّهم ردا جميلا إلى مصلحة البلاد. فقد اتسع  فتق الجهل والشعوذة والشعبوية على رتق الوعي والمعرفة والأخلاق.

لا حلّ لنا إلا في خدمة الناس ونشر ثقافة الاحترام وتقدير قادة الرّأي والإشهار لأفكارهم. كلّ على ثغرة، انشروا الأخوة في الوطن، و لا تتركوا لهم مساحات الزيف والإفك، ولا تستهينوا بضغطكم، إنهم زائلون شرط الإصرار على الديمقراطية وتعزيز ثقة الناس في الحرية حتى لا يستقبلوا ما استدبروا من استبداد غاشم.

أما البقية فهم أوهى من بين العنكبوت. قال عمر بن الخطاب: “ثلاث من كُنّ فيه كُن عليه: الغدر والكذب والنَّكث”.

ألهمت تونس بثورتها وستلهم بدحر الانقلاب.. لنا عودة فالمعركة ليست هينة. فراس الأفعى هي نقابة الطبوبي..

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى