الرئيسيةعربي ودولي

تحليل: “فاغنر” في باخموت: النهاية؟

* كتب/ بيار عقيقي،

ماذا لو فشلت مجموعة “فاغنر” في السيطرة الكاملة على مدينة باخموت، الواقعة في الشرق الأوكراني؟ لم تعد المسألة مرتبطةً بفرضية، بل بالتصريحات المتتالية لمؤسّس المجموعة، يفغيني بريغوجين. منذ سبعة أشهر، استعان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالمجموعة، بغرض مساعدته على الخروج من مأزق الخسائر الفادحة للجيش الروسي في سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي تجلت باستعادة أوكرانيا سيطرتها على مناطق عدة في جنوب البلاد وفي شمال شرقها. في خاركيف وخيرسون، أثبت الجيش الأوكراني المنظّم، وضمن عقيدة مرنة تسمح للقوات المنتشرة في الميادين، اتخاذ قرارات سريعة، من دون المرور بالقيادة المركزية. لا يعني هذا أن سرايا الجيش تحوّلت إلى مليشيات وطنية لا تتبع الأوامر، بل إنها، وضمن التطوّر الدائم في هيكلية الجيوش المعتمدة لدى الغرب، تملك هامشاً يتيح لها التصرّف بما يسمح لها بكسب الوقت.
أفسحت هذه التكتيكات المجال للقوات الأوكرانية في ردّ الاعتبار في سبتمبر، ثم في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، استردّت مدينة خيرسون، الواقعة في الإقليم الذي يحمل الاسم نفسه بسرعة، بعد إدراك الروس أن الدفاع عن المدينة غير ناجع استراتيجياً، ليعبروا نهر دنيبر شمالاً. هنا، في هذه الفوضى لدى المؤسّسة العسكرية الروسية، تمّت الاستعانة بـ”فاغنر”. تاريخ المجموعة في بلدان عدة، خصوصاً في ليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى والسودان، شجّع الكرملين على تفويضها معركة ميدانية في الشرق، وفي فصل الشتاء. وذلك، لحاجة الجيش الروسي إلى إتمام إدماج 300 ألف مجنّد، استُدعوا ضمن “تعبئةٍ جزئية” في سبتمبر، في خضمّ الإعلان عن ضمّ أقاليم لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون إلى السيادة الروسية. أراد الكرملين زجّ “فاغنر” لتهيئة الجيش لحملة الربيع.
حقّقت “فاغنر” انتصارات ميدانية، لعلّ أبرزها في سوليدار، المكنّاة “مدينة الملح”، وكان متوقعاً حينها أن تسقط باخموت لاعتبارات عدة، أبرزها انعدام قيمتها الاستراتيجية وفق وزارة الدفاع الأميركية من جهة، وأيضاً لحاجة أوكرانيا إلى عدم التمسك بها لضرورات الدفاع عن كراماتورسك وسلافيانسك والتجهيز للهجوم المضاد من جهة أخرى.
لم يكترث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لنصائح العسكر الأميركي، بل اصطدم مع قائد جيشه فاليري زالوجني، معلناً التشبث بباخموت. والآن، بعد أربعة أشهر على سقوط سوليدار، واستمرار صمود باخموت، بدأت إرهاصات الهجوم المضادّ تظهر. ولم تكن المعارك أخيرا في المدينة الشرقية، سوى نُذر أولية للهجوم الأوكراني المعاكس. تشير الأجواء في باخموت إلى عاملين أساسيين، أولهما أن الجيش الأوكراني بدأ يتّخذ المبادرات في ساحة المعركة، بدلاً من التموضع في موقع دفاعي. والعامل الثاني، الأهم، ارتفاع نبرة بريغوجين ضد المؤسسة العسكرية الروسية.
يتذرّع بريغوجين بنقص الذخائر لدى عناصره، معتبراً أنهم يُساقون إلى الذبح، ومُنذراً، في الوقت نفسه، بإمكانية سحب بعض الوحدات من المدينة، ما لم يتمّ تلبية طلباته. غير أن المسألة ليست متعلقة بهذه التفاصيل، فبريغوجين فعل الأمر نفسه في فبراير/ شباط الماضي، ونال ما أراد في ذلك الوقت، لكن ما يختلف حالياً اقتراب أوكرانيا من شنّ هجومها بعد استكمال كل التحضيرات، وفقاً لقادتها.
يدرك بريغوجين أنه وحده من سيتحمّل أي خسارة في باخموت، وبالتالي، سيؤثر ذلك على “سمعته” في الدول التي تنتشر فيها مجموعته، على اعتبار أن الخسارة والربح، في بعض الأحيان، أشبه بحجر دومينو. يعلم مؤسّس “فاغنر” أن ليس هناك في موسكو من لافرنتي بيريا آخر ينفذ عمليات تطهير باسم جوزيف ستالين، لكنه يعرف أيضاً أن وزير الدفاع سيرغي شويغو، وقائد الأركان فاليري غيراسيموف يتمنيّان سقوطه وتحجيمه، كما حصل بصورةٍ ضمنيةٍ مع الزعيم الشيشاني رمضان قديروف.
تضيق الحلول أمام “فاغنر” في الأيام الحالية، أفضلها الانسحاب من باخموت، مهما كانت تداعياته، وأسوأها الموت فيها مع ما يعنيه ذلك من اضمحلال قوتها في العالم. وبريغوجين، بصفته رجل أعمال أولاً، سيختار الانسحاب، كأيّ هروبٍ تقليدي لرأس المال من ساحة دموية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر على موقع العربي الجديد، الثلاثاء (02 مايو 2023م)

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى