الرئيسيةالراي

رأي- أسطورة الجلاء

* كتب/ هشام الشلوي،

يمكن فهم جلاء الإنجليز عن ليبيا ومصر والسودان في إطار الضعف الذي اعترى الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الاستنزاف الذي مص قواها الاقتصادية، واطمئنان بريطانيا للبديل الأميركي الصاعد الذي حل محلها في المنطقة بأسلوب جديد يختلف عن إدارة بريطانيا.

من الممكن الترجيح بأن الجلاء الأميركي عن ليبيا كان لاطمئنان الولايات المتحدة بأن النظام العسكري القادم هو نسخة شبيهة بباقي الأنظمة العسكرية التي حلت بديلا للأنظمة الملكية والجمهورية العربية عقب ارتفاع سُعار القوميات، وبالتالي يمكن تدجين أي نظام عسكري ترغيبا أو ترهيبا.

كما أن الولايات المتحدة تركت مساحات للنفوذ السوفياتي في المنطقة، ودليل ذلك وثيقة أميركية مترجمة في كتاب “ليبيا بين الماضي والحاضر” للدكتور محمد المقريف أُعدت في ستينيات القرن الماضي. وهي تحكي أن الولايات المتحدة شكلت بأمر رئاسي لجنة مشتركة من عدة وزارات وأجهزة لتقييم الوضع في شمال إفريقيا، الذي فيه ليبيا والمغرب نظامهما ملكي، بينما تونس والجزائر نظامهما جمهوري.

انتهت اللجنة إلى جملة من التوصيات إحداها تقول إنه يجب على الولايات المتحدة والدول الغربية التي تدور في فلكها، أن تسمح للكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي وقتها ومصر بقيادة عبد الناصر، بالحد الأدنى لهما من المصالح، حتى لا يفسدان بتدخلهما عبر أطراف محلية على الغرب مصالحه.

عموما سواء أكان سبب تخلي الولايات المتحدة عن ليبيا وإجلاء قواعدها هو الاطمئنان إلى قدرتها على التعامل مع نظام عسكري يحكمه شخص بدلا من الملكيات والجمهوريات أو لترك مساحات للنظام السوفياتي أو حتى تخفيفا لحدة الاحتقان العربي في تلك الفترة ردا على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان وهزيمة مصر عبدالناصر المذلة عام 1967 واقتطاع سيناء، أقول أيا كان السبب فإنه بالتأكيد ليس بسبب عنتريات نظام القذافي أو وزن ليبيا الذي قفز فجأة عدة درجات بعد الانقلاب وليس لأن إرادة النظام وقتها أرغمت بريطانيا أو أميركا على الإجلاء.

هذه إحدى الأساطير التي للأسف مازال بعضنا يروج لها وكأنها انتصار ساحق، كغيرها من الأساطير التي من طغيانها في تاريخنا السياسي بات نقدها جرما.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى