الاخيرةالرئيسيةالرايفي الذاكرة

ليبيا- فلسطين: بين قافلتين وتاريخين

 

بعد ما يقارب الثمانين عامًا على انطلاق القافلة الليبية الأُولى للجهاد في فلسطين… يقف الزمن عند مفارقة مخزية… فتلك القوافل التي حملت الأجداد إلى ساحات المعركة والنضال… يقابلها اليوم قطعٌ في الطريق على قافلة أخرى… لقد أبى التاريخ أن يعيد نفسه هذه المرة… فأبناء الأرض التي جاهد أبناؤها في فلسطين… يصدون اليوم العون والنصرة ويمنعون وصول القوافل إلى غزة.

 

*كتب/ عبدالوهاب الحداد،

في الأوّل من إبريل عام 1948… كان أجدادنا يستعدون لمعركة بعيدة… ويكتبون أول قصص التضحية والنضال والفداء ضد الصهاينة.

هذي القصة يرويها المجاهد “السنوسي شلوف”، أحد الأبطال الذين عاشوا تلك اللحظات ضمن كتيبة عمر المختار التي هبّت للجهاد في فلسطين.

في ذاك الفجر… انطلقت القافلة… مائتا مقاتل على متن شاحنات صغيرة تجتاز القرى والبوادي في طريقها إلى حدود مصر… كان الأهالي يقفون على جوانب الطرقات… يتسألون في ذهول: “ما خطب هؤلاء؟ وإلى أين يقصدون؟”، فيجيب الصوت العابر: “ذاهبون إلى فلسطين… إلى الأرض التي تنادي أبناء العروبة لنصرتها…”

سرت الدعوة في القرى مثل اللهب في الهشيم… تضاعف عدد المتطوّعين… شيبٌ وشبانٌ… حتى وصل مجموع المتطوعين للجهاد إلى أربعمائة وخمسين مقاتلا من مختلف المدن والبلدات الليبية.

***

عبر السلوم… كان في استقبالهم القائد السوداني “محمد سرور”، موفد الجماعة العربية في الجيش المصري… من هناك انتقلوا بالقطارات إلى مرسى مطروح… حيث التحقوا برفاقٍ سبقوهم إلى المعسكر… منهم سالم السركسي، والمستيري (استشهد أثناء الدخول إلى الأراضي الفلسطينية).

ومن مطروح إلى القاهرة… تحديدا إلى معسكر الهاكست على طريق مطار الماظَة… حيث انضمّ إليهم لاحقا أربعة آخرون، على رأسهم محمد جعاكة، وبشير الناجح (استشهد لاحقا في بيت لحم).

هناك… التقى المقاتلون شخصية لها تأثيرٌ في العالم العربي في تلك الحقبة… القائد “عبد الكريم الخطّابي” الذي خطب فيهم: “يا أبناء عمر المختار، أنتم أول سرية متطوعين ستدخل فلسطين، وسيتبعكم عدة سرايا من الوطن العربي بعون الله”.

في الأوّل من مايو… انقسمت القوة إلى مجموعتين… استقلت القطار إلى “بنها”، وصولا إلى “السويس”، وعبروا القناة… واخترقوا صحراء سيناء… حتى وصلوا إلى العريش… حيث نصبوا معسكرهم داخل الخيام.

هناك في السويس… أبصروا بعيونهم الحقيقة المروعة… شيوخ ونسوة وأطفال فلسطينيون… يفرون بأرواحهم من بيت لحم… ويحتمون داخل خيام مهلهلة وأكواخ صفيح يحيط بهم سياج شائك.

***

في العاشر من مايو… سار الأبطال على الأقدام… يحملون عتادهم على الأكتاف… قطعوا 24 كيلومتراً على الأقدام حتى وصلوا خان يونس… واتخذوا مدرستها مقرًا… كانت البلدة خالية من سكانها… يحيط بها أربع عشرة مستعمَرَة صهيونية.

صباح اليوم التالي… وصل القادة… وزعوا السلاح على المجاهدين… بنادق ورشاشات “توميجان – بيرن” سريعة الطلقات… رشاشات “بويز” ضد المصفحات.

وصلت معلومة للمجاهدين الليبيين… مدرعات صهيونية ستمر عبر طريق “وادي الدانجور”… تتجه إلى القصر الواقع بالقرب من بلدة “الفالوجا” لاستلامه من الجنود الإنجليز المتواجدين به… فموعد خروج الانجليز هو 15 مايو 1948 … سيسلمون القصر للصهاينة… ذلك لن يكون، هذا ما جئنا لأجله.

انطلق المجاهدون من خان يونس إلى غزة… عبروا إلى “عراق سويدان”، على طريق غزة- بئر السبع… على بعد قليل من “الفالوجا”، حيث كان الهدف.

نُصب الكمين عند مدخل الوادي… نصف القوة دخلت الفالوجا الخاوية… والنصف الآخر تمركز على التلال والحقول حول الطريق.

ساعات من الترقّب… حتى لاح الرتل المعادي… مدرّعة تتبع أخرى… تتسق في خط واحد داخل الوادي… تسير بخيلاء استعراضي.

هنا… في تلك اللحظة… انهمر الرصاص.. وفتحت النيران على الأرتال… وصياحات المجاهدين تملأ الوادي تكبيرًا وتهليلًا… تجمدت المصفّحات في المكان… لم يجد العدو مفرّا ولا قدرة على المقاومة.

هجم الأبطال… أردوا أربعة صهاينة على الفور… والخامس كان في النزع الأخير… في حين ألقوا القبض على أسيرين.

داخل تلك المصفحات غنموا 65 قطعة سلاح انجليزيّ… استولوا على العتاد… واقتادوا الأسرى إلى القيادة المصريَّة.

نُقلت تلك المصفحات إلى “عراق سويدان”، وأعلنت الكتيبة يوم 12 مايو عيد الأبطال… يوم انتصر فيه الليبي على المعتدي… وكان بداية سلسلة أخرى من التضحيات التي بذلها أبناء هذه الأرض في الدفاع عن عرض فلسطين.

ولكن:

سيدي… “السنوسي شقلوف”… أخبرك خجلا: إنّ الأقدار التي خطت على رجالك طريق العز والنضال… عادت لتسطر اليوم تاريخًا آخر لا يروى.

نعم سيّدي… عند حدود سرت الغربية… توقّفت اليوم القافلة… لكنّها ليست كأيّ قافلة… هذه جماعةٌ آمنة… نسوة… شيب… وشباب… قَطَعَ طريقهم جماعة تدّعي القوة والنفوذ… وإن كنتم قد ذهبتم لفلسطين دون سلاح ولا عتاد… فإن هؤلاء القُطّاع اليوم… ارتدوا بزات عسكرية… علقوا على صدورهم الأوسمة والنياشين… ووضعوا على الأكتاف الرتب العالية… ولطالما استعرضوا علينا بأسلحتهم البرية والجوية…  لم نكن نعلم أن خط الحدود الإسرائيلي الأحمر يبدأ من أرضنا … بأكثر دقة من أرضكم.

ولله الامر من قبل ومن بعد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى