الرئيسيةالرايفي الذاكرة

الذكرى 35 لمظاهرة الجمهور الرياضي بعد إلغاء مباراة ليبيا.. الجزائر

* كتب/ خالد الجربوعي،

مرت خلال اليومين الماضيين الذكرى 35 لمظاهرة الجمهور الرياضي التي حدثت بعد إلغاء مباراة ليبيا والجزائر ضمن تصفيات كأس العالم 1990.. وهذه قصة وبعض تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم:

حيث كان من المفترض أن تجري المباراة التي تجمع الفريقين يوم الجمعة 20 يناير 1989 بملعب طرابلس، أو كما كان يسمى في تلك الأيام “11 يونيو”، ولكن قبل تلك المباراة وبالرغم من بيع تذاكرها للجمهور قبل أيام من موعدها، تسربت بعض الإشاعات التي تقول إن هذه المباراة لن تقام، وسيتم إلغاؤها دون تأكيد هذا الخبر رسميا.. وبقى الشارع الليبي في حيرة من أمره، حيث لم يصدر ما يؤكد هذه الإشاعة أو ينفيها، خاصة مع وصول الفريق الجزائري إلى العاصمة الليبية طرابلس، فيما كان الفريق الوطني الليبي يستعد لهذه المباراة رغم ما يشاع عن إلغائها، بل حتى صباح يوم المباراة لم يكن أحد يملك الجواب الشافي لما سيحدث فعلا، وهل ستلعب المباراة ام لا.. والكل في حيرة من أمره لاعبون وجمهور.

شخصيا قمت صباح يوم المباراة بالذهاب إلى مقر إقامة المنتخب الوطني، وكان بفندق باب البحر، للحصول على إجابة بعد أن اطلعت على الصحيفة الوحيدة التي تصدر يوم الجمعة، ألا وهي صحيفة “الفجر الجديد”، ولم تكن تحمل أي خبر حول إقامة المباراة من عدمها، ولكن لم أجد أي أحد لديه إجابة واضحة، حتى لدى أعضاء الفريق وكل من يرافقه.. فالكل كان في حيرة من أمره ولا يملك أي جواب.. ليأتي المساء الموعود ويحين الموعد المنتظر حيث تقطرت الجماهير الرياضية إلى ملعب المباراة منذ ساعات الظهيرة، لمتابعة المباراة ومؤازرة الفريق الليبي وتشجيعه، كما العادة في مثل هكذا مباراة..

امتلأت مدرجات الملعب كعادتها في مثل هذه المناسبات الهامة، وبين مؤكد لخبر إلغاء المباراة وناف، مرت ساعات الانتظار والترقب بين الحاضرين.. حتى جاءت اللحظة المناسبة للموعد وكان أن حضر الفريقان إلى أرض الملعب، الأمر الذي زاد من الحيرة والترقب.. ثم وما إن حان موعد المباراة المحدد حتى خرج طاقم التحكيم يصحبه الفريق الجزائري وحيدا رغم وجود الفريق الليبي بغرف الملابس.. وهنا بدأت الرؤية تتضح، ورغم ذلك انتظرت الجماهير مع الحكم والفريق المنافس لحظات الوقت المحدد لانتظار الفريق، فربما يحدث ما يثلج الصدور في آخر اللحظات ويهل الفريق الوطني وتلعب المباراة.. لكن وما إن مرت لحظات الوقت المحددة حتى أعلنت صفارة الحكم إلغاء المباراة طبعا باحتساب النتيجة للفريق المنافس وهو الفريق الجزائري.. وهنا اعتلت التساؤلات والحيرة وجوه الحاضرين لفترة من الوقت عن سبب وماهية هذا الإلغاء الغير مبرر على الأقل رياضيا.. ثم بعد لحظات استفاق الحاضرون من استغرابهم مما حدث، لتبدأ مغامرة أخرى لم تحدث من قبل، حيث بدأت الجماهير الرياضية في النزول إلى أرض الملعب للتعبير عن غضبها ورفضها لهذا الإلغاء الغير مبرر، والذي اتخذ في تلك الفترة بحجج واهية، منها المحافظة على العلاقات مع الدول العربية وغيرها، وكأن الرياضة هي من يسبب هذه المشاكل وليس السياسة وأهلها.

المهم نزل الجمهور إلى أرض الملعب وبدأ يهتف ببعض الهتافات التي تعبر عن الغضب والرفض، ثم بدأت بعض الأعمال التي من بينها إشعال النيران في أرضية الملعب المعشب صناعيا في تلك الفترة.. وبعد فترة من الوقت اعتلاها من الغضب والرفض اختلطت الأمور، وتحول الأمر إلى أكبر من مجرد مباراة في كرة القدم، حيث تحول الرفض إلى تظاهرة أدت إلى إخراج حالات من الغضب المسكوت عنها والتي يعانيها الشعب الليبي من حكم القذافي في تلك الأيام..

فعبر الشباب عن رفضهم للنظام، وارتفعت الهتافات ضده، وإن كنت لا أذكر تفاصيلها لمرور الزمن، وفجأة ودون سابق إنذار ارتفعت الأصوات مطالبة ومقررة عدم الاكتفاء بالبقاء داخل الملعب وإعلان غضبها، بل يجب أن ينقل هذا الغضب إلى محيطه وخارج أسواره.. فاتفق الغاضبون على ضرورة الخروج إلى الفضاء الأوسع وهو الشارع، وتم الاتفاق على التوجه إلى ما يسمى في تلك الفترة الساحة الخضراء.. ميدان الشهداء..

فخرجت الجماهير في تظاهرة كبيرة جزء منها خرج من الباب الذي يدخل منه اللاعبون، وهو الذي يقع في الناحية الشرقية، والجزء الآخر خرج من الباب الرئيسي الذي يقع في الجهة الغربية للملعب، وهذا الجزء اتجه نحو طريق ما يعرف بمصنع قرجي للمكرونة في ذلك الوقت، في طريقه إلى الطريق الساحلي بالقرب من الإشارة الضوئية المعروفة حتى اليوم بتقاطع قرطبة..

كانت الأعداد تتغير في الطريق، فهناك من ينسحب من التظاهرة لمجرد وصوله إلى الطريق الذي يؤدي إلى مقر سكناه، وهناك من ينظم إلى هذه التظاهرة، وكانت الهتافات تتجاوز ما حدث حول المباراة لتعلن غضبها ورفضها للأوضاع الداخلية في البلاد، وما وصل إليه الحال في تلك الأيام، وهو ما يمكن القول إنه حدث ويحدث لأول مرة في عهد النظام السابق، خاصة في العاصمة طرابلس (وإلى هنا تحدثت كشاهد عيان أم الباقي فهو منقول عن غيري حتى أكون واضحا في نقل الصورة الحقيقية للحدث)..

عند الوصول إلى الطريق الساحلي اتخذت المظاهرة طريقها باتجاه وسط المدينة بعد أن احتشد تجمع كبير هتف ضد الوضع في تلك الأيام، وتحول الأمر كما قلت ليس مجرد مباراة كرة قدم وخاصة أن من عاش تلك الفترة يعرف صعوبتها وما عاناه الشعب الليبي خلالها من إيقاف التعيينات إلى حرب تشاد إلى محاربة التجارة إلى الإعدامات التي كانت تجري على أعين الأشهاد إلى غيرها من أمور، فكانت هذه الفرصة مواتية للتعبير عن الغضب الشعبي الرافض لكل ما يجري.. نعود للموضوع، حيث تم في هذا المكان إقفال الطريق بسبب الازدحام، بل تم إيقاف حافلة ركاب عندما كان للحافلات العامة وجود وأنزل ركابها، وتم قلبها بالطريق تعبيرا عن الرفض..

فيما كانت المجموعة الأخرى التي خرجت من الباب الشرقي للملعب قد أخذت طريقها من الشارع المار أمام مستشفى الدرن “المركز الوطني لمكافحة الأمراض” حاليا، وصولا إلى طريق قرجي حتى وصلت إلى شارع عمر المختار كما قيل، وتحديدا أمام نادي المدينة حيث تم هناك إيقافها بقوة السلاح، خشية وصولها إلى المكان المقصود وهو ميدان الشهداء، فأصيب من أصيب، وقيل إن هناك من سقط قتيلا في هذا المكان، حيث علمت أن أحد أبطال السباحة وهو طالب كلية الطب حينها “طه جلول” قد سقط في ذلك المكان، وقد التقيت بأخيه منذ عدة سنوات وأكد لي ذلك الأمر.. بل هناك من يتحدث عن عشرات القتلى، ولكني صراحة لا أستطيع أن أوكد هذا الأمر أو أنفيه وخاصة أن هذه الحادثة حدث فيها الكثير من الخلط والمغالطات من البعض ليبيين وغيرهم..

كما قرأت في بعض الكتب وسمعت عددا من التصريحات لناس لم يكن لهم علاقة حتى بالرياضة، ولكنهم نقلوا أخبارها، فاختلط عليهم أمر ما حدث في هذا اليوم مع ما حدث في مجزرة مباراة الأهلي والاتحاد المشهورة في 1996، والتي استعمل فيها الرصاص داخل الملعب وسقط فيها أكثر من 30 قتيلا..

المهم أنه بعد ما حدث في ذلك اليوم نقلت وسائل الإعلام العالمية خبر هذه المظاهرة، وخاصة إذاعة لندن التي كانت تشد إليها الأسماع في تلك الأيام، لمعرفة ما كان يدور في بلادنا وكل أصقاع الدنيا، وخاصة خبر الحافلة في التي تم حرقها في طريق قرجي بعد الإشارة الضوئية بقليل، والتي يمكن اعتبارها الأولى من نوعها في ذلك الوقت التي تخرج منددة بنظام القذافي هكذا علنا في شوارع مدينة طرابلس.

طبعا ما حدث لم يكن متوقعا من القذافي وأعوانه، ظنا منهم أن الشعب الليبي رضي بخنوعه، ولا يستطيع التعبير عن رفضه لأي أمر، فبدأ الخوف من جماهير الرياضة، وما يمكن أن تسببه من قلق للنظام بعد هذا اليوم المشهود، فعمل النظام على الزج بعدد من أعوانه الذين يمكن الاعتماد عليهم في قمع الجمهور ووضعهم على رأس الأندية الكبيرة، لتحولها ليس إلى مجرد أندية رياضية، بل إلى مواقع عسكرية وثورية تنفذ سياسة النظام وتهتف باسمه، في كل وقت وحين، ويجب الاعتراف بأنه نجح إلى حد كبير في هذا الأمر، حتى شب أبناؤه وسلمت لهم الرياضة وأنديتها ليفعلوا فيها ما يريدون، وطبعا شاركهم عدد من عبيدهم وأعوانهم من كل الفئات رياضيين.. جمهور.. إعلاميين.. إداريين وغيرهم، والذين باعوا أنفسهم لهم ووجدوا أن الفرصة مناسبة لهم للحصول على بعض الامتيازات والمصالح الشخصية، وللأسف إن منهم اليوم من يتشدق علينا بتاريخه، بل ومازال يريد أن يكون لها مكان، وبكل قوة، وقد نجح بعضهم في الاحتفاظ بذلك في عدد من الأندية والاتحادات الرياضية وغيرها، وهم لم يكن لهم أي علاقة بالرياضة إلا من خلال أبناء القذافي الذين وجودا فيهم ضالتهم في تنفيذ سياستهم وأهدافهم في السيطرة على الرياضة بعد كل ما كان في الحادثة المذكورة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى