اخبارالرئيسيةعيون

تنقل بواسطة “الهوية القبلية” في جنوب ليبيا

العربي الجديد-

يكتفي غالبية سكان جنوب ليبيا بذكر انتمائهم القبلي لدى مرورهم أمام مسلحين أو حاجز أمني خلال تنقلهم بين المناطق، من دون الاضطرار إلى إظهار أوراقهم الثبوتية أو حملها، باعتبارها باتت لا توفر حماية لهم وسط الانفلات الأمني السائد في الجنوب.

يقول مواطن من منطقة تمسه (جنوب) يدعى صلاح الزيداني لـ”العربي الجديد”: “يعرف الجميع خريطة العداءات والولاءات في مناطق الجنوب، وواقع انحياز قبيلة محددة لطرف سياسي أو عسكري دون غيره. من هنا يكفي أن أذكر اسم قبيلتي، وأعدد بعض أسماء الأفراد البارزين فيها كي أؤكد خلفيتي للجهة الأمنية المتواجدة على الحواجز، والعبور”.
والانفلات الأمني الواسع في جنوب ليبيا الذي يشكل ثلث مساحة البلاد ويقطنه حوالى مليون ونصف مليون مواطن، واقع قائم منذ سنوات بسبب انشغال السلطات بالصراعات السياسية والاقتتال في شرق البلاد وغربها. وبلغت مستويات الجريمة بكل أنواعها مستويات مرتفعة جداً.

ويلفت الزيداني إلى أن المواطنين تعايشوا مع الأزمة الأمنية وأوجدوا حلولاً لها، منها التنقل الجماعي بين مناطق يعتبرونها آمنة خشية الوقوع في أيدي عصابات تتنقل وسط الصحراء وخصوصاً قرب القرى والواحات.

ويستدرك بأن “المواطنين قد يضطرون إلى ذكر معرفتهم بمسلحين نافذين للخروج من ورطة لدى وجودهم أمام حواجز تفتيش أمنية تتبع غالباً مليشيات قبلية مسلحة، ويكتفون أحياناً بذكر قبيلتهم، والفرع الذي ينتمون إليه ضمنها”.
ويوضح الزيداني أن “مديريات الأمن المكلفة شؤون كل وحدة إقليمية لا تزال نشطة نسبياً، في حين أقفلت بعض مراكز الشرطة، أما تلك المفتوحة فلا تتجاوز إجراءاتها تسجيل محاضر الحوادث، وحفظها في أدراج النسيان”.

لا شك في أن الفراغ الأمني في الجنوب يشكل مساحة لنشاط عصابات تمارس أعمالاً متعددة ومتشابكة، منها تهريب المواد الممنوعة والبشر والأسلحة أيضاً، والتي ترغب في استمرار انفلات الوضع الأمني للإبقاء على مكاسبها وقوتها، في حين لا يمكن إسقاط تأثير الانتماءات السياسية واختلاف المواقف على الوضع الأمني السيئ، بحسب ما يؤكد عضو حراك “غضب فزان” مصطفى الشريف الذي يشير إلى أن “قبائل اضطرت إلى تسليح أبنائها وجلب الشرعية لعناصرها باستخدام علاقاتها مع السلطات من أجل ضمان أمن مناطق موالين لها”.
ويشرح لـ”العربي الجديد” أن “امتلاك أي قبيلة مجموعة مسلحة يمنح أبناءها حق التنقل، لكنهم قد يتعرضون للتوقيف على الهوية من أية مليشيا مسلحة إذا ثارت النعرات والنزعات القبلية”.
ويضاعف انفلات الأمن الأزمات الحياتية للمواطنين الذين يعانون أصلاً من ارتفاع الأسعار وغياب السلع الأساسية والنقص الحاد في الوقود بعد تعطل غالبية المحطات، وانقطاع الكهرباء. وهم مضطرون إلى إيجاد حلول لهذه الأزمات كلها، علماً أنهم يشترون لتر البنزين من باعة متجولين بأكثر من ثمانية أضعاف سعره الرسمي.
ويعلّق الشريف: “في بلد يعيش على محيطات من النفط، بات بيع الوقود على قارعة الطرق ظاهرة مألوفة، فالباعة المتجولون هم مصدرنا الوحيد بعدما توقفت صهاريج نقل الوقود عن المجيء إلى الجنوب خوفاً من قطاع الطرق”.

ومؤخراً، سيّرت الحكومة عدداً من قوافل صهاريج الوقود إلى بعض مناطق الجنوب، في محاولة لتوفيره للمواطنين بسعره الرسمي، لكن الجمعية التعاونية العربية لنقل النفط ومشتقاته، أعلنت الأسبوع الماضي توقفها عن نقل الوقود إلى مناطق الجنوب، وقالت في بيان إن “خارجين عن القانون اعتدوا على سائقينا في منطقة براك الشاطئ، لذا نطالب بضرورة توفير الأمن من أجل استئناف عمليات النقل”.

وأورد بيان الجمعية أن “المسلحين روّعوا السائقين وأجبروهم على النزول من مركباتهم في ساعة متأخرة من الليل، وأمطروهم بوابل من الرصاص فوق رؤوسهم وتحت أقدامهم من دون أن تتصدى أي جهة أمنية مرافقة لهم، والتي وقفت عاجزة أمام الواقعة، علماً أنه تبين لاحقاً أن العناصر الأمنية المرافقة لصهاريج نقل الوقود غير مزودين بأسلحة”. وفي شأن السلع الغذائية، يكشف الشريف أن “مالكي الشاحنات والسائقين يضطرون إلى مراضاة المسلحين والعصابات لتفادي كمائنهم، باعتبار ذلك الوسيلة الوحيدة للوصول إلى أي مكان في الجنوب ولو كان قريباً، علماً أن سائقين يضطرون إلى تسليح أنفسهم، خصوصاً أولئك الذين يملكون شاحنات جديدة”.
وتابع: “النقل لا يحصل لكل المناطق والمدن، بل إلى تلك الكبيرة فقط مثل مدينة سبها، وذلك بالتنسيق مع تجارها الذين يتواصلون مع أصحاب الشاحنات طوال سفرهم. والعصابات المنتشرة في الجنوب تضم مسلحين أفارقة يبدو أنهم مهاجرون استغلتهم عصابات أو مرتزقة تابعون لحركات تمرد أفريقية زاد نفوذها أيضاً في هذه المناطق”. وترتفع بحسب الشريف أسعار المواد الغذائية نحو الضعفين، “ما يحدّ من قدرة المواطنين على شرائها وتلبية احتياجات أسرهم. وقد فشلت كل المحاولات التي بذلتها السلطات لإرساء الأمن في هذه المناطق”.

وفي سبتمبر الماضي، نظم مواطنون في عدد من مدن الجنوب تظاهرات أطلقوا عليها اسم “ثورة الفقراء” للتنديد بالانهيار المعيشي الذي يواجه معظم سكان الجنوب، وسط عجز حكومي عن تخفيف معاناتهم بالتزامن أيضاً مع تفشي وباء كورونا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى